محزن ما آل إليه التيار الوطني الحر. كان واعداً. ناشطوه كانوا أكثر نضارةً ومدنيةً وشباباً وحرية، حين كان ميشال عون في فرنسا. كانوا ثوريين صادقين في وجه النظام السوري. وكانوا قبل ذلك جريئين في انفتاحهم على كل اللبنانيين الآخرين ونقاشهم، لأنهم يؤمنون بأن ليس في خطابهم ما يخجلون به. ليس في اللبنانية الصرفة، بلا عنصرية وطائفية، ما يعيبها.
في منفاه، لم يكن اللبنانيون على احتكاك حقيقي به. نسوه تقريباً، هم الذين لا يذكرونه إلا بالبدلة العسكرية صارخاً في الصحافيين أو واقفاً على الشرفة يرفع شارتي النصر. ناشطوه على الأرض عكسوا صورة مغايرة له. عكسوا صورتهم عليه. وبينما كان يدير غرفة عملياته العسكرية من بعيد، كان لديهم على الأرض ذاك الهامش الكبير لخداع الأب، للالتفاف حول رمزه، الذي كان مزيجاً من أب ومن أخ أكبر يراقب كل أفعالهم. التفوا حول تقليديته بسبب بعده. ذهبوا أبعد من صوته الرتيب يصرخ "يا شعب لبنان العظيم". نزلوا إلى الأرض وخاضوا غمارها. كانوا أصحاب السلطة على الجنرال المنفي، بينما يُمنَعون بالقوة من فتح أبواب الجامعات للخروج إلى التظاهر. كانوا الأقوياء وهم يُضربون ويُعتقلون. كانوا أقوى من الجنرال الذي وقف عند تمثاله خطيباً عسكرياً في قصر الشعب.. نابليون لحظته. مخلد في تاريخه الضيق، وليس في الشارع. تقدموا عليه بعد نفيه.
كان رمزاً كبيرا لهم، لكنهم تخطوه. قاوموا بأكثر ما استطاعوا من سلمية، ليس لأجله بل من أجل بلدهم. كان وسيلتهم إلى لبنان كما يريدونه. هجموا حرفياً على "الغربية". اختلطوا بالآخر بإصرار. قضيتهم لم تكن مسيحية أو أقلوية. كانت ضد منظومة سورية كاملة لم تكن تحكم البلد سياسياً وأمنياً فقط، بل كانت أمراض الفساد والتبعية والإذلال والبوليسية تقيم في كل مرافقه. كانوا يناضلون ضد فكرة هذا النظام نفسه، وكانوا يظنون أن قائدهم معهم في هذه الحرب.
لكنه، في منفاه، كان يملك من الوقت والدهاء ما يجعله يعد هذا الكمين بإحكام. وما أن وصل حتى بدأ التنفيذ بصرامة الضابط الذي لم يخلع بزته المرقطة يوماً. عاد الأب، ليس في باله إلا التقاعد في بعبدا. اقتص، أول ما اقتص، من المؤمنين به. سحل شباباً كانوا واعدين وأصحاب تجربة أفضل من تجربته. جاء طاحناً لكل ما عداه. سحق نضالهم وسذاجتهم السياسية وأحلامهم البريئة. سحق وجودهم، لأنه يعرف ألا وجود قبله ولا بعده. إنه سيد مطلق وقد فعلوا ما فعلوا لخدمته، لوصوله إلى سدة التاريخ.
انتهى النضال وبدأت السياسة. في السياسة لا يحتاج إلى مدنيين يناقشونه. يحتاج إلى من ينفذ الأمر كما هو. هكذا لم يبق إلا الصهر والوصولي والعنصري والمتسلق والطائفي. حتى الذين كانوا ألد أعدائه احتواهم. لا بأس بنسف كل الخطاب السابق، ما دامت حقوق المسيحيين براقة أكثر. لا بأس أن التيار الوطني الحر عاد مجرد "عونيين" ومشتقاتهم من الشتامين والانتهازيين. لا بأس. المهم أن الجنرال عاد إلى بيت الشعب العظيم، ولو بلا شعب. ولو فقط بهذه الزمرة.
ليس جبران باسيل الذي قضى على التيار. الساحق الماحق في الحالة العونية هو ميشال عون نفسه. هذا الضابط الذي لا يجادله أحد، كيف كان ليقبل بغيره؟ هو وحده الذي صنع الحالة وهو وحده الذي يقرر مصيرها، وهو الذي ينقلها من وطنيتها، من سيادتها وحريتها واستقلاليتها، إلى هذه الشوفينية التي انتهت إليها. إلى الحضن الدافئ لنظام بشار الأسد.
لو لم يعد من منفاه، لو ظل في صورته البعيدة، لربما بقي التيار حراً. لكنه عاد لحظة الحصاد، ليشكرهم على نضالهم من أجله، وليستلم زمام أمور لا تحتمل حالمين، بل كل ما في السياسة من وحل. التهم الأب العائد، أول ما التهم، أبناءه. الباقي هو ما نراه الآن. جبران باسيل تفصيل.
في منفاه، لم يكن اللبنانيون على احتكاك حقيقي به. نسوه تقريباً، هم الذين لا يذكرونه إلا بالبدلة العسكرية صارخاً في الصحافيين أو واقفاً على الشرفة يرفع شارتي النصر. ناشطوه على الأرض عكسوا صورة مغايرة له. عكسوا صورتهم عليه. وبينما كان يدير غرفة عملياته العسكرية من بعيد، كان لديهم على الأرض ذاك الهامش الكبير لخداع الأب، للالتفاف حول رمزه، الذي كان مزيجاً من أب ومن أخ أكبر يراقب كل أفعالهم. التفوا حول تقليديته بسبب بعده. ذهبوا أبعد من صوته الرتيب يصرخ "يا شعب لبنان العظيم". نزلوا إلى الأرض وخاضوا غمارها. كانوا أصحاب السلطة على الجنرال المنفي، بينما يُمنَعون بالقوة من فتح أبواب الجامعات للخروج إلى التظاهر. كانوا الأقوياء وهم يُضربون ويُعتقلون. كانوا أقوى من الجنرال الذي وقف عند تمثاله خطيباً عسكرياً في قصر الشعب.. نابليون لحظته. مخلد في تاريخه الضيق، وليس في الشارع. تقدموا عليه بعد نفيه.
كان رمزاً كبيرا لهم، لكنهم تخطوه. قاوموا بأكثر ما استطاعوا من سلمية، ليس لأجله بل من أجل بلدهم. كان وسيلتهم إلى لبنان كما يريدونه. هجموا حرفياً على "الغربية". اختلطوا بالآخر بإصرار. قضيتهم لم تكن مسيحية أو أقلوية. كانت ضد منظومة سورية كاملة لم تكن تحكم البلد سياسياً وأمنياً فقط، بل كانت أمراض الفساد والتبعية والإذلال والبوليسية تقيم في كل مرافقه. كانوا يناضلون ضد فكرة هذا النظام نفسه، وكانوا يظنون أن قائدهم معهم في هذه الحرب.
لكنه، في منفاه، كان يملك من الوقت والدهاء ما يجعله يعد هذا الكمين بإحكام. وما أن وصل حتى بدأ التنفيذ بصرامة الضابط الذي لم يخلع بزته المرقطة يوماً. عاد الأب، ليس في باله إلا التقاعد في بعبدا. اقتص، أول ما اقتص، من المؤمنين به. سحل شباباً كانوا واعدين وأصحاب تجربة أفضل من تجربته. جاء طاحناً لكل ما عداه. سحق نضالهم وسذاجتهم السياسية وأحلامهم البريئة. سحق وجودهم، لأنه يعرف ألا وجود قبله ولا بعده. إنه سيد مطلق وقد فعلوا ما فعلوا لخدمته، لوصوله إلى سدة التاريخ.
انتهى النضال وبدأت السياسة. في السياسة لا يحتاج إلى مدنيين يناقشونه. يحتاج إلى من ينفذ الأمر كما هو. هكذا لم يبق إلا الصهر والوصولي والعنصري والمتسلق والطائفي. حتى الذين كانوا ألد أعدائه احتواهم. لا بأس بنسف كل الخطاب السابق، ما دامت حقوق المسيحيين براقة أكثر. لا بأس أن التيار الوطني الحر عاد مجرد "عونيين" ومشتقاتهم من الشتامين والانتهازيين. لا بأس. المهم أن الجنرال عاد إلى بيت الشعب العظيم، ولو بلا شعب. ولو فقط بهذه الزمرة.
ليس جبران باسيل الذي قضى على التيار. الساحق الماحق في الحالة العونية هو ميشال عون نفسه. هذا الضابط الذي لا يجادله أحد، كيف كان ليقبل بغيره؟ هو وحده الذي صنع الحالة وهو وحده الذي يقرر مصيرها، وهو الذي ينقلها من وطنيتها، من سيادتها وحريتها واستقلاليتها، إلى هذه الشوفينية التي انتهت إليها. إلى الحضن الدافئ لنظام بشار الأسد.
لو لم يعد من منفاه، لو ظل في صورته البعيدة، لربما بقي التيار حراً. لكنه عاد لحظة الحصاد، ليشكرهم على نضالهم من أجله، وليستلم زمام أمور لا تحتمل حالمين، بل كل ما في السياسة من وحل. التهم الأب العائد، أول ما التهم، أبناءه. الباقي هو ما نراه الآن. جبران باسيل تفصيل.
جهاد بزي - المدن - السبت 29 أيلول 2019
إرسال تعليق