يقول سياسي عتيق، من الجبل: «حسناً أنّ الوزير جبران باسيل لم يتابع طريقه إلى كفرمتى. لو فعل، لربما كنّا قد دخلنا في مواجهة من نوع آخر، ذات طابع طائفي». ويضيف: «إثنان يجرؤان على اللعب بالنار في أرضٍ تكسوها الأعشاب اليابسة: مَن لا يعرف عواقب المغامرة لأنه لم يدخل في تجربة سابقة... ومَن يعرف عواقب المغامرة لكنه يريد الاستثمار فيها. وفي الحالين، إنها الكارثة»!
ليس سرّاً أنّ الجبل بعد حادثة قبرشمون يختلف عمّا كان قبلها. فمناخ الطمأنينة اهتزّ نسبياً. صحيح أنّ الحادثة وقعت بين جنبلاطيين وإرسلانيين، لكنّ الاحتقان الحقيقي ليس درزياً - درزياً فحسب، بل هو أيضاً جنبلاطي - عوني، وخطورته أنه اتخذ في شكل غير مباشر طابعاً طائفياً.
طبعاً، في الشوف وعاليه، لا يمثّل «التيار الوطني الحر» غالبية مسيحية. ففيهما ثقل لـ«القوات» و«الكتائب» ومستقلين. لكنّ «التيار» أكبر زعامة مسيحية، وهو الركيزة الزعامتية لموقع رئاسة الجمهورية الماروني. وليس سهلاً فكّ ارتباط «التيار» بالمسيحيين. لذلك، في الساعات الأخيرة، كان الهدف الأساسي إعادة «تطبيع» المزاجين الدرزي والمسيحي في الجبل، وعزل التأثيرات التي خلّفتها أحداث الأحد.
وهنا يبدو حيوياً التحذير الذي يتردّد في بعض أوساط 14 آذار المسيحية عن وجود محاولة لضرب التوافق المسيحي - الدرزي في الجبل، إستباقاً للتحولات الكبرى التي ستشهدها المنطقة في المراحل المقبلة، والتي يتحتّم فيها أن يكون الجبل متماسكاً، في اعتباره قلب لبنان التاريخي. فأيّ تصادم مسيحي - درزي في الجبل سيكون مؤذياً للطرفين.
طبعاً، باسيل يرفض تماماً أي كلام عن استفزاز، ويسأل: أين الاستفزاز إذا قام وزير بزيارة بلدة في الجبل؟ وأين المَسّ بالموقع الدرزي إذا كانت الزيارة تشمل مرجعية روحية للطائفة، وفي حضور وزراء ونواب دروز؟
الأوساط الآذارية تقول: ليست الزيارة وحدها استفزازية، بل مضامين الكلام الذي يقوله باسيل. فهل كان مضطراً في الكحالة إلى استعادة مناخات الحرب؟ وهل كان مضطراً في دير القمر، قبل فترة، إلى التذكير بفتنة 1860؟ أليست هذه المواقف استفزازية في بيئة معينة؟
ووفقاً لهذه الأوساط، إنّ ما يجري في الشوف من محاولات لإضعاف جنبلاط داخل الطائفة أو لخلق نفور درزي - مسيحي يُراد منه إضعاف الجبل ككل.
بالنسبة إلى جنبلاط، الصورة واضحة: «يريدون معاقبتنا لعدائنا مع الأسد. ووصلتنا رسائلهم الساخنة من الشويفات إلى الجاهلية إلى قبرشمون، ومحاولات التطويق والعزل في الحكومة والمؤسسات. وهناك خطة للتخلّص من المختارة والاستيلاء على دورها التاريخي في صناعة القرار. والتباهي بأنّ جنبلاط خسر موقعه كـ«بيضة قبّان» ينطوي على إشارة خبيثة إلى خسارة دور الطائفة عموماً».
لكن ما يقال في كواليس «الحزب التقدمي الاشتراكي» هو «أنّ القوى التي تستفزّ المختارة تتناغم في خدمة محور إقليمي واحد يمتدّ من دمشق إلى طهران. وتالياً، إنّ معركتنا الحقيقية ليست مع «الواجهات»، بل مع المحور. وهذا الكلام فيه الكثير من المغازي ويحمل أبعاداً كثيرة».
لذلك، وتجنباً للأسوأ، تلقّت مرجعيات مسيحية في الساعات الأخيرة دعوات إلى دخول الساحة وتبريد الرؤوس الحامية والمناخ المسيحي - الدرزي. والمعني بالدعوات خصوصاً بكركي و«القوات اللبنانية»، ومعهما حزب «الكتائب» الذي كان رئيسه سامي الجميّل قد زار المختارة قبل أيام.
وطرحت قوى مسيحية في 14 آذار خطوتين لـ«تبريد المزاج» في الجبل:
1 - أن يضرب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعصاه ويطلق موقفاً حازماً في وجه الجميع: لا تلعبوا بالجبل، والمصالحة لن تموت بموت صانعها ورمزها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير.
2 - أن يقوم الدكتور سمير جعجع بملاقاة هذه الخطوة بموقف حازم: المسيحيون يرفضون تكرار الانزلاق إلى تصادم في الجبل أو إقحام أنفسهم في الخلافات الدرزية تحت أي ظرف.
والواضح أنّ «القوات» التزمت توازناً دقيقاً يوم الأحد، بين رفضها المبدئي لإقفال أي مناطق في وجه أحد، ورفضها أن يقوم أحد باستفزاز أحد. وهو ما فعله باسيل خلال زيارته بشري أيضاً. وقد كان على باسيل أن يراعي الحساسيات التي فرضتها أحداث جرت سابقاً في المنطقة التي يزورها.
وفي هذا السياق، يقول نائب «القوات» في عاليه الدكتور أنيس نصّار عن باسيل: «هو اليوم هون وبكرا مش هون». وأمّا أبناء الجبل فهم معنيّون بالعيش هنا في شكل آمن وكريم. ومع أنّ التجمعات التي واجهت باسيل ليست مبرمجة والحادث فردي، فعلينا الحذر من احتمال تطوّرها. ولا نخدعنّ أنفسنا بأننا نستطيع إجراء مصالحة في الجبل كل أسبوعين!
في الخلاصة، يذكِّر بعض المتابعين بأنّ حرب الجبل في 1983 وقعت بتلاقي عنصرين: تَقاطُع مصالح إقليمية على التفجير وتَنازُع مصالح محلية. فمَن يَضْمَن اليوم عدم حصول تَقاطع مصالح إقليمية في لحظة معينة على الخربطة، فيما القوى المحلية غارقة في نزاعاتها، وسط ملامح انهيار؟
هناك مسؤولية على جنبلاط والقوى الدرزية عموماً بعدم ارتكاب الأخطاء والخطايا القديمة. وهناك مسؤولية على باسيل والقوى المسيحية الأخرى بعدم ارتكاب الأخطاء والخطايا القديمة، والتي كلَّفت كثيراً وما زالت. فلا أحد سينجو إذا استسهَل اللعب بنار الجبل. والتجارب كثيرة ومريرة.
ليس سرّاً أنّ الجبل بعد حادثة قبرشمون يختلف عمّا كان قبلها. فمناخ الطمأنينة اهتزّ نسبياً. صحيح أنّ الحادثة وقعت بين جنبلاطيين وإرسلانيين، لكنّ الاحتقان الحقيقي ليس درزياً - درزياً فحسب، بل هو أيضاً جنبلاطي - عوني، وخطورته أنه اتخذ في شكل غير مباشر طابعاً طائفياً.
طبعاً، في الشوف وعاليه، لا يمثّل «التيار الوطني الحر» غالبية مسيحية. ففيهما ثقل لـ«القوات» و«الكتائب» ومستقلين. لكنّ «التيار» أكبر زعامة مسيحية، وهو الركيزة الزعامتية لموقع رئاسة الجمهورية الماروني. وليس سهلاً فكّ ارتباط «التيار» بالمسيحيين. لذلك، في الساعات الأخيرة، كان الهدف الأساسي إعادة «تطبيع» المزاجين الدرزي والمسيحي في الجبل، وعزل التأثيرات التي خلّفتها أحداث الأحد.
وهنا يبدو حيوياً التحذير الذي يتردّد في بعض أوساط 14 آذار المسيحية عن وجود محاولة لضرب التوافق المسيحي - الدرزي في الجبل، إستباقاً للتحولات الكبرى التي ستشهدها المنطقة في المراحل المقبلة، والتي يتحتّم فيها أن يكون الجبل متماسكاً، في اعتباره قلب لبنان التاريخي. فأيّ تصادم مسيحي - درزي في الجبل سيكون مؤذياً للطرفين.
طبعاً، باسيل يرفض تماماً أي كلام عن استفزاز، ويسأل: أين الاستفزاز إذا قام وزير بزيارة بلدة في الجبل؟ وأين المَسّ بالموقع الدرزي إذا كانت الزيارة تشمل مرجعية روحية للطائفة، وفي حضور وزراء ونواب دروز؟
الأوساط الآذارية تقول: ليست الزيارة وحدها استفزازية، بل مضامين الكلام الذي يقوله باسيل. فهل كان مضطراً في الكحالة إلى استعادة مناخات الحرب؟ وهل كان مضطراً في دير القمر، قبل فترة، إلى التذكير بفتنة 1860؟ أليست هذه المواقف استفزازية في بيئة معينة؟
ووفقاً لهذه الأوساط، إنّ ما يجري في الشوف من محاولات لإضعاف جنبلاط داخل الطائفة أو لخلق نفور درزي - مسيحي يُراد منه إضعاف الجبل ككل.
بالنسبة إلى جنبلاط، الصورة واضحة: «يريدون معاقبتنا لعدائنا مع الأسد. ووصلتنا رسائلهم الساخنة من الشويفات إلى الجاهلية إلى قبرشمون، ومحاولات التطويق والعزل في الحكومة والمؤسسات. وهناك خطة للتخلّص من المختارة والاستيلاء على دورها التاريخي في صناعة القرار. والتباهي بأنّ جنبلاط خسر موقعه كـ«بيضة قبّان» ينطوي على إشارة خبيثة إلى خسارة دور الطائفة عموماً».
لكن ما يقال في كواليس «الحزب التقدمي الاشتراكي» هو «أنّ القوى التي تستفزّ المختارة تتناغم في خدمة محور إقليمي واحد يمتدّ من دمشق إلى طهران. وتالياً، إنّ معركتنا الحقيقية ليست مع «الواجهات»، بل مع المحور. وهذا الكلام فيه الكثير من المغازي ويحمل أبعاداً كثيرة».
لذلك، وتجنباً للأسوأ، تلقّت مرجعيات مسيحية في الساعات الأخيرة دعوات إلى دخول الساحة وتبريد الرؤوس الحامية والمناخ المسيحي - الدرزي. والمعني بالدعوات خصوصاً بكركي و«القوات اللبنانية»، ومعهما حزب «الكتائب» الذي كان رئيسه سامي الجميّل قد زار المختارة قبل أيام.
وطرحت قوى مسيحية في 14 آذار خطوتين لـ«تبريد المزاج» في الجبل:
1 - أن يضرب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعصاه ويطلق موقفاً حازماً في وجه الجميع: لا تلعبوا بالجبل، والمصالحة لن تموت بموت صانعها ورمزها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير.
2 - أن يقوم الدكتور سمير جعجع بملاقاة هذه الخطوة بموقف حازم: المسيحيون يرفضون تكرار الانزلاق إلى تصادم في الجبل أو إقحام أنفسهم في الخلافات الدرزية تحت أي ظرف.
والواضح أنّ «القوات» التزمت توازناً دقيقاً يوم الأحد، بين رفضها المبدئي لإقفال أي مناطق في وجه أحد، ورفضها أن يقوم أحد باستفزاز أحد. وهو ما فعله باسيل خلال زيارته بشري أيضاً. وقد كان على باسيل أن يراعي الحساسيات التي فرضتها أحداث جرت سابقاً في المنطقة التي يزورها.
وفي هذا السياق، يقول نائب «القوات» في عاليه الدكتور أنيس نصّار عن باسيل: «هو اليوم هون وبكرا مش هون». وأمّا أبناء الجبل فهم معنيّون بالعيش هنا في شكل آمن وكريم. ومع أنّ التجمعات التي واجهت باسيل ليست مبرمجة والحادث فردي، فعلينا الحذر من احتمال تطوّرها. ولا نخدعنّ أنفسنا بأننا نستطيع إجراء مصالحة في الجبل كل أسبوعين!
في الخلاصة، يذكِّر بعض المتابعين بأنّ حرب الجبل في 1983 وقعت بتلاقي عنصرين: تَقاطُع مصالح إقليمية على التفجير وتَنازُع مصالح محلية. فمَن يَضْمَن اليوم عدم حصول تَقاطع مصالح إقليمية في لحظة معينة على الخربطة، فيما القوى المحلية غارقة في نزاعاتها، وسط ملامح انهيار؟
هناك مسؤولية على جنبلاط والقوى الدرزية عموماً بعدم ارتكاب الأخطاء والخطايا القديمة. وهناك مسؤولية على باسيل والقوى المسيحية الأخرى بعدم ارتكاب الأخطاء والخطايا القديمة، والتي كلَّفت كثيراً وما زالت. فلا أحد سينجو إذا استسهَل اللعب بنار الجبل. والتجارب كثيرة ومريرة.
طوني عيسى - الجمهورية - 2 تموز 2019
إرسال تعليق