هل ينجح "حزب الله" في ترهيب بكركي؟
بشارة خيرالله - ليبانون ديبايت - يوم صعد "حزب الله" إلى قصر بعبدا شاكيًا خطورة تدخل مجموعات لبنانية (شمالية) في الحرب السورية، قابلهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بكثير من التفهم والموافقة، كاشفًا عن حل جازم يمنع أي فرد أو فريق لبناني الذهاب إلى القتال في سوريا.
جلسة تاريخية بغياب الحريري وجعجع والصفدي
وفي 11 حزيران 2012 انعقدت هيئة الحوار الوطني في مقرّ الرئاسة في بعبدا برئاسة رئيس الجمهوريّة ومشاركة أفرقاء الحوار، وقد تغيّب منهم دولة الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، كما تغيب الوزير محمد الصفدي بداعي المرض.
وبعد الوقوف دقيقة صمت إجلالًا لروح الراحل الكبير الأستاذ غسان تويني العضو السابق في هيئة الحوار، افتتح فخامة الرئيس الجلسة بإبراز الحاجة الملحّة التي دفعته للمبادرة للدعوة الى استئناف أعمال هيئة الحوار، والتي جاءت لتؤكدها الأحداث المؤسفة الأخيرة وخصوصًا في الشمال وتداعياتها السلبيّة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
تمت مناقشة عامة لبنود جدول الأعمال كما طرحها رئيس الجمهورية، كذلك تمّ الاستماع إلى آراء ومواقف أفرقاء هيئة الحوار بمواضيع مختلفة وطارئة تستلزم اهتمامًا ومعالجات فوريّة. وبنتيجة التداول تمّ التوافق على النقاط والمقرّرات الآتية:
1- إلتزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.
2- إلتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.
3- دعوة المواطنين بكلّ فئاتهم للوعي والتيقّن، بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف ويهدّد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.
4- العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة لحلّ أيّ خلاف أو إشكال طارئ.
5- دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنيّة الشرعيّة من التعامل مع الحالات الأمنيّة الطارئة وفقًا لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.
6- دعم سلطة القضاء تمكينًا من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.
7- الدعوة الى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة.
8- دعوة جميع القوى السياسيّة وقادة الفكر والرأي إلى الابتعاد عن حدّة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كلّ ما يثير الخلافات والتشنّج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقّق الوحدة الوطنيّة ويعزّز المنعة الداخليّة في مواجهة الأخطار الخارجيّة، ولا سيَما منها الخطر الذي يمثّله العدوّ الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجابًا على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصاديّة والسياحيّة والأوضاع الاجتماعيّة.
9- التأكيد على ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.
10- تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.
11- التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده .
12- تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصًا على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.
13- الحرص تاليًا على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرًّا أو ممرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون .
14- إلتزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار1701.
15- مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.
16- تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين الواقع فيه 25 حزيران 2012 موعدًا للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها والتي ستكون الاستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات.
17- اعتبار هذا البيان مثابة "إعلان بعبدا" يلتزمه جميع الأطراف وتبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الأمم المتحدة.
المجموعة الدولية لدعم لبنان والهبة السعودية لتسليح الجيش
وبعد التأكيد على "إعلان بعبدا" في جلسات الحوار المتتالية بالإجماع اعتُمِد "إعلان تحييد لبنان" كوثيقة أممية، وبعد تأييد غالبية الدول كل ما ورد فيه بناءً على عزم رئيس الجمهورية على إقرار استراتيجية دفاعية تمهيدًا لحصر السلاح بيد السلطات الشرعية، تهافتت الدول لمساندة لبنان، فتأسست المجموعة الدولية لدعم لبنان ISG كما أعلنت المملكة العربية السعودية عن هبة (3 مليار دولار) غير مسبوقة لتسليح الجيش، تلتها هبة ثانية (مليار دولار) لمواجهة الارهاب. في حين تراجع "حزب الله" عن موافقته مفضلًا المصلحة الاقليمية الداعية إلى المشاركة في الحرب السورية على المصلحة اللبنانية الداعية إلى "تحييد لبنان" عن الصراعات وتجنيبه انعكاساتها السلبية، تحت حجج واهية تارةً بحجة الدفاع عن بعض اللبنانيين داخل الحدود السورية وتارةً أخرى بذريعة الدفاع عن المقامات المقدسة، قبل ان يُعلن السيد حسن نصرالله استراتيجيته الخاصة (حيث يجب ان نكون سنكون)، كما في بيروت كذلك في دمشق وفي بغداد وفي صنعاء وفي أية دولة أخرى.. (تم الكشف عن خلايا مسلحة تابعة لـ"حزب الله" تنشط في بلدان عربية عدة منها على سبيل المثال لا الحصر خلية سامي شهاب في مصر وخلية العبدلي في الكويت وأخرى في الأردن).
التحييد والترهيب
منذ ذلك الحين لم يعدم "حزب الله" أية وسيلة للاطباق على سياسة "تحييد لبنان"، حيث أدار أشرس هجوم على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان (عرّاب التحييد) ساعيًا في هجومه إلى إفهام أي مرشح ماروني لرئاسة الجمهورية وأي طامح سنّي إلى رئاسة مجلس الوزراء ان كل الطرق إلى السلطات الدستورية أو المناصب تمر من "حارة حريك"، معتمدًا في الوقت عينه سياسة الـIntimidation لترهيب كل من يُفكِّر بصوابية تحييد لبنان، وصولًا إلى إقدام مجموعات تدور في فلك "الممانعة" على إحراق خيمة "الملتقى" التي دعت الثوار إلى مناظرة حول "التحييد"، وهذا ما يُفسِّر تهرّب غالبية القوى وعدم المجاهرة بضرورة "تحييد لبنان"، والاكتفاء بترداد كلمة "النأي بالنفس" المغايرة في معناها. (النأي بالنفس موقف اتخذته الحكومة اللبنانية من قصر بعبدا في 9 حزيران 2010 وأبلغته إلى مجلس الأمن، حيال فرض أميركا عقوبات على إيران لتجميد برنامجها النووي).
حوار بعبدا 2020
لحظة تلقي الرئيس ميشال سليمان دعوة الرئيس ميشال عون إلى جلسة الحوار في قصر بعبدا، كان المزاج الشعبي العام يميل إلى ضرورة المقاطعة، وكانت غالبية القوى المدعوة إلى الحوار قد اعتذرت. ومع ذلك، وخلافًا للمزاج العام ولرغبات وتمنيات كثيرين، لبى الرئيس السلف دعوة الرئيس الخلف على قاعدة "صديقك من صَدَقَك"، وصعد إلى القصر الجمهوري ليضع الأصبع على مكمن الخلل ويذكِّر جميع القوى بضرورة العودة الطوعية إلى "إعلان بعبدا"، وهم أنفسهم الذين وافقوا عليه في المكان نفسه قبل ان يتراجعوا بفعل مونة "حزب الله" الغارق في محاور الأمم.
لقاء الديمان
لقيت مداخلة الرئيس سليمان المطالِبة بضرورة "تحييد لبنان" صداها الداخلي ولفتت أنظار الدول الصديقة للبنان، إذ شكلت المخرج الوحيد لإنقاذ البلاد من عزلتها القاتلة.. وبعد "حوار بعبدا" زار الرئيس سليمان البطريرك بشارة الراعي في الديمان، حيث تناول البحث أهمية العودة إلى التحييد وضرورة إقرار الاستراتيجية الدفاعية كخطوة أولى على طريق إنقاذ لبنان.
أعاد البطريرك الراعي الأمل إلى اللبنانيين في تبنيه ضرورة "تحييد لبنان" ونال تأييد غالبية القوى ما عدا "حزب الله" الذي باشرت "جيوشه الالكترونية" بتخوين الراعي وكل من يؤيد الحياد أو يطالبه بالعودة إلى ما تم الاتفاق عليه في "إعلان بعبدا".
بين شارل مالك ومحمد شطح
في 30 كانون الأول 2013 وفي الذكرى الـ25 على رحيل نبراس لبنان شارل مالك استذكرت في مقال نشرته صحيفة المستقبل اللبنانية، رؤية الراحل الكبير الذي وجد من خلال أفكاره النيِّرة والطروح، حلًا للأزمة اللبنانية أو ما يشبه المسوَّدة المُبكِرة جدًا لـ"إعلان بعبدا"، كتبها بخط يده على "ورقة خرطوش"، رأى فيها أن "لبنان دولة ومجتمع ومجموعة انتماءات دينية وثقافية. بقدر ما هو دولة بالفعل، يكون حرًا سيدًا مستقلًا، بمعنى هذه الصفات الثلاث المتعارف عليها دوليًا. وهذا يعني أن لبنان غير تابع لأحد، ولا يصادق أحدًا لقاء معاداة أحد، أو يعادي أحدًا لقاء مصادقة أحد. وإذا قيل له: أُصادقك شرط أن تعادي غيري، يرفض هذا العرض". (انتهى).
وقبل استشهاده بفترة قصيرة، وجّه الوزير محمد شطح رسالة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني، لا تخلو خلاصة مضمونها من اقتباس لأفكار شارل مالك، شرح من خلالها حقيقة المعاناة اللبنانية الحديثة مع سلاح "حزب الله" ومسبباته والتداعيات الناتجة عن دخوله في معارك سوريا بعد أن لعبت المقاومة الدور الأساسي في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، داعيًا فيها الرئيس المنتخب حديثًا، إلى فعل ما يجب فعله بغية إنقاذ لبنان، إلى جانب مجموعة دولية وإقليمية مؤثرة في الوضع اللبناني من خلال إيجاد حلّ لتجاوزات "حزب الله" الذي يُشكِّل ذراعًا تنفيذية للحرس الثوري الإيراني في لبنان ومصر وسوريا وغيرها من البلدان.
التيار بين قوة المنطق ومنطق القوة
لكل فريق في لبنان رأيه الواضح المتعلق بالتحييد، لكن "التيار الوطني الحر" ورئيسه وصولًا إلى مؤسسه (الرئيس عون)، يجد نفسه بين مطرقة "قوة المنطق" في كلام البطريرك الراعي وبين سندان "منطق القوة" الذي يُمثله "حزب الله" المسيطر على كل القرارات في لبنان، سيّما قرار الحرب والسلم.
وفي معرض ما نُقل عن لسان الرئيس ميشال عون خلال اللقاء الذي جمعه بالبطريرك الراعي، حول ضرورة الحوار مع "حزب الله" وعدم القدرة على فرض "التحييد" عليه، لا بد من سؤال حول أحقية "حزب الله" بفرض رأييه على باقي المكونات والذهاب للقتال حيث يريد متخطيًا رأي الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية وقواها الأمنية وغالبية اللبنانيين الرافضين تدفيعهم ثمن تداعيات صراعات المحاور.
كما لا بد من تذكير الجميع بأن "تحييد لبنان" نال تأييد أعضاء هيئة الحوار من دون استثناء وفي مقدمتهم "حزب الله"، كما نال تأييد الثلاثي الغائب عن جلسة "إعلان بعبدا" (سعد الحريري – سمير جعجع – محمد الصفدي).
الخلاصة
بناء على كل ما تقدم، لن تقوم للبنان قائمة اقتصادية أو سياسية إن لم يعتمد سياسة تحييد نفسه عن صراعات المحاور، ما يعني ضرورة العودة إلى كل ما جاء في "إعلان بعبدا" كمقدمة لإقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تحصر استعمال السلاح بيد الشرعية اللبنانية.
وعليه، يُحتِّم الواجب الوطني وقوف كل لبناني يُغلِّب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى، إلى جانب البطريرك الراعي للسير في مشروع "تحييد لبنان" والعودة إلى "إعلان بعبدا" قبل فوات الأوان.. حتى "حزب الله"، سيجد في هذه العودة مصلحة ناسه المغلوب على أمرهم.
أما الرئيس ميشال عون، فأمامه فرصة تاريخية للاستفادة من كل الكلام المنادي بضرورة تحييد لبنان "حفاظًا على ما تبقّى" لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، والاسراع في مصالحة لبنان مع محيطه العربي ووضح حد لأي فريق يستعمل الساحة اللبنانية لاستفزاز كل دول العالم كرمى عيون إيران.
بشارة خيرالله – 19 تموز 2020
بشارة خيرالله - ليبانون ديبايت - يوم صعد "حزب الله" إلى قصر بعبدا شاكيًا خطورة تدخل مجموعات لبنانية (شمالية) في الحرب السورية، قابلهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بكثير من التفهم والموافقة، كاشفًا عن حل جازم يمنع أي فرد أو فريق لبناني الذهاب إلى القتال في سوريا.
جلسة تاريخية بغياب الحريري وجعجع والصفدي
وفي 11 حزيران 2012 انعقدت هيئة الحوار الوطني في مقرّ الرئاسة في بعبدا برئاسة رئيس الجمهوريّة ومشاركة أفرقاء الحوار، وقد تغيّب منهم دولة الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، كما تغيب الوزير محمد الصفدي بداعي المرض.
وبعد الوقوف دقيقة صمت إجلالًا لروح الراحل الكبير الأستاذ غسان تويني العضو السابق في هيئة الحوار، افتتح فخامة الرئيس الجلسة بإبراز الحاجة الملحّة التي دفعته للمبادرة للدعوة الى استئناف أعمال هيئة الحوار، والتي جاءت لتؤكدها الأحداث المؤسفة الأخيرة وخصوصًا في الشمال وتداعياتها السلبيّة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
تمت مناقشة عامة لبنود جدول الأعمال كما طرحها رئيس الجمهورية، كذلك تمّ الاستماع إلى آراء ومواقف أفرقاء هيئة الحوار بمواضيع مختلفة وطارئة تستلزم اهتمامًا ومعالجات فوريّة. وبنتيجة التداول تمّ التوافق على النقاط والمقرّرات الآتية:
1- إلتزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.
2- إلتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.
3- دعوة المواطنين بكلّ فئاتهم للوعي والتيقّن، بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف ويهدّد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.
4- العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة لحلّ أيّ خلاف أو إشكال طارئ.
5- دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنيّة الشرعيّة من التعامل مع الحالات الأمنيّة الطارئة وفقًا لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.
6- دعم سلطة القضاء تمكينًا من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.
7- الدعوة الى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة.
8- دعوة جميع القوى السياسيّة وقادة الفكر والرأي إلى الابتعاد عن حدّة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كلّ ما يثير الخلافات والتشنّج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقّق الوحدة الوطنيّة ويعزّز المنعة الداخليّة في مواجهة الأخطار الخارجيّة، ولا سيَما منها الخطر الذي يمثّله العدوّ الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجابًا على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصاديّة والسياحيّة والأوضاع الاجتماعيّة.
9- التأكيد على ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.
10- تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.
11- التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده .
12- تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصًا على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.
13- الحرص تاليًا على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرًّا أو ممرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون .
14- إلتزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار1701.
15- مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.
16- تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين الواقع فيه 25 حزيران 2012 موعدًا للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها والتي ستكون الاستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات.
17- اعتبار هذا البيان مثابة "إعلان بعبدا" يلتزمه جميع الأطراف وتبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الأمم المتحدة.
المجموعة الدولية لدعم لبنان والهبة السعودية لتسليح الجيش
وبعد التأكيد على "إعلان بعبدا" في جلسات الحوار المتتالية بالإجماع اعتُمِد "إعلان تحييد لبنان" كوثيقة أممية، وبعد تأييد غالبية الدول كل ما ورد فيه بناءً على عزم رئيس الجمهورية على إقرار استراتيجية دفاعية تمهيدًا لحصر السلاح بيد السلطات الشرعية، تهافتت الدول لمساندة لبنان، فتأسست المجموعة الدولية لدعم لبنان ISG كما أعلنت المملكة العربية السعودية عن هبة (3 مليار دولار) غير مسبوقة لتسليح الجيش، تلتها هبة ثانية (مليار دولار) لمواجهة الارهاب. في حين تراجع "حزب الله" عن موافقته مفضلًا المصلحة الاقليمية الداعية إلى المشاركة في الحرب السورية على المصلحة اللبنانية الداعية إلى "تحييد لبنان" عن الصراعات وتجنيبه انعكاساتها السلبية، تحت حجج واهية تارةً بحجة الدفاع عن بعض اللبنانيين داخل الحدود السورية وتارةً أخرى بذريعة الدفاع عن المقامات المقدسة، قبل ان يُعلن السيد حسن نصرالله استراتيجيته الخاصة (حيث يجب ان نكون سنكون)، كما في بيروت كذلك في دمشق وفي بغداد وفي صنعاء وفي أية دولة أخرى.. (تم الكشف عن خلايا مسلحة تابعة لـ"حزب الله" تنشط في بلدان عربية عدة منها على سبيل المثال لا الحصر خلية سامي شهاب في مصر وخلية العبدلي في الكويت وأخرى في الأردن).
التحييد والترهيب
منذ ذلك الحين لم يعدم "حزب الله" أية وسيلة للاطباق على سياسة "تحييد لبنان"، حيث أدار أشرس هجوم على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان (عرّاب التحييد) ساعيًا في هجومه إلى إفهام أي مرشح ماروني لرئاسة الجمهورية وأي طامح سنّي إلى رئاسة مجلس الوزراء ان كل الطرق إلى السلطات الدستورية أو المناصب تمر من "حارة حريك"، معتمدًا في الوقت عينه سياسة الـIntimidation لترهيب كل من يُفكِّر بصوابية تحييد لبنان، وصولًا إلى إقدام مجموعات تدور في فلك "الممانعة" على إحراق خيمة "الملتقى" التي دعت الثوار إلى مناظرة حول "التحييد"، وهذا ما يُفسِّر تهرّب غالبية القوى وعدم المجاهرة بضرورة "تحييد لبنان"، والاكتفاء بترداد كلمة "النأي بالنفس" المغايرة في معناها. (النأي بالنفس موقف اتخذته الحكومة اللبنانية من قصر بعبدا في 9 حزيران 2010 وأبلغته إلى مجلس الأمن، حيال فرض أميركا عقوبات على إيران لتجميد برنامجها النووي).
حوار بعبدا 2020
لحظة تلقي الرئيس ميشال سليمان دعوة الرئيس ميشال عون إلى جلسة الحوار في قصر بعبدا، كان المزاج الشعبي العام يميل إلى ضرورة المقاطعة، وكانت غالبية القوى المدعوة إلى الحوار قد اعتذرت. ومع ذلك، وخلافًا للمزاج العام ولرغبات وتمنيات كثيرين، لبى الرئيس السلف دعوة الرئيس الخلف على قاعدة "صديقك من صَدَقَك"، وصعد إلى القصر الجمهوري ليضع الأصبع على مكمن الخلل ويذكِّر جميع القوى بضرورة العودة الطوعية إلى "إعلان بعبدا"، وهم أنفسهم الذين وافقوا عليه في المكان نفسه قبل ان يتراجعوا بفعل مونة "حزب الله" الغارق في محاور الأمم.
لقاء الديمان
لقيت مداخلة الرئيس سليمان المطالِبة بضرورة "تحييد لبنان" صداها الداخلي ولفتت أنظار الدول الصديقة للبنان، إذ شكلت المخرج الوحيد لإنقاذ البلاد من عزلتها القاتلة.. وبعد "حوار بعبدا" زار الرئيس سليمان البطريرك بشارة الراعي في الديمان، حيث تناول البحث أهمية العودة إلى التحييد وضرورة إقرار الاستراتيجية الدفاعية كخطوة أولى على طريق إنقاذ لبنان.
أعاد البطريرك الراعي الأمل إلى اللبنانيين في تبنيه ضرورة "تحييد لبنان" ونال تأييد غالبية القوى ما عدا "حزب الله" الذي باشرت "جيوشه الالكترونية" بتخوين الراعي وكل من يؤيد الحياد أو يطالبه بالعودة إلى ما تم الاتفاق عليه في "إعلان بعبدا".
بين شارل مالك ومحمد شطح
في 30 كانون الأول 2013 وفي الذكرى الـ25 على رحيل نبراس لبنان شارل مالك استذكرت في مقال نشرته صحيفة المستقبل اللبنانية، رؤية الراحل الكبير الذي وجد من خلال أفكاره النيِّرة والطروح، حلًا للأزمة اللبنانية أو ما يشبه المسوَّدة المُبكِرة جدًا لـ"إعلان بعبدا"، كتبها بخط يده على "ورقة خرطوش"، رأى فيها أن "لبنان دولة ومجتمع ومجموعة انتماءات دينية وثقافية. بقدر ما هو دولة بالفعل، يكون حرًا سيدًا مستقلًا، بمعنى هذه الصفات الثلاث المتعارف عليها دوليًا. وهذا يعني أن لبنان غير تابع لأحد، ولا يصادق أحدًا لقاء معاداة أحد، أو يعادي أحدًا لقاء مصادقة أحد. وإذا قيل له: أُصادقك شرط أن تعادي غيري، يرفض هذا العرض". (انتهى).
وقبل استشهاده بفترة قصيرة، وجّه الوزير محمد شطح رسالة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني، لا تخلو خلاصة مضمونها من اقتباس لأفكار شارل مالك، شرح من خلالها حقيقة المعاناة اللبنانية الحديثة مع سلاح "حزب الله" ومسبباته والتداعيات الناتجة عن دخوله في معارك سوريا بعد أن لعبت المقاومة الدور الأساسي في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، داعيًا فيها الرئيس المنتخب حديثًا، إلى فعل ما يجب فعله بغية إنقاذ لبنان، إلى جانب مجموعة دولية وإقليمية مؤثرة في الوضع اللبناني من خلال إيجاد حلّ لتجاوزات "حزب الله" الذي يُشكِّل ذراعًا تنفيذية للحرس الثوري الإيراني في لبنان ومصر وسوريا وغيرها من البلدان.
التيار بين قوة المنطق ومنطق القوة
لكل فريق في لبنان رأيه الواضح المتعلق بالتحييد، لكن "التيار الوطني الحر" ورئيسه وصولًا إلى مؤسسه (الرئيس عون)، يجد نفسه بين مطرقة "قوة المنطق" في كلام البطريرك الراعي وبين سندان "منطق القوة" الذي يُمثله "حزب الله" المسيطر على كل القرارات في لبنان، سيّما قرار الحرب والسلم.
وفي معرض ما نُقل عن لسان الرئيس ميشال عون خلال اللقاء الذي جمعه بالبطريرك الراعي، حول ضرورة الحوار مع "حزب الله" وعدم القدرة على فرض "التحييد" عليه، لا بد من سؤال حول أحقية "حزب الله" بفرض رأييه على باقي المكونات والذهاب للقتال حيث يريد متخطيًا رأي الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية وقواها الأمنية وغالبية اللبنانيين الرافضين تدفيعهم ثمن تداعيات صراعات المحاور.
كما لا بد من تذكير الجميع بأن "تحييد لبنان" نال تأييد أعضاء هيئة الحوار من دون استثناء وفي مقدمتهم "حزب الله"، كما نال تأييد الثلاثي الغائب عن جلسة "إعلان بعبدا" (سعد الحريري – سمير جعجع – محمد الصفدي).
الخلاصة
بناء على كل ما تقدم، لن تقوم للبنان قائمة اقتصادية أو سياسية إن لم يعتمد سياسة تحييد نفسه عن صراعات المحاور، ما يعني ضرورة العودة إلى كل ما جاء في "إعلان بعبدا" كمقدمة لإقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تحصر استعمال السلاح بيد الشرعية اللبنانية.
وعليه، يُحتِّم الواجب الوطني وقوف كل لبناني يُغلِّب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى، إلى جانب البطريرك الراعي للسير في مشروع "تحييد لبنان" والعودة إلى "إعلان بعبدا" قبل فوات الأوان.. حتى "حزب الله"، سيجد في هذه العودة مصلحة ناسه المغلوب على أمرهم.
أما الرئيس ميشال عون، فأمامه فرصة تاريخية للاستفادة من كل الكلام المنادي بضرورة تحييد لبنان "حفاظًا على ما تبقّى" لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، والاسراع في مصالحة لبنان مع محيطه العربي ووضح حد لأي فريق يستعمل الساحة اللبنانية لاستفزاز كل دول العالم كرمى عيون إيران.
بشارة خيرالله – 19 تموز 2020
إرسال تعليق