على نحو أشبه ما يكون بتموجات البورصة يتخبط المشهد الداخلي سياسياً ومالياً واقتصادياً بين هبّات باردة وأخرى ساخنة من دون أي أفق واضح سواء في ما يتصل بأزمة التكليف والتأليف في الاستحقاق الحكومي العالق عند استعصاء اختيار الرئيس المكلف، أو في ما يتعلق بلجم الاندفاعات الخطرة للتأزم المالي والاقتصادي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتأخير المتمادي في اطلاق المسار الدستوري لتأليف الحكومة.
وبرزت أمس على نحو أكثر وضوحاً الضغوط الدولية والعربية المتنامية على لبنان لاستعجال تأليف حكومة منسجمة مع مطالب الانتفاضة الشعبية الأمر الذي يشكّل عاملاً ثابتاً لم يعد ممكناً تجاوزه في المشاورات والمساعي السياسية لاختراق جدار التأزم السياسي الذي يحول دون تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة. واذا كانت بورصة المناورات السياسية سجّلت أمس فصولاً جديدة من التبريرات لتأخير الاستشارات، فإن ملف الأزمة المالية والاقتصادية صعد بقوة الى واجهة الأولويات الملحّة في ظل تطورات متسارعة أملت مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرة جديدة الى الدعوة الى اجتماع مالي اليوم في قصر بعبدا واسترعى الانتباه مجدداً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لم يُدع اليه. وأعلنت رئاسة الجمهورية أن اجتماعاً مالياً يعقد في بعبدا اليوم برئاسة الرئيس عون وحضور الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: المال علي حسن خليل، الاقتصاد منصور بطيش، الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني والدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود والمستشار الاقتصادي للرئيس الحريري نديم المنلا، لعرض الأوضاع المالية في البلاد.
ويأتي الاجتماع غداة تطورات مالية تركت أصداء متناقضة على المشهد المأزوم سواء في ما يتصل بموضوع المتانة المالية لمواجهة أخطار أزمة السيولة المالية، أم في ما يتعلق بسعر الدولار الموازي.
وكان مصدر مالي مطلع أكد أن لبنان سدّد سندات دولية قيمتها 1,5 مليار دولار استحقت أمس، فضلاً عن قسيمة العائد.
وأبدى مصرف لبنان في وقت سابق استعداده لسداد استحقاقات السندات الدولارية عند حلول أجلها من أجل حماية الاستقرار المالي للدولة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن كبير محللي الأسواق الناشئة لدى "كابيتال إيكونومكس" جايسون توفي أن السداد سيضع المزيد من الضغوط على الاحتياطات المنهكة بالفعل، حيث لا تكفي لتغطية احتياجات لبنان التمويلية على مدى السنة المقبلة والبالغة 100 مليار دولار.
وأفاد المصرف المركزي هذا الشهر أن لديه احتياطات من النقد الأجنبي متاحة للاستخدام قدرها 30 مليار دولار وأصولاً اجمالية بقيمة 38 مليار دولار.
وقال فاروق سوسا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس": "يستنزف سداد استحقاقات السندات الدولية احتياطات النقد الأجنبي بقدر حيازة غير المقيمين لها، لذا وفي هذه الحالة، فإن الاستنزاف يُقدر بنحو 1,5 مليار دولار. ومع تعمقنا في المنحنى اللبناني، نجد أن الحيازات الأجنبية تهبط بشكل كبير، وهو ما يعني أن سداد استحقاقات السندات الدولية سيصبح أقل عبئا على الاحتياطات".
وقال ناصر السعيدي، النائب السابق لحاكم مصرف لبنان، إن التخلف عن سداد 1,5 مليار دولار كان سيُعد تصرفاً خاطئاً ويضع لبنان في مسار تباطؤ اقتصادي.
وأضاف: "من المهم في هذه المرحلة الحرجة إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي وتفادي أعمال أو إجراءات سياسية من شأنها أن تزيد الضعف المالي".
تراجع الدولار
اما التطور المفاجئ فتمثل في تراجع سعر الدولار لدى الصيارفة بعد ظهر أمس من سقف 2350 ليرة الى ما بين 1850 و2000 ليرة للدولار بعد إعلان نقابة الصيارفة الاضراب اليوم رفضا للاتهامات الموجهة الى الصيارفة وتحميلهم وزر ارتفاع الدولار. وعلم أن عدداً كبيراً من المواطنين الذي قبضوا رواتبهم بالدولار، تهافتوا الى مكاتب الصيارفة لبيع الدولار وشراء الليرة من أجل تحقيق بعض المكاسب، ما دفع سعر الصرف الى التراجع، اضافة الى تراجع الطلب على الدولار لدى الصيارفة من الشركات العاملة في قطاع المحروقات مع دخول الاضراب المفتوح للمحطات حيّز التنفيذ. كما ترى أوساط متابعة للملف أن الاعلان عن عقد إجتماع مالي في قصر بعبدا اليوم حمل نوعا من الايجابية التي يمكن وضعها ضمن المساعي الهادفة الى ابقاء الوضع المالي والمصرفي والنقدي تحت السيطرة.
التكليف
في غضون ذلك، بدا واضحاً أن الاستشارات لتأليف حكومة جديدة أرجئت الى الأسبوع المقبل إفساحاً في المجال لمزيد من المشاورات في ما تبقى من أيام الأسبوع الجاري، فيما بدا لافتاً التركيز مساء أمس على ما سمّي إعادة ترجيح حظوظ ترشيح سمير الخطيب لتكليفه تأليف الحكومة. وتعزّزت المعلومات التي تحدثت عن ترجيح الخطيب باصدار الخطيب نفسه بياناً نفى فيه ما تردّد عن نتائج سلبية للقائه الرئيس الحريري وأكد أنه لم يلق من الحريري إلّا الدعم والتجاوب.
وبينما تحدثت المعلومات عن أن حظوظ الخطيب تتقدم وان الاتفاق الحكومي الكامل سيتضح خلال الساعات المقبلة قالت مصادر "تيار المستقبل" إنها لن تدخل في لعبة الأسماء قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة وهذه الاستشارات وحدها تقرر اسم الشخصية التي ستكلف تأليف الحكومة. وتكتم "بيت الوسط" عن اللقاء الذي علم أن سمير الخطيب انتظر ثلاثة أيام لعقده مع الحريري ويبدو أن الحريري اكتفى خلال اللقاء السريع بتأكيد مطالبه التي يطرحها لأي مرشح وهي أربعة: حكومة تكنوقراط، صلاحيات استثنائية للحكومة، اعادة توزيع الحقائب الوزارية، وانتخابات نيابية مبكرة.
ولوحظ أن مصادر محسوبة على جهة لصيقة بالعهد روّجت بقوة لترجيح حظوظ الخطيب متحدثة عن امكان بلورة للاتفاق الحكومي الكامل خلال الساعات المقبلة اذا ذلّلت عقبات أخيرة لا تزال تعترض التوافق.
وفي التحركات العربية والدولية المتصلة بالأزمة اللبنانية، نقل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي الى بيروت "دعم الجامعة واستعدادها للمساعدة"، لافتاً الى أن "العبء الأكبر يقع على اللبنانيين أولاً وما الخارج إلّا في موقع الداعم لمحاولات الحل". وأبلغ الرئيس عون الموفد العربي، أنه "يواصل جهوده لتحقيق تفاهم حول الحكومة الجديدة"، معتبراً "أن الوضع الراهن في لبنان لا يحتمل شروطاً وشروطاً مضادة، بل علينا العمل معاً للخروج من الأزمة الراهنة على نحو يحقّق مصلحة اللبنانيين ويساهم في حل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد".
وأوضح زكي الذي زار أيضاً عين التينة و"بيت الوسط" والصيفي "إن الوضع في لبنان ليس سهلاً، فهناك تأزم سياسي ومخاطر اقتصادية ووضع غير مستقر في الشارع. ولا بد من أن يكون هناك موفد عربي لمتابعة هذا الوضع مع القيادة اللبنانية، كي ننقل لهم جميعاً، اهتمام الجامعة ودعمها واستعدادها للعمل لمساعدة اللبنانيين للخروج من هذه الأزمة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. ولكن بطبيعة الحال، العبء الأكبر يكون على اللبنانيين أنفسهم لأن هذا هو بلدهم وهذه الأوضاع تخصّهم في المقام الأول، وما الخارج إلا داعم لما يحصل في الداخل من محاولات لإيجاد حلّ ولتسوية أي أزمات".
وبرزت أمس على نحو أكثر وضوحاً الضغوط الدولية والعربية المتنامية على لبنان لاستعجال تأليف حكومة منسجمة مع مطالب الانتفاضة الشعبية الأمر الذي يشكّل عاملاً ثابتاً لم يعد ممكناً تجاوزه في المشاورات والمساعي السياسية لاختراق جدار التأزم السياسي الذي يحول دون تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة. واذا كانت بورصة المناورات السياسية سجّلت أمس فصولاً جديدة من التبريرات لتأخير الاستشارات، فإن ملف الأزمة المالية والاقتصادية صعد بقوة الى واجهة الأولويات الملحّة في ظل تطورات متسارعة أملت مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرة جديدة الى الدعوة الى اجتماع مالي اليوم في قصر بعبدا واسترعى الانتباه مجدداً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لم يُدع اليه. وأعلنت رئاسة الجمهورية أن اجتماعاً مالياً يعقد في بعبدا اليوم برئاسة الرئيس عون وحضور الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: المال علي حسن خليل، الاقتصاد منصور بطيش، الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني والدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود والمستشار الاقتصادي للرئيس الحريري نديم المنلا، لعرض الأوضاع المالية في البلاد.
ويأتي الاجتماع غداة تطورات مالية تركت أصداء متناقضة على المشهد المأزوم سواء في ما يتصل بموضوع المتانة المالية لمواجهة أخطار أزمة السيولة المالية، أم في ما يتعلق بسعر الدولار الموازي.
وكان مصدر مالي مطلع أكد أن لبنان سدّد سندات دولية قيمتها 1,5 مليار دولار استحقت أمس، فضلاً عن قسيمة العائد.
وأبدى مصرف لبنان في وقت سابق استعداده لسداد استحقاقات السندات الدولارية عند حلول أجلها من أجل حماية الاستقرار المالي للدولة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن كبير محللي الأسواق الناشئة لدى "كابيتال إيكونومكس" جايسون توفي أن السداد سيضع المزيد من الضغوط على الاحتياطات المنهكة بالفعل، حيث لا تكفي لتغطية احتياجات لبنان التمويلية على مدى السنة المقبلة والبالغة 100 مليار دولار.
وأفاد المصرف المركزي هذا الشهر أن لديه احتياطات من النقد الأجنبي متاحة للاستخدام قدرها 30 مليار دولار وأصولاً اجمالية بقيمة 38 مليار دولار.
وقال فاروق سوسا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس": "يستنزف سداد استحقاقات السندات الدولية احتياطات النقد الأجنبي بقدر حيازة غير المقيمين لها، لذا وفي هذه الحالة، فإن الاستنزاف يُقدر بنحو 1,5 مليار دولار. ومع تعمقنا في المنحنى اللبناني، نجد أن الحيازات الأجنبية تهبط بشكل كبير، وهو ما يعني أن سداد استحقاقات السندات الدولية سيصبح أقل عبئا على الاحتياطات".
وقال ناصر السعيدي، النائب السابق لحاكم مصرف لبنان، إن التخلف عن سداد 1,5 مليار دولار كان سيُعد تصرفاً خاطئاً ويضع لبنان في مسار تباطؤ اقتصادي.
وأضاف: "من المهم في هذه المرحلة الحرجة إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي وتفادي أعمال أو إجراءات سياسية من شأنها أن تزيد الضعف المالي".
تراجع الدولار
اما التطور المفاجئ فتمثل في تراجع سعر الدولار لدى الصيارفة بعد ظهر أمس من سقف 2350 ليرة الى ما بين 1850 و2000 ليرة للدولار بعد إعلان نقابة الصيارفة الاضراب اليوم رفضا للاتهامات الموجهة الى الصيارفة وتحميلهم وزر ارتفاع الدولار. وعلم أن عدداً كبيراً من المواطنين الذي قبضوا رواتبهم بالدولار، تهافتوا الى مكاتب الصيارفة لبيع الدولار وشراء الليرة من أجل تحقيق بعض المكاسب، ما دفع سعر الصرف الى التراجع، اضافة الى تراجع الطلب على الدولار لدى الصيارفة من الشركات العاملة في قطاع المحروقات مع دخول الاضراب المفتوح للمحطات حيّز التنفيذ. كما ترى أوساط متابعة للملف أن الاعلان عن عقد إجتماع مالي في قصر بعبدا اليوم حمل نوعا من الايجابية التي يمكن وضعها ضمن المساعي الهادفة الى ابقاء الوضع المالي والمصرفي والنقدي تحت السيطرة.
التكليف
في غضون ذلك، بدا واضحاً أن الاستشارات لتأليف حكومة جديدة أرجئت الى الأسبوع المقبل إفساحاً في المجال لمزيد من المشاورات في ما تبقى من أيام الأسبوع الجاري، فيما بدا لافتاً التركيز مساء أمس على ما سمّي إعادة ترجيح حظوظ ترشيح سمير الخطيب لتكليفه تأليف الحكومة. وتعزّزت المعلومات التي تحدثت عن ترجيح الخطيب باصدار الخطيب نفسه بياناً نفى فيه ما تردّد عن نتائج سلبية للقائه الرئيس الحريري وأكد أنه لم يلق من الحريري إلّا الدعم والتجاوب.
وبينما تحدثت المعلومات عن أن حظوظ الخطيب تتقدم وان الاتفاق الحكومي الكامل سيتضح خلال الساعات المقبلة قالت مصادر "تيار المستقبل" إنها لن تدخل في لعبة الأسماء قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة وهذه الاستشارات وحدها تقرر اسم الشخصية التي ستكلف تأليف الحكومة. وتكتم "بيت الوسط" عن اللقاء الذي علم أن سمير الخطيب انتظر ثلاثة أيام لعقده مع الحريري ويبدو أن الحريري اكتفى خلال اللقاء السريع بتأكيد مطالبه التي يطرحها لأي مرشح وهي أربعة: حكومة تكنوقراط، صلاحيات استثنائية للحكومة، اعادة توزيع الحقائب الوزارية، وانتخابات نيابية مبكرة.
ولوحظ أن مصادر محسوبة على جهة لصيقة بالعهد روّجت بقوة لترجيح حظوظ الخطيب متحدثة عن امكان بلورة للاتفاق الحكومي الكامل خلال الساعات المقبلة اذا ذلّلت عقبات أخيرة لا تزال تعترض التوافق.
وفي التحركات العربية والدولية المتصلة بالأزمة اللبنانية، نقل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي الى بيروت "دعم الجامعة واستعدادها للمساعدة"، لافتاً الى أن "العبء الأكبر يقع على اللبنانيين أولاً وما الخارج إلّا في موقع الداعم لمحاولات الحل". وأبلغ الرئيس عون الموفد العربي، أنه "يواصل جهوده لتحقيق تفاهم حول الحكومة الجديدة"، معتبراً "أن الوضع الراهن في لبنان لا يحتمل شروطاً وشروطاً مضادة، بل علينا العمل معاً للخروج من الأزمة الراهنة على نحو يحقّق مصلحة اللبنانيين ويساهم في حل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد".
وأوضح زكي الذي زار أيضاً عين التينة و"بيت الوسط" والصيفي "إن الوضع في لبنان ليس سهلاً، فهناك تأزم سياسي ومخاطر اقتصادية ووضع غير مستقر في الشارع. ولا بد من أن يكون هناك موفد عربي لمتابعة هذا الوضع مع القيادة اللبنانية، كي ننقل لهم جميعاً، اهتمام الجامعة ودعمها واستعدادها للعمل لمساعدة اللبنانيين للخروج من هذه الأزمة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. ولكن بطبيعة الحال، العبء الأكبر يكون على اللبنانيين أنفسهم لأن هذا هو بلدهم وهذه الأوضاع تخصّهم في المقام الأول، وما الخارج إلا داعم لما يحصل في الداخل من محاولات لإيجاد حلّ ولتسوية أي أزمات".
النهار - 29 تشرين الثاني 2019
إرسال تعليق