«روما من فوق غير روما من تحت». لم يحتج بعض الوزراء الجدد الى كثير من الوقت حتى يختبروا صحة هذه المقولة. كان يكفي ان يمضوا بضعة أيام في مكاتبهم لكي يكتشفوا «الأهوال» التي تنتظرهم خلف «اللقب المخملي»: «معالي الوزير».
إنتهت المراسم الاحتفالية وطقوس التسليم والتسلم، وتوقف تدفق المهنئين وباقات الورد، ليبدأ الجدّ ومشوار «الشوك»، وتنطلق مغامرة الغوص في دهاليز الوزارات والملفات، حيث «يعشش» الفساد وتختبئ «شياطينه» التي نجحت حتى الآن في الافلات من الحساب والعقاب.
وإذا كان «التراند» الرائج في هذه المرحلة هو التصدي للفساد والهدر، إلّا انّ «الزجل» لا ينفع بالتأكيد في مواجهة من هذا النوع، والحرب بالنظّارات والمناظير لا تفيد في مثل هذه الظروف. وبالتالي، فإنّ الحكومة وُضعت منذ اللحظة الاولى لتشكيلها تحت الضغط الشعبي ومجهر المراقبة، وهي تبدو امام اختبار يومي لجديتها وصدقيتها، من دون ان يكون هناك استعداد لإعطائها اي أسباب تخفيفية أو مهل سماح وتسامح، بعدما استغرقت ولادتها 9 أشهر من الوقت الضائع والفرص المهدورة.
لم يعد ينفع بعد الآن الهروب الى الأمام أو الخلف، وتقلّص الى حد كبير هامش المناورة وسط تفاقم المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تهدد بانهيار سقف الدولة المتصدّع على الجميع، بمَن فيهم أولئك الذين أمعنوا في استنزافها، وبناء المصالح الشخصية والثروات المشبوهة على «مشاعاتها».
وما زاد من الاعباء والضغوط على عاتق بعض الوزراء، هو انّ مرجعياتهم الحزبية والسياسية رفعت بدورها منسوب التحدي والتوقعات الى الحدود القصوى، في إطار منافسة الخصوم واستقطاب الجمهور، إنما من دون ان تكون «عدّة الشغل» متناسبة مع حجم الشعارات المرفوعة، الأمر الذي أدى الى ايجاد هوة بين القدرات والطموحات.
ويروي وزير جديد في مجلس خاص معاناته بكثير من المرارة، وهو الذي كان قد دخل الى وزارته بحماسة شديدة، طامحاً الى زرع البصمات الايجابية في حقولها وتحقيق الإنجازات السريعة في الملفات المتصلة بها، قبل ان يتبيّن له انّ العين بصيرة واليد قصيرة... جداً.
يقول هذا الوزير «المصدوم»: «الحقيبة التي تَولّيتها هي شديدة الاهمية والحساسية بالنسبة الى اللبنانيين، كونها تتعلق بعدد من القضايا الحيوية والملحّة التي تتطلب المعالجة الفورية ولا تتحمل مزيداً من المماطلة، إلّا انني سرعان ما فوجئت بأنّ وضعي يشبه وضع من يذهب الى معركة من دون تزويده بأسلحة. يداي وقدماي مكبلة ويُراد مني أن أطير، وعليكم ان تتخيلوا صعوبة هذه المعادلة وحراجتها».
ويضيف شاكياً: «موازنة وزارتي تساوي تقريباً 9 ملايين دولار، بالكاد تكفي لسداد رواتب الموظفين. حجم الكادر الوظيفي المنتسب الى الملاك لا يتناسب مع المتطلبات والتحديات. توجد بتصرّف الوزارة 14 سيارة فقط لتغطية كل مساحة لبنان، من بينها سيارتان معطلتان لا نملك القدرة على إصلاحهما لأنّ هناك أولويات أكثر إلحاحاً. المدير العام «مغيّب» منذ سنوات طويلة نتيجة سلوك الوزراء المتعاقبين الذين كانوا يهمّشون دوره وصلاحياته. الموظفون يتوزّعون الى «محاور» ويفتقرون الى التناغم المطلوب في ما بينهم. الملفات العلمية التي يجب ان أنطلق منها وأبني عليها استراتيجيتي ضعيفة وركيكة، بل انّ بعضها غير موجود أصلاً.
ويلفت الوزير الجديد الى انه باشر في التواصل مع عدد من السفارات للحصول على تمويل لمشاريع وزارته، لأنه لا يمكن الاتكال على الدولة في هذا المجال، «كما انّ فريق عملي يضم في معظمه خبراء متطوعين».
ويشير الى انه تبيّن له انّ وزارته مخصصة لتَلقّي «المسبّات» فقط، بحجة انها تقصّر في ما هو مطلوب منها ولا تؤدي واجباتها، في حين انّ مجلس الانماء والاعمار هو المسؤول عن معظم المشاريع التنفيذية والاعمال التطبيقية على الارض. والمفارقة الاخرى انّ احداً لم يكلّف نفسه عناء استشارة الوزارة وأخذ رأيها قبل الذهاب الى مؤتمر «سيدر» وتحديد حاجاتها.
ويتابع: «عندما عُيّنت وزيراً، قيل لي انّ الحقيبة التي أُسندت إلي ستحرقني لأنها كرة نار، لكنني لم أكترث لأنني أحب التحدي. إنما وبصراحة لم أكن أظن انّ مهمتي ستكون صعبة الى هذه الدرجة، ولا أخفي انني أصبت بالاحباط في الاسبوع الاول. الآن استجمعت قواي من جديد، وسأحاول ان افعل شيئاً، لأنّ المواطنين لا يريدون من الوزير ان يشاركهم في النَق والشكوى، بل ينتظرون منه ان يتحمل مسؤولياته ويجد الحلول للأزمات. منذ تسلّمي مهمتي، دُعيت الى إطلالات اعلامية عدة، غير أنني اعتذرت عن تلبيتها لأنني إذا صارحتُ الناس بما اكتشفته سيصابون هم أيضاً بالاحباط، خصوصاً انهم يتوقعون منّا الكثير. أنا انتظر ان تكتمل ملفاتي، وان أحقق خرقاً فيها لكي يصبح لديّ ما أقوله. وحتى ذلك الحين، أتركوني في همّي».
إنتهت المراسم الاحتفالية وطقوس التسليم والتسلم، وتوقف تدفق المهنئين وباقات الورد، ليبدأ الجدّ ومشوار «الشوك»، وتنطلق مغامرة الغوص في دهاليز الوزارات والملفات، حيث «يعشش» الفساد وتختبئ «شياطينه» التي نجحت حتى الآن في الافلات من الحساب والعقاب.
وإذا كان «التراند» الرائج في هذه المرحلة هو التصدي للفساد والهدر، إلّا انّ «الزجل» لا ينفع بالتأكيد في مواجهة من هذا النوع، والحرب بالنظّارات والمناظير لا تفيد في مثل هذه الظروف. وبالتالي، فإنّ الحكومة وُضعت منذ اللحظة الاولى لتشكيلها تحت الضغط الشعبي ومجهر المراقبة، وهي تبدو امام اختبار يومي لجديتها وصدقيتها، من دون ان يكون هناك استعداد لإعطائها اي أسباب تخفيفية أو مهل سماح وتسامح، بعدما استغرقت ولادتها 9 أشهر من الوقت الضائع والفرص المهدورة.
لم يعد ينفع بعد الآن الهروب الى الأمام أو الخلف، وتقلّص الى حد كبير هامش المناورة وسط تفاقم المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تهدد بانهيار سقف الدولة المتصدّع على الجميع، بمَن فيهم أولئك الذين أمعنوا في استنزافها، وبناء المصالح الشخصية والثروات المشبوهة على «مشاعاتها».
وما زاد من الاعباء والضغوط على عاتق بعض الوزراء، هو انّ مرجعياتهم الحزبية والسياسية رفعت بدورها منسوب التحدي والتوقعات الى الحدود القصوى، في إطار منافسة الخصوم واستقطاب الجمهور، إنما من دون ان تكون «عدّة الشغل» متناسبة مع حجم الشعارات المرفوعة، الأمر الذي أدى الى ايجاد هوة بين القدرات والطموحات.
ويروي وزير جديد في مجلس خاص معاناته بكثير من المرارة، وهو الذي كان قد دخل الى وزارته بحماسة شديدة، طامحاً الى زرع البصمات الايجابية في حقولها وتحقيق الإنجازات السريعة في الملفات المتصلة بها، قبل ان يتبيّن له انّ العين بصيرة واليد قصيرة... جداً.
يقول هذا الوزير «المصدوم»: «الحقيبة التي تَولّيتها هي شديدة الاهمية والحساسية بالنسبة الى اللبنانيين، كونها تتعلق بعدد من القضايا الحيوية والملحّة التي تتطلب المعالجة الفورية ولا تتحمل مزيداً من المماطلة، إلّا انني سرعان ما فوجئت بأنّ وضعي يشبه وضع من يذهب الى معركة من دون تزويده بأسلحة. يداي وقدماي مكبلة ويُراد مني أن أطير، وعليكم ان تتخيلوا صعوبة هذه المعادلة وحراجتها».
ويضيف شاكياً: «موازنة وزارتي تساوي تقريباً 9 ملايين دولار، بالكاد تكفي لسداد رواتب الموظفين. حجم الكادر الوظيفي المنتسب الى الملاك لا يتناسب مع المتطلبات والتحديات. توجد بتصرّف الوزارة 14 سيارة فقط لتغطية كل مساحة لبنان، من بينها سيارتان معطلتان لا نملك القدرة على إصلاحهما لأنّ هناك أولويات أكثر إلحاحاً. المدير العام «مغيّب» منذ سنوات طويلة نتيجة سلوك الوزراء المتعاقبين الذين كانوا يهمّشون دوره وصلاحياته. الموظفون يتوزّعون الى «محاور» ويفتقرون الى التناغم المطلوب في ما بينهم. الملفات العلمية التي يجب ان أنطلق منها وأبني عليها استراتيجيتي ضعيفة وركيكة، بل انّ بعضها غير موجود أصلاً.
ويلفت الوزير الجديد الى انه باشر في التواصل مع عدد من السفارات للحصول على تمويل لمشاريع وزارته، لأنه لا يمكن الاتكال على الدولة في هذا المجال، «كما انّ فريق عملي يضم في معظمه خبراء متطوعين».
ويشير الى انه تبيّن له انّ وزارته مخصصة لتَلقّي «المسبّات» فقط، بحجة انها تقصّر في ما هو مطلوب منها ولا تؤدي واجباتها، في حين انّ مجلس الانماء والاعمار هو المسؤول عن معظم المشاريع التنفيذية والاعمال التطبيقية على الارض. والمفارقة الاخرى انّ احداً لم يكلّف نفسه عناء استشارة الوزارة وأخذ رأيها قبل الذهاب الى مؤتمر «سيدر» وتحديد حاجاتها.
ويتابع: «عندما عُيّنت وزيراً، قيل لي انّ الحقيبة التي أُسندت إلي ستحرقني لأنها كرة نار، لكنني لم أكترث لأنني أحب التحدي. إنما وبصراحة لم أكن أظن انّ مهمتي ستكون صعبة الى هذه الدرجة، ولا أخفي انني أصبت بالاحباط في الاسبوع الاول. الآن استجمعت قواي من جديد، وسأحاول ان افعل شيئاً، لأنّ المواطنين لا يريدون من الوزير ان يشاركهم في النَق والشكوى، بل ينتظرون منه ان يتحمل مسؤولياته ويجد الحلول للأزمات. منذ تسلّمي مهمتي، دُعيت الى إطلالات اعلامية عدة، غير أنني اعتذرت عن تلبيتها لأنني إذا صارحتُ الناس بما اكتشفته سيصابون هم أيضاً بالاحباط، خصوصاً انهم يتوقعون منّا الكثير. أنا انتظر ان تكتمل ملفاتي، وان أحقق خرقاً فيها لكي يصبح لديّ ما أقوله. وحتى ذلك الحين، أتركوني في همّي».
عماد مرمل - الجمهورية - الخميس 21 شباط 2019
إرسال تعليق