الهدف الأساس للإدارة الأميركية إبقاء طهران، واستطراداً «حزب الله»، في موقع المتهم وعلى خط الدفاع في انتظار ان تفعل الضغوط فعلها لجلب إيران الى طاولة المفاوضات، او الذهاب إلى الحرب.
كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العالي اللهجة والشديد النبرة موجّه الى «حزب الله» وخلفه طهران، وفحواه انّ أكبر دولة في العالم تصنِّف هذا المحور في خانة الشرّ الذي يجب التخلُّص منه، وتخوض حرباً اقتصادية شرسة ضده، والحروب الأساسية في هذه الأيام اقتصادية اكثر منها سياسية، بدليل انّ الحرب نفسها دفعت إيران الى طاولة المفاوضات النووية، وهذه الحرب بالذات ستدفعها مجدداً الى الطاولة نفسها ولكن هذه المرة تحت عنوان دورها الإقليمي.
فما قاله بومبيو في وزارة الخارجية يعكس بدقة توجه الإدارة الأميركية في المواجهة مع إيران وكل أذرعها العسكرية في المنطقة، ولا يجب التعاطي مع كلامه بخفة واستسهال، فعدا عن كونه في موقع وزير خارجية فإنّ التوجّه الذي يتحدث عنه استراتيجي الطابع وبعيد كل البعد عن اللغة الديبلوماسية المعهودة، وتحوّل جزءاً لا يتجزأ من أدبيات الإدارة الأميركية والتحريض العالمي المركز على الدور الإيراني، ولا يوجد ما يؤشّر حتى اللحظة الى احتمال تراجع هذه الإدارة عن هدفها إلزام إيران بتغيير دورها.
وإذا كان صحيحاً انّ الإدارة الأميركية السابقة لم تتعامل بالعدائية نفسها مع إيران إبّان المفاوضات النووية، غير انه يصعب الرهان على عامل الوقت لتغيير الاستراتيجية الاميركية الحالية لسببين:
لأنه امام الإدارة الحالية مُتّسع من الوقت لتحقيق هدفها، ولأنه يصعب على اي إدارة جديدة ان تنقلب على توجهات الإدارة الحالية في حال لم يتمكن الرئيس دونالد ترامب من ان ينتخب لولاية ثانية، خصوصاً في ظل نظرة أميركية موحدة وهي انّ طهران انقلبت على حسن تعامل الإدارة السابقة معها، فأخذت ما تريده من الاتفاق النووي من دون ان تقدِّم ما هو مطلوب منها ومتّفق عليه على مستوى دورها في المنطقة.
ولا يجب ايضاً استسهال العقوبات الاقتصادية، فالأجسام العسكرية لإيران في المنطقة، والتي تُقتطع لها موازنات ضخمة، بدأت تتأثر وسيكون من الصعب عليها التكيُّف طويلاً مع هذا الوضع المستجد، فضلاً عن انّ اشتداد العقوبات وتأثيراتها تضع طهران على مفترق طرق أساسي بين ان تترك الأمور تنزلق نحو انفجار داخلي، وبين ان تستلحق نفسها بالدخول في عملية تفاوضية لا مفر منها عاجلاً ام آجلاً، بل يجب على القيادة الإيرانية ان تنطلق من مبدأ أنها لن تستطيع تحقيق أكثر مما حققته عن طريق الثورة، فهذا أقصى ما كان يمكن تحقيقه، وان تحوّلها الى منطق الدولة سيحوِّل دورها الإقليمي من غير شرعي في نظر المجتمع الدولي الى شرعي وبغطاء دولي، بل من مصلحتها ان تشرِّع أدوار المكونات التي تدور في فلكها، فدور «حزب الله» مثلاً سيكون في تركيبة مثل لبنان أقوى من دون سلاح من دوره الحالي.
انّ الذهاب في المواجهة الى النهاية قد ينتج هزيمة عسكرية وأضراراً جسيمة، فيما المفاوضات تشهد مقايضات وتسويات وتنازلات، فضلاً عن انّ الرغبة الأميركية العميقة تكمن في الحفاظ على التوازن في المشهد الإقليمي، شرط ان تتخلى طهران عن دورها الثوري وان تنتظم تحت سقف الشرعية الدولية، إنما الأكيد في كل هذا المشهد انّ المنطقة في مرحلة دقيقة وخطيرة، وكل المؤشرات تؤكد ان المواجهة تتجه أكثر فأكثر الى التسخين، وإذا كان لا نية أميركية في الحرب وأنها تكتفي بالعقوبات الاقتصادية، إلّا انها تحاول استفزاز طهران بمواقفها العالية النبرة وكأنها تحاول تحدّيها بغية دفعها الى الخروج عن سياسة ضبط النفس وجرّها الى اشتباك عسكري، وذلك تماماً على غرار ما تفعله تل أبيب بقصفها المركّز للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا.
ولا يجب الخلط في كل هذا المشهد بين المواجهة الجدية الأميركية ضد إيران وأذرعها، وبين حرص الولايات المتحدة على الاستقرار في لبنان، فبومبيو حاول المزاوجة بين مواصلة واشنطن التزاماتها حيال مساعدة لبنان عسكرياً واقتصادياً، وبين تحذير الشعب اللبناني من مخاطر «حزب الله» ودوره في ظل خشية أميركية من ان تؤدي سياسة التطبيع والمساكنة والتبريد الى التسليم بدور الحزب كمعطى طبيعي ونهائي.
فلا تغيير في السياسة الأميركية حيال لبنان، وما قبل زيارة بومبيو على هذا المستوى هو نفسه ما بعد هذه الزيارة، بل ستواصل واشنطن مزيداً من الشيء نفسه في علاقتها مع لبنان الرسمي، ومواجهتها هي مع ايران و«حزب الله» وليس مع لبنان، وتدرك انّ تغيير دور الحزب لن يكون عن طريق مواجهة لبنانية معه تؤدي الى تدمير لبنان ومن دون اي نتيجة في لحظة ينوء فيها كل الشعب اللبناني تحت ثقل الأوضاع الاقتصادية والخشية من انهيار لبنان اقتصادياً، فيما التغيير الفعلي لدور الحزب يأتي نتيجة مباشرة وعملية لتغيير الدور الإيراني.
لا مصلحة لبنانية في انهيار الاستقرار، ولا مصلحة دولية كذلك الأمر من باب أزمة اللاجئين وتمدّد المساحات الساخنة الى ساحة معقدة بالعرف الدولي بفعل تكوينها المتعدد، بل هناك نوع من تقاطع مثلّث حتى اللحظة في الحفاظ على الـ«ستاتيكو» الراهن مع اختلاف اسباب واعتبارات كل محور ضمن هذا المثلث، فهناك مصلحة لبنانية أكيدة بالاستقرار تتقاطع مع مصلحة دولية وإيرانية، وهذا ما يفسِّر انتقال «حزب الله» من سياسة المواجهة الإقليمية إلى سياسة التكيُّف مع متطلبات المرحلة الحالية ورفع عنوان الفساد أولوية بدلاً من عنوان السلاح.
ويدرك «حزب الله» جيداً خطورة العاصفة الأميركية التي تستوجب حصر إدارة المواجهة معها إيرانياً، كذلك تدرك طهران انّ استخدام ورقة الحزب في هذه اللحظة قد تؤدي الى الإطاحة بها، وبالتالي من مصلحة الجميع إبقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه، ويحب التمييز بين وصاية إيرانية غير موجودة سوى في الكلام السياسي المزايد، وبين نفوذ جدي لـ«حزب الله» ولكنه مضبوط تحت سقف التوازنات الطائفية والوطنية اللبنانية، وخطورة الحزب ليست في دوره المحلي، بل في قدرته ربطاً بسلاحه على خروجه عن سقف الـ»ستاتيكو» القائم، الأمر الذي لا يبدو انه في هذا الوارد نظراً الى خطورة أي توجّه من هذا النوع. وقد تكون زيارة بومبيو ومواقفه استأثرت في كل المشهد السياسي، ولكن الأيام القليلة المقبلة من لقاءات رئيس الجمهورية ميشال عون في موسكو الى ملفات الساعة اللبنانية وفي طليعتها الكهرباء كفيلة بهضم هذه المحطة لسبب أساس، وهو ان لا تبديل في السياسة الأميركية حيال لبنان، كذلك لا تبديل في السياسة الإيرانية حياله أيضاً، وكلام الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله غداً لن يختلف عن سياق كلام بومبيو، أي سقوف عالية على طريقة رد التحيّة بمثلها، لكي لا يفسر عدم الرد بالخوف والتخاذل، ولكن من دون أي ترجمات على الأرض وسيبقى الاستقرار في لبنان عنوان المرحلة.
كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العالي اللهجة والشديد النبرة موجّه الى «حزب الله» وخلفه طهران، وفحواه انّ أكبر دولة في العالم تصنِّف هذا المحور في خانة الشرّ الذي يجب التخلُّص منه، وتخوض حرباً اقتصادية شرسة ضده، والحروب الأساسية في هذه الأيام اقتصادية اكثر منها سياسية، بدليل انّ الحرب نفسها دفعت إيران الى طاولة المفاوضات النووية، وهذه الحرب بالذات ستدفعها مجدداً الى الطاولة نفسها ولكن هذه المرة تحت عنوان دورها الإقليمي.
فما قاله بومبيو في وزارة الخارجية يعكس بدقة توجه الإدارة الأميركية في المواجهة مع إيران وكل أذرعها العسكرية في المنطقة، ولا يجب التعاطي مع كلامه بخفة واستسهال، فعدا عن كونه في موقع وزير خارجية فإنّ التوجّه الذي يتحدث عنه استراتيجي الطابع وبعيد كل البعد عن اللغة الديبلوماسية المعهودة، وتحوّل جزءاً لا يتجزأ من أدبيات الإدارة الأميركية والتحريض العالمي المركز على الدور الإيراني، ولا يوجد ما يؤشّر حتى اللحظة الى احتمال تراجع هذه الإدارة عن هدفها إلزام إيران بتغيير دورها.
وإذا كان صحيحاً انّ الإدارة الأميركية السابقة لم تتعامل بالعدائية نفسها مع إيران إبّان المفاوضات النووية، غير انه يصعب الرهان على عامل الوقت لتغيير الاستراتيجية الاميركية الحالية لسببين:
لأنه امام الإدارة الحالية مُتّسع من الوقت لتحقيق هدفها، ولأنه يصعب على اي إدارة جديدة ان تنقلب على توجهات الإدارة الحالية في حال لم يتمكن الرئيس دونالد ترامب من ان ينتخب لولاية ثانية، خصوصاً في ظل نظرة أميركية موحدة وهي انّ طهران انقلبت على حسن تعامل الإدارة السابقة معها، فأخذت ما تريده من الاتفاق النووي من دون ان تقدِّم ما هو مطلوب منها ومتّفق عليه على مستوى دورها في المنطقة.
ولا يجب ايضاً استسهال العقوبات الاقتصادية، فالأجسام العسكرية لإيران في المنطقة، والتي تُقتطع لها موازنات ضخمة، بدأت تتأثر وسيكون من الصعب عليها التكيُّف طويلاً مع هذا الوضع المستجد، فضلاً عن انّ اشتداد العقوبات وتأثيراتها تضع طهران على مفترق طرق أساسي بين ان تترك الأمور تنزلق نحو انفجار داخلي، وبين ان تستلحق نفسها بالدخول في عملية تفاوضية لا مفر منها عاجلاً ام آجلاً، بل يجب على القيادة الإيرانية ان تنطلق من مبدأ أنها لن تستطيع تحقيق أكثر مما حققته عن طريق الثورة، فهذا أقصى ما كان يمكن تحقيقه، وان تحوّلها الى منطق الدولة سيحوِّل دورها الإقليمي من غير شرعي في نظر المجتمع الدولي الى شرعي وبغطاء دولي، بل من مصلحتها ان تشرِّع أدوار المكونات التي تدور في فلكها، فدور «حزب الله» مثلاً سيكون في تركيبة مثل لبنان أقوى من دون سلاح من دوره الحالي.
انّ الذهاب في المواجهة الى النهاية قد ينتج هزيمة عسكرية وأضراراً جسيمة، فيما المفاوضات تشهد مقايضات وتسويات وتنازلات، فضلاً عن انّ الرغبة الأميركية العميقة تكمن في الحفاظ على التوازن في المشهد الإقليمي، شرط ان تتخلى طهران عن دورها الثوري وان تنتظم تحت سقف الشرعية الدولية، إنما الأكيد في كل هذا المشهد انّ المنطقة في مرحلة دقيقة وخطيرة، وكل المؤشرات تؤكد ان المواجهة تتجه أكثر فأكثر الى التسخين، وإذا كان لا نية أميركية في الحرب وأنها تكتفي بالعقوبات الاقتصادية، إلّا انها تحاول استفزاز طهران بمواقفها العالية النبرة وكأنها تحاول تحدّيها بغية دفعها الى الخروج عن سياسة ضبط النفس وجرّها الى اشتباك عسكري، وذلك تماماً على غرار ما تفعله تل أبيب بقصفها المركّز للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا.
ولا يجب الخلط في كل هذا المشهد بين المواجهة الجدية الأميركية ضد إيران وأذرعها، وبين حرص الولايات المتحدة على الاستقرار في لبنان، فبومبيو حاول المزاوجة بين مواصلة واشنطن التزاماتها حيال مساعدة لبنان عسكرياً واقتصادياً، وبين تحذير الشعب اللبناني من مخاطر «حزب الله» ودوره في ظل خشية أميركية من ان تؤدي سياسة التطبيع والمساكنة والتبريد الى التسليم بدور الحزب كمعطى طبيعي ونهائي.
فلا تغيير في السياسة الأميركية حيال لبنان، وما قبل زيارة بومبيو على هذا المستوى هو نفسه ما بعد هذه الزيارة، بل ستواصل واشنطن مزيداً من الشيء نفسه في علاقتها مع لبنان الرسمي، ومواجهتها هي مع ايران و«حزب الله» وليس مع لبنان، وتدرك انّ تغيير دور الحزب لن يكون عن طريق مواجهة لبنانية معه تؤدي الى تدمير لبنان ومن دون اي نتيجة في لحظة ينوء فيها كل الشعب اللبناني تحت ثقل الأوضاع الاقتصادية والخشية من انهيار لبنان اقتصادياً، فيما التغيير الفعلي لدور الحزب يأتي نتيجة مباشرة وعملية لتغيير الدور الإيراني.
لا مصلحة لبنانية في انهيار الاستقرار، ولا مصلحة دولية كذلك الأمر من باب أزمة اللاجئين وتمدّد المساحات الساخنة الى ساحة معقدة بالعرف الدولي بفعل تكوينها المتعدد، بل هناك نوع من تقاطع مثلّث حتى اللحظة في الحفاظ على الـ«ستاتيكو» الراهن مع اختلاف اسباب واعتبارات كل محور ضمن هذا المثلث، فهناك مصلحة لبنانية أكيدة بالاستقرار تتقاطع مع مصلحة دولية وإيرانية، وهذا ما يفسِّر انتقال «حزب الله» من سياسة المواجهة الإقليمية إلى سياسة التكيُّف مع متطلبات المرحلة الحالية ورفع عنوان الفساد أولوية بدلاً من عنوان السلاح.
ويدرك «حزب الله» جيداً خطورة العاصفة الأميركية التي تستوجب حصر إدارة المواجهة معها إيرانياً، كذلك تدرك طهران انّ استخدام ورقة الحزب في هذه اللحظة قد تؤدي الى الإطاحة بها، وبالتالي من مصلحة الجميع إبقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه، ويحب التمييز بين وصاية إيرانية غير موجودة سوى في الكلام السياسي المزايد، وبين نفوذ جدي لـ«حزب الله» ولكنه مضبوط تحت سقف التوازنات الطائفية والوطنية اللبنانية، وخطورة الحزب ليست في دوره المحلي، بل في قدرته ربطاً بسلاحه على خروجه عن سقف الـ»ستاتيكو» القائم، الأمر الذي لا يبدو انه في هذا الوارد نظراً الى خطورة أي توجّه من هذا النوع. وقد تكون زيارة بومبيو ومواقفه استأثرت في كل المشهد السياسي، ولكن الأيام القليلة المقبلة من لقاءات رئيس الجمهورية ميشال عون في موسكو الى ملفات الساعة اللبنانية وفي طليعتها الكهرباء كفيلة بهضم هذه المحطة لسبب أساس، وهو ان لا تبديل في السياسة الأميركية حيال لبنان، كذلك لا تبديل في السياسة الإيرانية حياله أيضاً، وكلام الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله غداً لن يختلف عن سياق كلام بومبيو، أي سقوف عالية على طريقة رد التحيّة بمثلها، لكي لا يفسر عدم الرد بالخوف والتخاذل، ولكن من دون أي ترجمات على الأرض وسيبقى الاستقرار في لبنان عنوان المرحلة.
شارل جبور - الجمهورية 25-3-2019
إرسال تعليق