أي مشاورات حكومية ستعيد البحث في حصص رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، لأن التماهي بينهما خلق هذا الكمّ من الاستفزاز، وجعل المتظاهرين لا يحيّدون موقع الرئيس عن الحزب.
منذ عام 2005، أصبح تشكيل الحكومات في لبنان خاضعاً لتسويات محسوبة بدقة. مرة واحدة شكّلت حكومة اللون الواحد مع الرئيس نجيب ميقاتي، لكن حكومات الوحدة الوطنية ظلت محكومة باعتبارات توزع الحصص والمغانم بين القوى السياسية، فضلاً عن اعتبار أصبح قائماً في حدّ ذاته، وهو الثلث المعطل في الحكومة. وعلى قاعدة الشروط والشروط المضادة، تألّفت حكومات الرؤساء فؤاد السنيورة وتمام سلام وسعد الحريري منذ 2005 حتى اليوم.
مع الاستحقاق الحاد الاول الذي واجهه عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من خلال التظاهرات الشعبية وتعطيل الحياة الاقتصادية والمالية ورفع المطالب السياسية والاجتماعية، وصولاً الى تقديم الحريري استقالته من الحكومة، يمكن قراءة ضرورة الفصل بين دور رئيس الجمهورية ودور التيار الوطني الحر في الحكومة وتشكيلها وفرض شروطها، لأن المشكلة الحالية تكمن في موقع الرئيس في مواجهة شعبه، وحكومته التي تحولت حصته فيها الى حصة حزبه وحده، فأصبحت مطلباً للمتظاهرين بإسقاطها كلها.
من رافق اتفاق الطائف ووثائقه، يتحدث عن نقاش طويل ومعمّق حول حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، وضرورة تمتّعه بحصة وازنة، هي في صورة غير معلنة بمثابة الثلث المعطل لها. كانت روحية الاتفاق إبقاء رئيس الجمهورية غير خاضع لتأثيرات القوى السياسية، ومنها الحزبية، الخارجة من الحرب بكامل قوتها وعدّتها، لكن مع رفع سقف مستوى النقاش لأن الهدف من الحصة تشكيل فريق منوّع من شخصيات وازنة ومؤثرة في جميع المجالات خارج التصنيف والولاء الحزبي والسياسي، كما كانت الحال في كثير من حكومات ما قبل الحرب التي قدمت وجوهاً وزارية متميزة بخبراتها.
لكن تطبيق الطائف سحب المنحى الأساسي لتوجهه، في حكومات عهد الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود (رغم بعض محاولاته للإتيان بشخصيات غير حزبية)، وتحوّلت الحكومات بمثابة مجالس وزارية سبق للاتفاق الثلاثي، الذي عقد بين ميليشيات حزبية، أن تحدث عنها، إذ إن الاتفاق المذكور ميّز بين مجلس الوزراء والمجلس الوزاري «الذي يتألف من رئيس مجلس الوزراء ووزراء الدولة وتتخذ قراراته بالإجماع، وفي حال الخلاف يعرض الامر على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب». والمفارقة أنه جرى اعتماد هذه الصيغة مواربة، بعد الطائف، وبات مجلس الوزراء يختصر بمجلس وزاري تتمثل فيه الكتل السياسية، ومعظمها كانت خارجة من الحرب، وينحصر باتخاذ قرارات مجلس الوزراء بأربعة أو خمسة منهم، فيما الوزراء الآخرون من ضرورات الشكل الحكومي في الحكومات المتتالية.
مع دخول التيار الوطني الحر لأول مرة الى الحكومات بعد عام 2005، ورغم عدم انتمائه الى نادي الميليشيات، إلا أنه طبّق الاسلوب الذي اعتمدته في تحويل مجلس الوزراء مجلساً وزارياً وتحول أحد أعضائه. وتبلور هذا الأمر في أسلوب ممارسة العمل الحكومي تعطيلاً مرات عديدة من أجل تمرير تعيينات أو فرض مشاريع وتمويل أخرى. لكنه أخذ شكلاً مجسّماً أكثر منذ انتخاب عون رئيساً، ولا سيما مع حكومة الحريري بعد الانتخابات النيابية، لأن التيار في خوضه مشاورات التأليف انطلق من قاعدتين: حجمه النيابي كتيار حزبي، وحصة رئيس الجمهورية، ليس انطلاقاً من روحية الطائف، بل ممّا أفرزته تسوية الدوحة التي كان عون شريكاً فيها، واعترض بعدها على إعطاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان حصة وزارية. أداء التيار وتماهي عون معه، من خلال اختيار أسماء أصبحت حكماً أعضاءً في تكتل لبنان القوي، وموالية لرئيسه، أديا الى عدم التمييز بين الدورين، علماً بأن الجمهورية الحالية ليست قائمة على نظام حزبي. وعلى مدى الاشهر القليلة الماضية، اتخذ هذا التماهي شكلاً حاداً أكثر، لكنه أظهر سيّئاته على الرئاسة، حين استهدفها المتظاهرون، لأنها تحولت جزءاً من التيار وليس العكس.
كان يمكن لحصة رئيس الجمهورية أن تكون مستقلة وموسعة، وأن يتمثل التيار في الحكومة كما غيره بحصص وزارية، فيبقى له دوره ويكون للأحزاب الأخرى دورها وشراكتها في القرار الحكومي. وكان يمكن لأي فريق وزاري من خارج الحصص الحزبية مؤلف من وجوه مشهود لها بالكفاءة وشخصيات تراعي دور الرئاسة والعلاقات بين المكونات السياسية أن يسهم في امتصاص نقمة شعبية اجتماعية واقتصادية، ويسهم في إنتاج حلول سريعة بدل الغرق في متاهات أوصلت الى المأزق الحالي، بدل أن يتحول كل فريق عون والتيار خصماً واحداً منذ كلام وزيري البيئة والمهجرين فادي جريصاتي وغسان عطاالله وأداء وزير الدفاع الياس بو صعب، وفريق المستشارين، جبهة واحدة، انفجرت في وجهه احتجاجات المتظاهرين ومطالبهم، لكثرة الاستفزازات التي رافقت عمل هذا الفريق.
مع بدء مرحلة المشاورات الحكومية، تصبح حصة رئيس الجمهورية في ضوء تجربة الأيام الاخيرة تحت الضوء، لأن أي مبادرة لضخ الحياة في فريق رئاسي مخضرم وصاحب مؤهلات وغير خاضع لتجاذبات وتأثيرات وأوامر حزبية، قد تسهم في إعطاء صورة مختلفة عن السنوات الثلاث الماضية، ما يعيد للرئاسة اعتبارها ويقدم نموذجاً مختلفاً ومتقدماً في العمل الوزاري، فيعيد الى الرئاسة موقعها ودورها الحقيقي تجاه مواطنيها، إلا إذا ظل البعض يعتبر أن الأولوية للحزب، وأن الولاء الحزبي والشخصي أهم من الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية.
مع الاستحقاق الحاد الاول الذي واجهه عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من خلال التظاهرات الشعبية وتعطيل الحياة الاقتصادية والمالية ورفع المطالب السياسية والاجتماعية، وصولاً الى تقديم الحريري استقالته من الحكومة، يمكن قراءة ضرورة الفصل بين دور رئيس الجمهورية ودور التيار الوطني الحر في الحكومة وتشكيلها وفرض شروطها، لأن المشكلة الحالية تكمن في موقع الرئيس في مواجهة شعبه، وحكومته التي تحولت حصته فيها الى حصة حزبه وحده، فأصبحت مطلباً للمتظاهرين بإسقاطها كلها.
من رافق اتفاق الطائف ووثائقه، يتحدث عن نقاش طويل ومعمّق حول حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، وضرورة تمتّعه بحصة وازنة، هي في صورة غير معلنة بمثابة الثلث المعطل لها. كانت روحية الاتفاق إبقاء رئيس الجمهورية غير خاضع لتأثيرات القوى السياسية، ومنها الحزبية، الخارجة من الحرب بكامل قوتها وعدّتها، لكن مع رفع سقف مستوى النقاش لأن الهدف من الحصة تشكيل فريق منوّع من شخصيات وازنة ومؤثرة في جميع المجالات خارج التصنيف والولاء الحزبي والسياسي، كما كانت الحال في كثير من حكومات ما قبل الحرب التي قدمت وجوهاً وزارية متميزة بخبراتها.
لكن تطبيق الطائف سحب المنحى الأساسي لتوجهه، في حكومات عهد الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود (رغم بعض محاولاته للإتيان بشخصيات غير حزبية)، وتحوّلت الحكومات بمثابة مجالس وزارية سبق للاتفاق الثلاثي، الذي عقد بين ميليشيات حزبية، أن تحدث عنها، إذ إن الاتفاق المذكور ميّز بين مجلس الوزراء والمجلس الوزاري «الذي يتألف من رئيس مجلس الوزراء ووزراء الدولة وتتخذ قراراته بالإجماع، وفي حال الخلاف يعرض الامر على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب». والمفارقة أنه جرى اعتماد هذه الصيغة مواربة، بعد الطائف، وبات مجلس الوزراء يختصر بمجلس وزاري تتمثل فيه الكتل السياسية، ومعظمها كانت خارجة من الحرب، وينحصر باتخاذ قرارات مجلس الوزراء بأربعة أو خمسة منهم، فيما الوزراء الآخرون من ضرورات الشكل الحكومي في الحكومات المتتالية.
مع دخول التيار الوطني الحر لأول مرة الى الحكومات بعد عام 2005، ورغم عدم انتمائه الى نادي الميليشيات، إلا أنه طبّق الاسلوب الذي اعتمدته في تحويل مجلس الوزراء مجلساً وزارياً وتحول أحد أعضائه. وتبلور هذا الأمر في أسلوب ممارسة العمل الحكومي تعطيلاً مرات عديدة من أجل تمرير تعيينات أو فرض مشاريع وتمويل أخرى. لكنه أخذ شكلاً مجسّماً أكثر منذ انتخاب عون رئيساً، ولا سيما مع حكومة الحريري بعد الانتخابات النيابية، لأن التيار في خوضه مشاورات التأليف انطلق من قاعدتين: حجمه النيابي كتيار حزبي، وحصة رئيس الجمهورية، ليس انطلاقاً من روحية الطائف، بل ممّا أفرزته تسوية الدوحة التي كان عون شريكاً فيها، واعترض بعدها على إعطاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان حصة وزارية. أداء التيار وتماهي عون معه، من خلال اختيار أسماء أصبحت حكماً أعضاءً في تكتل لبنان القوي، وموالية لرئيسه، أديا الى عدم التمييز بين الدورين، علماً بأن الجمهورية الحالية ليست قائمة على نظام حزبي. وعلى مدى الاشهر القليلة الماضية، اتخذ هذا التماهي شكلاً حاداً أكثر، لكنه أظهر سيّئاته على الرئاسة، حين استهدفها المتظاهرون، لأنها تحولت جزءاً من التيار وليس العكس.
كان يمكن لحصة رئيس الجمهورية أن تكون مستقلة وموسعة، وأن يتمثل التيار في الحكومة كما غيره بحصص وزارية، فيبقى له دوره ويكون للأحزاب الأخرى دورها وشراكتها في القرار الحكومي. وكان يمكن لأي فريق وزاري من خارج الحصص الحزبية مؤلف من وجوه مشهود لها بالكفاءة وشخصيات تراعي دور الرئاسة والعلاقات بين المكونات السياسية أن يسهم في امتصاص نقمة شعبية اجتماعية واقتصادية، ويسهم في إنتاج حلول سريعة بدل الغرق في متاهات أوصلت الى المأزق الحالي، بدل أن يتحول كل فريق عون والتيار خصماً واحداً منذ كلام وزيري البيئة والمهجرين فادي جريصاتي وغسان عطاالله وأداء وزير الدفاع الياس بو صعب، وفريق المستشارين، جبهة واحدة، انفجرت في وجهه احتجاجات المتظاهرين ومطالبهم، لكثرة الاستفزازات التي رافقت عمل هذا الفريق.
مع بدء مرحلة المشاورات الحكومية، تصبح حصة رئيس الجمهورية في ضوء تجربة الأيام الاخيرة تحت الضوء، لأن أي مبادرة لضخ الحياة في فريق رئاسي مخضرم وصاحب مؤهلات وغير خاضع لتجاذبات وتأثيرات وأوامر حزبية، قد تسهم في إعطاء صورة مختلفة عن السنوات الثلاث الماضية، ما يعيد للرئاسة اعتبارها ويقدم نموذجاً مختلفاً ومتقدماً في العمل الوزاري، فيعيد الى الرئاسة موقعها ودورها الحقيقي تجاه مواطنيها، إلا إذا ظل البعض يعتبر أن الأولوية للحزب، وأن الولاء الحزبي والشخصي أهم من الحفاظ على موقع رئاسة الجمهورية.
هيام القصيفي - الأخبار - 1 تشرين الثاني 2019
إرسال تعليق