في إطار ضغطهما على الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل، لوّح وليد جنبلاط وسمير جعجع باستقالة وزرائهما من الحكومة. الرئيس نبيه بري نصح بالامتناع عن الخطوة، فيما الرئيس سعد الحريري يرفض مجاراتهما.
تنشغِل القوى السياسية في لقاءات واتصالات هدفها إنقاذ الحكومة والعهد من أزمة سياسية على خلفية جريمة اغتيال مرافقي الوزير صالح الغريب في عاليه في الثلاثين من الشهر الماضي. وحتى مساء أمس، لم تكن المداولات قد حسمت وجهة التعامل مع طلب إحالة الجريمة الى المجلس العدلي، ولا طريقة الرئيس سعد الحريري في إدارة الجلسة المنتظرة للحكومة.
الشرارة المتفجرة للأزمة كانت من فعل النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يفكر في أن ما حصل يفرض إعادة ترتيب الطاولة بما يحفظ مقعده بين متساوين، أو أن يقلبها على الجميع. ويتلاقى في هذه الخطوة مع "القوات" اللبنانية التي لا تحتمل ما يقوم به رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على أكثر من صعيد، وتجد أنها ليست مستفيدة على الإطلاق من الصيغة التي تدار بها البلاد اليوم. وهذا التلاقي بين أبرز خصمين لعهد الرئيس ميشال عون، جعلهما في لحظة ما يهددان بالاستقالة من الحكومة، حتى إن جنبلاط أوفد من يشاور رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالأمر، فنصحه الأخير بعدم الدخول في هذه المغامرة، لأن الظروف الإقليمية والدولية وتوازن القوى القائم قد يجعلانهما خارج السلطة لفترة طويلة من الزمن، خصوصاً أنهما لا يشكلان الثلث المعطل، كما أن خروجهما لا يضرب ميثاقية التركيبة الحكومية، ثم إن الحريري لن يسير في هذا المشروع تحت أي ظرف.
فكرة الاستقالة ليست هدفاً بحدّ ذاتها. بل كانت مناورة يُراد بها تطويق الحملة التي انطلقت على خلفية جريمة الجبل. لكن النقاش الفعلي كان يحصل حول مستقبل إدارة السلطة في البلاد، وأول اختبار لموازين القوى المتحكمة في مؤسسات الدولة. وربما هي المواجهة الأولى من نوعها مع العهد من قبل خصوم تجمعوا طويلاً ضده، لكن الظروف العامة في البلاد والمنطقة دفعتهم الى قبول التسوية معه. وهو ما أعاده الجميع الى البحث في سبل إيجاد مخرج على قاعدة حصر البحث في الملف المتعلق مباشرة بالجريمة، حيث يبرز طلب إحالتها على المجلس العدلي.
جنبلاط الذي توجه مباشرة الى حليفه الدائم الرئيس بري، وجد الأخير مستفزاً من طريقة تصرفه بشكل عام، ومما حصل في الجبل بشكل خاص، وطالبه في أول تواصل بينهما بأن يهدأ، وأن يتصرف على أساس أن مناصريه ارتكبوا جريمة، ولا يمكن أن يرفع الصوت فوق صوت أهالي الضحايا. لكن بري كان حاسماً في وضع عنوان العلاج: إذا كانت إحالة الملف على المجلس العدلي تهدد البلاد بأزمة سياسية كبيرة، قد ينتج عنها توترات أمنية أكبر، فإن معالجة الأمر على طريقة تثبيت حق اقتطاع المناطق سيدفع الى أزمة كبرى تنفجر في أي لحظة يقرر فيها طرف تجاوز الحواجز الجديدة. ولذلك ركّز بري على فكرة الهدنة والمصالحات، وكانت الخطوة الأسهل أمامه إعادة جمع جنبلاط والحريري، الذي يخشى على الحكومة بجدّ، ولديه اقتناع بأن إطاحتها ستصعّب إعادة تكوينها بالشروط نفسها. كذلك كان ثنائي جنبلاط القوات يحثّ الحريري على أداء دور أوضح، وعدم ترك مجلس الوزراء رهينة باسيل، لكن الحريري لا يبدو في صدد خطوة دراماتيكية في هذا الصدد.
وإزاء تمسّك عون وباسيل ومعهما النائب طلال أرسلان بمناقشة الحكومة طلب إحالة الجريمة على المجلس العدلي، صار واجباً على حزب الله أخذ موقف. وفي هذه الحالة، ليس متوقعاً من الحزب أن يقف بعيداً أو متفرجاً، خصوصاً أن تحالف عون ــ أرسلان يخصه، بينما تتسع المسافة بينه وبين جنبلاط وحليفه القوات. لذلك، برز الانقسام بصورة أشد قساوة عندما قال عون إنه لا مانع من مناقشة الملف في الحكومة وطرح اقتراح إحالة الجريمة على المجلس العدلي على التصويت.
في هذه الحالة، افترض عون وباسيل أن في حوزتهما 14 صوتاً أكيداً (11 وزيراً من تكتل لبنان القوي و3 وزراء من حزب الله)، بينما يقف في الجهة المقابلة 15 صوتاً (كتل بري والحريري وجنبلاط والقوات) ما جعل الصوت المرجّح في هذه الحالة هو صوت ممثل تيار المردة الوزير يوسف فنيانوس، في حال غياب أحد وزراء "الفريق الثاني"، ما جعل الجميع أيضاً يتوجه صوب رئيس التيار سليمان فرنجية لمعرفة وجهته. والأخير، ينظر الى المعركة هذه على أنها لحظة استراتيجية تخص معركة الرئاسة أيضاً. صحيح أن فرنجية لا يسير في حلف ضد تحالف عون ــ أرسلان ــ حزب الله، لكنه لا يجد نفسه في موقع مساعدة باسيل على تحقيق انتصار إضافي. فكيف الحال وهو يجد أن امتناعه عن التصويت أو الوقوف الى جانب التيار الثاني فيه ربح صاف، لأنه يكسب الى جانب بري والحريري حليفاً جديداً هو جنبلاط، بينما يظهر في موقع أكثر قوة من "القوات اللبنانية".
وفي هذا السياق راجت شائعات عن عودة العامل السوري الى اللعبة الداخلية. وجرى الحديث عن أن باسيل وأرسلان قصدا الحصول على دعم القيادة السورية لهما من خلال الطلب الى فرنجية التصويت الى جانب إحالة الجريمة الى المجلس العدلي. لكن المعلومات الواضحة أن دمشق، ورغم أنها ليس "مغرمة" بجنبلاط، إلا أنها ليست في وارد التدخل في ملف تتركه هي أصلاً لقيادة حزب الله. فكيف وقيادة الحزب ليست هي نفسها في صدد مطالبة فرنجية بهذه الخطوة؟
كل ذلك أعاد النقاش الى المخرج البديل، المتمثل في أن يعقد عون مصالحة بين جنبلاط وباسيل بحضور أرسلان، الأمر الذي لا يراه كثيرون ممكناً، وخاصة إذا كان الهدف منه "تطويب" باسيل زعيماً مارونياً أول. لكن الرئيس بري المهتم باحتواء الموقف، طالب رئيس الجمهورية بخطوات مباشرة لأجل احتواء الأزمة وإنقاذ البلاد من خضّة كبيرة، عبر المبادرة الى الضغط على باسيل وأرسلان من أجل تسوية سياسية لا تسقط المتابعة القانونية لجريمة الجبل، وبري يقدر في هذه الحالة على حمل جنبلاط على التوجه الى القصر الجمهوري لإنتاج تسوية من هذا النوع. ولدى بري تصوره لمعالجة القسم القضائي، بأن يطلب الى الجهات الأمنية والقضائية إجراء تحقيقات لتبيان إذا ما كان الذي حصل أمراً مدبّراً ومخططاً له بصورة مسبقة، أو هو حادث "ابن ساعته" جاء في سياق التوتر القائم. وبحسب فكرة رئيس المجلس، فإن هذا التحقيق يفسح المجال أمام اختيار الطريقة الأنسب للعلاج اللاحق، تحديداً لجهة إحالة الجريمة على المجلس العدلي أو عدمها.
ويتزامن هذا الاقتراح مع خرق حققه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في وساطته، لناحية إقناع جنبلاط بالتعاون. وقد وافق الأخير على تسليم كل اسم يرد في جدول التحقيقات كشاهد، وتوقيف كل من يثبت تورطه في إطلاق النار. لكن جنبلاط وافق شرط التعامل بالمثل مع الجهة الثانية، مورداً معطيات حول قيام عناصر من أنصار أرسلان بإطلاق النار، علماً بأنه جرى توضيح بأن مرافقي الوزير الغريب إنما أطلقوا النار لحمايته، وبعد تعرض موكبه للتهديد، وبالتالي، لا يمكن مساواتهم بالذين تسببت نيرانهم في مقتل شخصين وإصابة آخرين، وهي الحجة التي يتمسك بها أرسلان في موقفه القائل إن أنصاره يتم الاستماع اليهم كشهود لا كمشتبه فيهم.
وفي السياق الأمني وطرق المعالجة، عادت الخلفيات السياسية إلى الحضور؛ فبري والحريري وجنبلاط يرفضون إسناد مهمة التحقيق الى غير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، علماً بأن مساعي باسيل لإشراك أجهزة أمنية أخرى لا تجد من يدعمها. فلا جهاز أمن الدولة مستعد لاختبار جديد بعد فضيحة "الخارجية"، ولا مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ولا سيما بشخص مديرها العميد طوني منصور، مستعدة للعمل في خدمة من يريد إطاحته، أي باسيل، علماً بأن قائد الجيش العماد جوزيف عون اعتمد المبدأ القائل بأن الجيش ليس طرفاً في مسألة قانونية أو قضائية أو سياسية، وأن الجيش يمكنه الاستجابة لطلب القضاء بتسليمه ما لديه من معلومات حول ما جرى، وليس أكثر من ذلك. ويتمسك قائد الجيش بموقفه الذي يتصل بخلفية الارتياب بما يقوم به باسيل الساعي إلى توسيع نفوذه المباشر داخل المؤسسة العسكرية، ولا سيما أن وزير الخارجية صار يتعامل مع قائد الجيش على أنه منافس جدّي له في معركة رئاسة الجمهورية.
أما باسيل نفسه، فواضح أنه يحصد اليوم بعض أعماله. ربما هو الاختبار الأكثر وضوحاً لحجم توسع خلافاته السياسية، وحتى مع مؤسسات داخل الدولة. ورغم أنه يتمسك بموقفه السياسي العام، الا أنه اضطر إثر جريمة الجبل الى التراجع خطوة الى الخلف، وهو ما ظهر في زيارته الشمالية "غير الناجحة شعبياً"، إضافة الى كونه مضطراً إلى ضبط خطابه، ملتزماً بما يتردّد أنه "تأنيب" تعرّض له من قبل رئيس الجمهورية الذي جاءه أكثر من لفت انتباه الى أن باسيل يتحمّل جانباً من المسؤولية عن المناخ الذي وقعت جريمة الجبل في ظله.
يبقى حزب الله، المضطر إلى ممارسة نفوذه على أكثر من جبهة، بغية تبريد الأجواء، وإعادة الأمور الى نصابها القائم على شكل الحكومة، من دون أن يدفع الحلفاء الأثمان، ومن دون أن يحصد الخصوم النتائج، وسط غليان كبير في الإقليم.
الشرارة المتفجرة للأزمة كانت من فعل النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يفكر في أن ما حصل يفرض إعادة ترتيب الطاولة بما يحفظ مقعده بين متساوين، أو أن يقلبها على الجميع. ويتلاقى في هذه الخطوة مع "القوات" اللبنانية التي لا تحتمل ما يقوم به رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على أكثر من صعيد، وتجد أنها ليست مستفيدة على الإطلاق من الصيغة التي تدار بها البلاد اليوم. وهذا التلاقي بين أبرز خصمين لعهد الرئيس ميشال عون، جعلهما في لحظة ما يهددان بالاستقالة من الحكومة، حتى إن جنبلاط أوفد من يشاور رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالأمر، فنصحه الأخير بعدم الدخول في هذه المغامرة، لأن الظروف الإقليمية والدولية وتوازن القوى القائم قد يجعلانهما خارج السلطة لفترة طويلة من الزمن، خصوصاً أنهما لا يشكلان الثلث المعطل، كما أن خروجهما لا يضرب ميثاقية التركيبة الحكومية، ثم إن الحريري لن يسير في هذا المشروع تحت أي ظرف.
فكرة الاستقالة ليست هدفاً بحدّ ذاتها. بل كانت مناورة يُراد بها تطويق الحملة التي انطلقت على خلفية جريمة الجبل. لكن النقاش الفعلي كان يحصل حول مستقبل إدارة السلطة في البلاد، وأول اختبار لموازين القوى المتحكمة في مؤسسات الدولة. وربما هي المواجهة الأولى من نوعها مع العهد من قبل خصوم تجمعوا طويلاً ضده، لكن الظروف العامة في البلاد والمنطقة دفعتهم الى قبول التسوية معه. وهو ما أعاده الجميع الى البحث في سبل إيجاد مخرج على قاعدة حصر البحث في الملف المتعلق مباشرة بالجريمة، حيث يبرز طلب إحالتها على المجلس العدلي.
جنبلاط الذي توجه مباشرة الى حليفه الدائم الرئيس بري، وجد الأخير مستفزاً من طريقة تصرفه بشكل عام، ومما حصل في الجبل بشكل خاص، وطالبه في أول تواصل بينهما بأن يهدأ، وأن يتصرف على أساس أن مناصريه ارتكبوا جريمة، ولا يمكن أن يرفع الصوت فوق صوت أهالي الضحايا. لكن بري كان حاسماً في وضع عنوان العلاج: إذا كانت إحالة الملف على المجلس العدلي تهدد البلاد بأزمة سياسية كبيرة، قد ينتج عنها توترات أمنية أكبر، فإن معالجة الأمر على طريقة تثبيت حق اقتطاع المناطق سيدفع الى أزمة كبرى تنفجر في أي لحظة يقرر فيها طرف تجاوز الحواجز الجديدة. ولذلك ركّز بري على فكرة الهدنة والمصالحات، وكانت الخطوة الأسهل أمامه إعادة جمع جنبلاط والحريري، الذي يخشى على الحكومة بجدّ، ولديه اقتناع بأن إطاحتها ستصعّب إعادة تكوينها بالشروط نفسها. كذلك كان ثنائي جنبلاط القوات يحثّ الحريري على أداء دور أوضح، وعدم ترك مجلس الوزراء رهينة باسيل، لكن الحريري لا يبدو في صدد خطوة دراماتيكية في هذا الصدد.
وإزاء تمسّك عون وباسيل ومعهما النائب طلال أرسلان بمناقشة الحكومة طلب إحالة الجريمة على المجلس العدلي، صار واجباً على حزب الله أخذ موقف. وفي هذه الحالة، ليس متوقعاً من الحزب أن يقف بعيداً أو متفرجاً، خصوصاً أن تحالف عون ــ أرسلان يخصه، بينما تتسع المسافة بينه وبين جنبلاط وحليفه القوات. لذلك، برز الانقسام بصورة أشد قساوة عندما قال عون إنه لا مانع من مناقشة الملف في الحكومة وطرح اقتراح إحالة الجريمة على المجلس العدلي على التصويت.
في هذه الحالة، افترض عون وباسيل أن في حوزتهما 14 صوتاً أكيداً (11 وزيراً من تكتل لبنان القوي و3 وزراء من حزب الله)، بينما يقف في الجهة المقابلة 15 صوتاً (كتل بري والحريري وجنبلاط والقوات) ما جعل الصوت المرجّح في هذه الحالة هو صوت ممثل تيار المردة الوزير يوسف فنيانوس، في حال غياب أحد وزراء "الفريق الثاني"، ما جعل الجميع أيضاً يتوجه صوب رئيس التيار سليمان فرنجية لمعرفة وجهته. والأخير، ينظر الى المعركة هذه على أنها لحظة استراتيجية تخص معركة الرئاسة أيضاً. صحيح أن فرنجية لا يسير في حلف ضد تحالف عون ــ أرسلان ــ حزب الله، لكنه لا يجد نفسه في موقع مساعدة باسيل على تحقيق انتصار إضافي. فكيف الحال وهو يجد أن امتناعه عن التصويت أو الوقوف الى جانب التيار الثاني فيه ربح صاف، لأنه يكسب الى جانب بري والحريري حليفاً جديداً هو جنبلاط، بينما يظهر في موقع أكثر قوة من "القوات اللبنانية".
وفي هذا السياق راجت شائعات عن عودة العامل السوري الى اللعبة الداخلية. وجرى الحديث عن أن باسيل وأرسلان قصدا الحصول على دعم القيادة السورية لهما من خلال الطلب الى فرنجية التصويت الى جانب إحالة الجريمة الى المجلس العدلي. لكن المعلومات الواضحة أن دمشق، ورغم أنها ليس "مغرمة" بجنبلاط، إلا أنها ليست في وارد التدخل في ملف تتركه هي أصلاً لقيادة حزب الله. فكيف وقيادة الحزب ليست هي نفسها في صدد مطالبة فرنجية بهذه الخطوة؟
كل ذلك أعاد النقاش الى المخرج البديل، المتمثل في أن يعقد عون مصالحة بين جنبلاط وباسيل بحضور أرسلان، الأمر الذي لا يراه كثيرون ممكناً، وخاصة إذا كان الهدف منه "تطويب" باسيل زعيماً مارونياً أول. لكن الرئيس بري المهتم باحتواء الموقف، طالب رئيس الجمهورية بخطوات مباشرة لأجل احتواء الأزمة وإنقاذ البلاد من خضّة كبيرة، عبر المبادرة الى الضغط على باسيل وأرسلان من أجل تسوية سياسية لا تسقط المتابعة القانونية لجريمة الجبل، وبري يقدر في هذه الحالة على حمل جنبلاط على التوجه الى القصر الجمهوري لإنتاج تسوية من هذا النوع. ولدى بري تصوره لمعالجة القسم القضائي، بأن يطلب الى الجهات الأمنية والقضائية إجراء تحقيقات لتبيان إذا ما كان الذي حصل أمراً مدبّراً ومخططاً له بصورة مسبقة، أو هو حادث "ابن ساعته" جاء في سياق التوتر القائم. وبحسب فكرة رئيس المجلس، فإن هذا التحقيق يفسح المجال أمام اختيار الطريقة الأنسب للعلاج اللاحق، تحديداً لجهة إحالة الجريمة على المجلس العدلي أو عدمها.
ويتزامن هذا الاقتراح مع خرق حققه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في وساطته، لناحية إقناع جنبلاط بالتعاون. وقد وافق الأخير على تسليم كل اسم يرد في جدول التحقيقات كشاهد، وتوقيف كل من يثبت تورطه في إطلاق النار. لكن جنبلاط وافق شرط التعامل بالمثل مع الجهة الثانية، مورداً معطيات حول قيام عناصر من أنصار أرسلان بإطلاق النار، علماً بأنه جرى توضيح بأن مرافقي الوزير الغريب إنما أطلقوا النار لحمايته، وبعد تعرض موكبه للتهديد، وبالتالي، لا يمكن مساواتهم بالذين تسببت نيرانهم في مقتل شخصين وإصابة آخرين، وهي الحجة التي يتمسك بها أرسلان في موقفه القائل إن أنصاره يتم الاستماع اليهم كشهود لا كمشتبه فيهم.
وفي السياق الأمني وطرق المعالجة، عادت الخلفيات السياسية إلى الحضور؛ فبري والحريري وجنبلاط يرفضون إسناد مهمة التحقيق الى غير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، علماً بأن مساعي باسيل لإشراك أجهزة أمنية أخرى لا تجد من يدعمها. فلا جهاز أمن الدولة مستعد لاختبار جديد بعد فضيحة "الخارجية"، ولا مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ولا سيما بشخص مديرها العميد طوني منصور، مستعدة للعمل في خدمة من يريد إطاحته، أي باسيل، علماً بأن قائد الجيش العماد جوزيف عون اعتمد المبدأ القائل بأن الجيش ليس طرفاً في مسألة قانونية أو قضائية أو سياسية، وأن الجيش يمكنه الاستجابة لطلب القضاء بتسليمه ما لديه من معلومات حول ما جرى، وليس أكثر من ذلك. ويتمسك قائد الجيش بموقفه الذي يتصل بخلفية الارتياب بما يقوم به باسيل الساعي إلى توسيع نفوذه المباشر داخل المؤسسة العسكرية، ولا سيما أن وزير الخارجية صار يتعامل مع قائد الجيش على أنه منافس جدّي له في معركة رئاسة الجمهورية.
أما باسيل نفسه، فواضح أنه يحصد اليوم بعض أعماله. ربما هو الاختبار الأكثر وضوحاً لحجم توسع خلافاته السياسية، وحتى مع مؤسسات داخل الدولة. ورغم أنه يتمسك بموقفه السياسي العام، الا أنه اضطر إثر جريمة الجبل الى التراجع خطوة الى الخلف، وهو ما ظهر في زيارته الشمالية "غير الناجحة شعبياً"، إضافة الى كونه مضطراً إلى ضبط خطابه، ملتزماً بما يتردّد أنه "تأنيب" تعرّض له من قبل رئيس الجمهورية الذي جاءه أكثر من لفت انتباه الى أن باسيل يتحمّل جانباً من المسؤولية عن المناخ الذي وقعت جريمة الجبل في ظله.
يبقى حزب الله، المضطر إلى ممارسة نفوذه على أكثر من جبهة، بغية تبريد الأجواء، وإعادة الأمور الى نصابها القائم على شكل الحكومة، من دون أن يدفع الحلفاء الأثمان، ومن دون أن يحصد الخصوم النتائج، وسط غليان كبير في الإقليم.
الأخبار - 9 تموز 2019
إرسال تعليق