يروي عبد اللطيف فاخوري في كتابه «البيارتة»، أنّ أحد أبناء بيروت القديمة شاهد ابنته تَبكي في حفلة زفافها، فقال لها: «يا بِنتي لا تبكي، بيت يللي رباكي ما راح وخلّاكي، وإذا ما بدّك ما تروحي!». فأجابت، وهي تمسح دموعها: «ببكي وبروح». واليوم، يقف الرئيس سعد الحريري و»القوات اللبنانية» الموقف نفسه وهما يشاهدان «حفلة الزفاف» بين شركائهما في الحكومة ونظام الرئيس بشّار الأسد، لكنهما سيهتفان مرّة أخرى: «ببكي وبروح»!
كان واضحاً، على مدى 9 أشهر من «الحَبَل الصعب» بالحكومة، أنّ مشكلة التطبيع مع نظام الأسد عقدة أساسية. وخلال هذه الفترة، كان النزاع المرير على الحقائب الوزارية والأسماء يرتبط مباشرة بالنهج الذي ستسلكه هذه الحكومة. وما مِن أحد كان مغشوشاً في هذا الشأن.
تبلَّغ الحريري و»القوات» وسائر المعنيين في وضوح، ومنذ اللحظة الأولى، أنّ الحكومة العتيدة، بعد أن تحظى بثقة المجلس النيابي، ستبادر فوراً إلى فتح مسارات التطبيع مع دمشق. وكانت هذه عقدة أساسية في أزمة تأليف الحكومة. وأبرز هذه المسارات أربعة:
- أولاً وفوراً، من خلال ملف النازحين.
- ثانياً، من خلال حركة الترانزيت التي يُنعشها فتح معبر «نصيب».
- ثالثاً، من خلال التبادل في قطاعات الصناعة والطاقة وسواهما.
- رابعاً ولاحقاً، من خلال المشاركة في إعادة إعمار سوريا. وعلى رغم من التحفظات التي أبداها طرفا 14 آذار، كلٌّ من موقعه ووفق تطلعاته، فإنهما وافقا أخيراً على تسليم كل الوزارات المعنية بفتح هذه المسارات إلى حلفاء دمشق الأكثر إخلاصاً، وفي الطليعة وزارة النازحين. وأما اعتراضات رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط المزدوجة: التطبيع مع دمشق و»التمريك عليه» من داخل الطائفة، فلم تكن لها أي فاعلية.
وفور ولادة الحكومة، وُضِع الجميع في الأجواء، وتبلَّغوا أنّ أول عمل ستقوم به، ما أن تُنجز بيانها الوزاري وتنال الثقة، هو زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب الى دمشق وبدء اتصالاته مع المعنيين هناك. وبعد ذلك، سيتبعه جميع الوزراء المحسوبين على الخط الحليف للأسد. وهم على الأقل 19 وزيراً من أصل 30. (الممانعون: 2 لجنبلاط، 4 لـ»القوات» و5 للحريري، لأنّ الوزير المحسوب على الرئيس نجيب ميقاتي له اعتبارات أخرى).
في المبدأ، لا يناور الحريري ولا الدكتور سمير جعجع ولا جنبلاط في إعلانهم رفض التطبيع مع دمشق. ولكل منهم ما يكفي من التراكمات والتجارب والأسباب للتمسّك بموقفه. ولكن أيضاً هناك ضرورات تدعو كلاً منهما إلى القبول بالأمر الواقع، أي ترك الأمور تجري وتتطوَّر وفقاً لمقتضيات المرحلة.
فالكثيرون من المحيطين بالحريري يعرفون أنّ الأسد، بعدما ثبَّت مواقعه في السلطة، سيكون جزءاً أساسياً من المرحلة السياسية الآتية في سوريا، وأنّ هناك تسويات ومقايضات ربما تحصل بين الأسد وعدد من العرب المحسوبين في خانة أعدائه، بدعمٍ روسي خصوصاً. وهذا ما يفرض على لبنان أن يكون مستعداً لأي تغيير.
والحريري يرئس حكومة غالبيتها الساحقة حليفة لسوريا، وهو شريك لتركيبة حكمٍ تضم رئيساً للجمهورية حليفاً لها ومجلساً نيابياً يحظى فيه حلفاء دمشق (وطهران) بالغالبية، ورئيسه أيضاً حليف قديم. وإذا كان الحريري يريد أن يكون رئيساً للحكومة في هذه المرحلة، فإنّه محكوم واقعياً بمواكبة موجة التطبيع مع دمشق. وهو لا يستطيع أن يواجه «الموجة» إذا قدَّم له حلفاء دمشق أدلّة إلى أنّ هذا التطبيع سيخدم المصالح الحيوية اللبنانية في الوقت اللبناني الصعب، خصوصاً على المستوى الاقتصادي.
ولو أرسل الحريري سابقاً إشارات إلى أنّه سيتصدّى فعلاً للتطبيع مع سوريا، لربما كان «حزب الله» وحلفاؤه قد سمّوا شخصية أخرى لرئاسة الحكومة، ولما كانت حكومته قد حظيت بأكبر تغطية على الإطلاق (111 صوتاً) في جلسة الثقة.
هذه المعطيات هي نفسها التي تدفع بجعجع إلى ترك الأمور تجري واقعياً على الأرض، من دون المشاركة فيها. فوزراء «القوات» لن يقوموا بأي خطوة تطبيعية. ويوافق حلفاء سوريا على الخيار «القواتي» في هذه المرحلة، مراهنين على أنّ عامل الوقت سيفعل فعله. وكذلك هو موقف جنبلاط الذي يستفزه خصوصاً حراك النائب طلال إرسلان واستثماره وزارة النازحين ليستقوي بسوريا درزياً.
إذاً، «صراخ» قوى 14 آذار «في برِّية الشام» ستتردّد أصداؤه، ولكن لا أحد سيجيب. والأرجح أنّ هذه القوى مضطرة إلى التصعيد في وجه عملية التطبيع لئلا يُقال، في أوساطها الشعبية ولدى حلفائها العرب والغربيين، إنها تبارك. وأساساً، ليس لهذه القوى أي سبيل لإحباط عملية التطبيع في ظل المعطيات الراهنة. وحتى إشعار آخر، ستقوم 14 آذار بالتصعيد الكلامي إزاء عملية التطبيع. لكنها ستضبط تصعيدها لئلا تتسبّب بخراب التسوية التي بها تشارك في السلطة. وهي إذ تمسك بثلث الحكومة ورئاستها، فهي ليست مستعدة للعودة العديمة الفائدة إلى موقع المعارضة الذي جرَّبه الحريري و»القوات» أحياناً.
ويبدو أنّ النظام الحالي جعل الذين يكونون خارج السلطة بلا تأثير حقيقي. ولذلك، ستكثر عمليات «الاستعراض» الرافضة التطبيع مع سوريا، لكن أياً من القوى المحلية ليس مستعداً للتضحية بنفسه من أجل أن يتصدّى لها.
كان واضحاً، على مدى 9 أشهر من «الحَبَل الصعب» بالحكومة، أنّ مشكلة التطبيع مع نظام الأسد عقدة أساسية. وخلال هذه الفترة، كان النزاع المرير على الحقائب الوزارية والأسماء يرتبط مباشرة بالنهج الذي ستسلكه هذه الحكومة. وما مِن أحد كان مغشوشاً في هذا الشأن.
تبلَّغ الحريري و»القوات» وسائر المعنيين في وضوح، ومنذ اللحظة الأولى، أنّ الحكومة العتيدة، بعد أن تحظى بثقة المجلس النيابي، ستبادر فوراً إلى فتح مسارات التطبيع مع دمشق. وكانت هذه عقدة أساسية في أزمة تأليف الحكومة. وأبرز هذه المسارات أربعة:
- أولاً وفوراً، من خلال ملف النازحين.
- ثانياً، من خلال حركة الترانزيت التي يُنعشها فتح معبر «نصيب».
- ثالثاً، من خلال التبادل في قطاعات الصناعة والطاقة وسواهما.
- رابعاً ولاحقاً، من خلال المشاركة في إعادة إعمار سوريا. وعلى رغم من التحفظات التي أبداها طرفا 14 آذار، كلٌّ من موقعه ووفق تطلعاته، فإنهما وافقا أخيراً على تسليم كل الوزارات المعنية بفتح هذه المسارات إلى حلفاء دمشق الأكثر إخلاصاً، وفي الطليعة وزارة النازحين. وأما اعتراضات رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط المزدوجة: التطبيع مع دمشق و»التمريك عليه» من داخل الطائفة، فلم تكن لها أي فاعلية.
وفور ولادة الحكومة، وُضِع الجميع في الأجواء، وتبلَّغوا أنّ أول عمل ستقوم به، ما أن تُنجز بيانها الوزاري وتنال الثقة، هو زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب الى دمشق وبدء اتصالاته مع المعنيين هناك. وبعد ذلك، سيتبعه جميع الوزراء المحسوبين على الخط الحليف للأسد. وهم على الأقل 19 وزيراً من أصل 30. (الممانعون: 2 لجنبلاط، 4 لـ»القوات» و5 للحريري، لأنّ الوزير المحسوب على الرئيس نجيب ميقاتي له اعتبارات أخرى).
في المبدأ، لا يناور الحريري ولا الدكتور سمير جعجع ولا جنبلاط في إعلانهم رفض التطبيع مع دمشق. ولكل منهم ما يكفي من التراكمات والتجارب والأسباب للتمسّك بموقفه. ولكن أيضاً هناك ضرورات تدعو كلاً منهما إلى القبول بالأمر الواقع، أي ترك الأمور تجري وتتطوَّر وفقاً لمقتضيات المرحلة.
فالكثيرون من المحيطين بالحريري يعرفون أنّ الأسد، بعدما ثبَّت مواقعه في السلطة، سيكون جزءاً أساسياً من المرحلة السياسية الآتية في سوريا، وأنّ هناك تسويات ومقايضات ربما تحصل بين الأسد وعدد من العرب المحسوبين في خانة أعدائه، بدعمٍ روسي خصوصاً. وهذا ما يفرض على لبنان أن يكون مستعداً لأي تغيير.
والحريري يرئس حكومة غالبيتها الساحقة حليفة لسوريا، وهو شريك لتركيبة حكمٍ تضم رئيساً للجمهورية حليفاً لها ومجلساً نيابياً يحظى فيه حلفاء دمشق (وطهران) بالغالبية، ورئيسه أيضاً حليف قديم. وإذا كان الحريري يريد أن يكون رئيساً للحكومة في هذه المرحلة، فإنّه محكوم واقعياً بمواكبة موجة التطبيع مع دمشق. وهو لا يستطيع أن يواجه «الموجة» إذا قدَّم له حلفاء دمشق أدلّة إلى أنّ هذا التطبيع سيخدم المصالح الحيوية اللبنانية في الوقت اللبناني الصعب، خصوصاً على المستوى الاقتصادي.
ولو أرسل الحريري سابقاً إشارات إلى أنّه سيتصدّى فعلاً للتطبيع مع سوريا، لربما كان «حزب الله» وحلفاؤه قد سمّوا شخصية أخرى لرئاسة الحكومة، ولما كانت حكومته قد حظيت بأكبر تغطية على الإطلاق (111 صوتاً) في جلسة الثقة.
هذه المعطيات هي نفسها التي تدفع بجعجع إلى ترك الأمور تجري واقعياً على الأرض، من دون المشاركة فيها. فوزراء «القوات» لن يقوموا بأي خطوة تطبيعية. ويوافق حلفاء سوريا على الخيار «القواتي» في هذه المرحلة، مراهنين على أنّ عامل الوقت سيفعل فعله. وكذلك هو موقف جنبلاط الذي يستفزه خصوصاً حراك النائب طلال إرسلان واستثماره وزارة النازحين ليستقوي بسوريا درزياً.
إذاً، «صراخ» قوى 14 آذار «في برِّية الشام» ستتردّد أصداؤه، ولكن لا أحد سيجيب. والأرجح أنّ هذه القوى مضطرة إلى التصعيد في وجه عملية التطبيع لئلا يُقال، في أوساطها الشعبية ولدى حلفائها العرب والغربيين، إنها تبارك. وأساساً، ليس لهذه القوى أي سبيل لإحباط عملية التطبيع في ظل المعطيات الراهنة. وحتى إشعار آخر، ستقوم 14 آذار بالتصعيد الكلامي إزاء عملية التطبيع. لكنها ستضبط تصعيدها لئلا تتسبّب بخراب التسوية التي بها تشارك في السلطة. وهي إذ تمسك بثلث الحكومة ورئاستها، فهي ليست مستعدة للعودة العديمة الفائدة إلى موقع المعارضة الذي جرَّبه الحريري و»القوات» أحياناً.
ويبدو أنّ النظام الحالي جعل الذين يكونون خارج السلطة بلا تأثير حقيقي. ولذلك، ستكثر عمليات «الاستعراض» الرافضة التطبيع مع سوريا، لكن أياً من القوى المحلية ليس مستعداً للتضحية بنفسه من أجل أن يتصدّى لها.
طوني عيسى - الجمهورية - الاربعاء 20 شباط 2019
إرسال تعليق