مع أن الاستحقاق دستوري ملزم، يدخل في صلب قواعد النظام الديموقراطي البرلماني، الا أن مثول حكومة الرئيس سعد الحريري، منذ اليوم، أمام مجلس النواب لنيل ثقة محسوبة سلفاً، أقل من حدث عادي، إذ يكون غير ذي مغزى وهدف وخارج الواجب الدستوري.
قد يكون من السهل احتساب النواب الذين سيحجبون الثقة عن حكومة الرئيس سعد الحريري أكثر منه احتساب الذين سيمنحونها. المرجح أن ستة نواب سيقترعون ضد الثقة، أما الباقون من الحاضرين فسيصوّتون لها. يزيد رقم هؤلاء أو ينقص تبعاً لعدد المتغيبيّن. الستة المعارضون، لا المُحتملون، هم نواب حزب الكتائب الثلاثة سامي الجميّل ونديم الجميّل والياس حنكش والنواب المستقلون الثلاثة اللواء جميل السيد وأسامة سعد وبولا يعقوبيان.
مع ذلك، فإن جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي تبدأ أعمالها اليوم، ويُفترض أن تنتهي بعد غد، وصل عدد طالبي الكلام حتى قبل ظهر امس الى 55 نائباً. من المرجّح أن يكون ارتفع إذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار عاملين مبرّرين:
أولهما، أنها أول جلسة مناقشة عامة، متلفزة خصوصاً، ينخرط فيها البرلمان الجديد منذ بدء ولايته قبل سبعة اشهر.
ثانيهما، أن أقل من ثلثي المجلس المنتخب بقليل نواب جدد نواب (79 نائباً بينهم 64 جديداً + 15 نائباً سابقاً عادوا) من المفيد لهم أن يبصرهم ناخبوهم على الشاشات يساجلون ويتساجلون كأنهم امام المرآة.
ما ان باتت حكومات الوحدة الوطنية، منذ اتفاق الدوحة ما خلا التي ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، هي المعيار الوحيد لنشوء مجلس الوزراء، سقط نهائياً الجدار السميك الذي يفصل ما بين السلطتين الاجرائية والاشتراعية. تالياً اضحت الحكومة برلماناً مصغراً، شأن ما هو مجلس النواب حكومة موسّعة. المحاسِب والمحاسَب واحد. لا ينفصل احدهما عن الآخر، مقدار ما يتكاملان كي يستمر دوران علاقة هذا بذاك داخل السلطة. كلاهما في الحكومة والبرلمان في آن واحد. في كليهما ست كتل كبيرة تمثّل مرجعية السلطتين الدستوريتين، فضلاً عن ستّ كتل صغيرة في مجلس النواب لا تغني ولا تسمن.
في انتخابات 2018، ست كتل حصدت 103 نواب بنسبة 80% من مقاعد البرلمان، لم تكتفِ بوضع النصابين الموصوف والعادي بين أيديها، بل أعطت لنفسها صفة قيادة السلطتين الاجرائية والاشتراعية على السواء: كتلة التيار الوطني الحر وحلفائه 29 نائباً، كتلة تيار المستقبل 20 نائباً، كتلة التنمية والتحرير 17 نائباً، كتلة حزب القوات اللبنانية 15 نائباً، كتلة حزب الله 13 نائباً، كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه 9 نواب. أما الكتل الست الصغيرة الباقية، فلم يزد عدد نواب كل منها عن اربعة، ولم يقل عن نائبين، أضف 8 نواب مستقلين.
مع ذلك، أتاح تأليف الحكومة الحالية، رغم مخاضها الطويل، استيعاب كتل صغيرة في صفوفها جنباً الى جنب مع حوت الكتل الكبرى: مرة جراء خيارات مشتركة وتحالفات مزمنة ككتلة تيار المردة، واخرى بغية احداث توازن مذهبي ككتلة تيار العزم، ومرة ثالثة بفعل نكاية مذهبية ذات حجة انتخابية مقنعة شأن توزير ممثل عن النواب السنّة الستة.
مَن سيناقش البيان الوزاري لحكومة الحريري في ساحة النجمة هم واضعوه بالذات في السرايا. ومَن سيصوّتون له هم كتل الوزراء الممثلين لها في الحكومة نفسها. بالتأكيد ليست المرة الاولى يُتوقع ان تحوز الحكومة غالبية نيابية مرجحة منبثقة من قوة الكتل الرئيسية التي ادارت تأليفها وتقاسمت حصصها.
منذ اتفاق الدوحة الذي كرّس تعاقب حكومات الوحدة الوطنية، بدءاً بتمثيل متوازن الى حد بين فريقي 8 و14 آذار حينذاك وصولاً الى تحلّل هذين الفريقين منذ حكومة 2016، بات حصول حكومات الوحدة الوطنية على ثقة مرجحة حتمياً، في مقابل حجبها لم يكن يزيد عن اربعة نواب، وامتناع لا يزيد عن ثلاثة نواب: حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (2008) حازت ثقة 100 نائب، حكومة الحريري (2009) حازت ثقة 122 نائباً، حكومة الرئيس تمام سلام (2014) حازت ثقة 96 نائباً، حكومة الحريري (2016) حازت ثقة 87 نائباً. وحدها حكومة ميقاتي (2011)، جراء انبثاقها من غالبية قوى 8 آذار حينذاك ومقاطعة تيار المستقبل وحلفائه المشاركة فيها، حصلت على ثقة 68 نائباً. هي الادنى. يومذاك في جلسة 7 تموز 2011 خرج نواب قوى 14 آذار عند بدء التصويت على الثقة.
في أي من الحكومات المتعاقبة تلك، لم يقترن التصويت على الثقة بالبيان الوزاري سوى ظاهراً، ما دام ـــ كإجراء دستوري ـــ يقتضي ان يكون على اثر انجاز مناقشته. كان التصويت في واقع الامر تكريساً لائتلاف الكتل الرئيسية الكبرى، الممسكة بنصاب الحكومة.
بسبب اتفاق الدوحة اضحت الكتل النيابية الرئيسية ستاً. منذ اتفاق الطائف، في ظل الحقبة السورية، ثلاث كتل فقط امسكت بقراري السلطتين الاجرائية والاشتراعية، مع ان معظم حكومات المرحلة تلك وصولاً الى آخرها عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لم يكن ـــ باستثناء حكومة كرامي (1990) ـــ حكومة وحدة وطنية. الا انها كانت حكومات الغالبية الحليفة لدمشق، على صورة البرلمانات المتعاقبة الحليفة بدورها. كانت في قبضة ثلاث قوى ترأسها الرئيس نبيه برّي والحريري الاب بعد انتخابات 1996 وجنبلاط. رابعة القوى الثلاث هم الحلفاء المتفرّقون لسوريا، المستقلون المحظوظون. في اولى الحكومات التي تلت اغتيال الحريري الاب برئاسة السنيورة، دخل حزب الله للمرة الاولى في معادلة التأثير في تأليفها والمشاركة فيها. بعد اتفاق الدوحة دخل بقوة الطرفان المستبعدان على امتداد الحقبة السورية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في عداد الكتل المؤثرة ـــ بتفاوت ـــ في تأليف الحكومات. منذ اتفاق الدوحة، مرة بعد اخرى، تكرّس تطابق الكتل في البرلمان والحكومة في آن واحد.
فإذاً هذه مذذاك، ربما الى أمد أبعد، لا تملك الا ان تقف، استحقاقاً بعد آخر، امام المرآة: تبصر نفسها بنفسها.
قد يكون من السهل احتساب النواب الذين سيحجبون الثقة عن حكومة الرئيس سعد الحريري أكثر منه احتساب الذين سيمنحونها. المرجح أن ستة نواب سيقترعون ضد الثقة، أما الباقون من الحاضرين فسيصوّتون لها. يزيد رقم هؤلاء أو ينقص تبعاً لعدد المتغيبيّن. الستة المعارضون، لا المُحتملون، هم نواب حزب الكتائب الثلاثة سامي الجميّل ونديم الجميّل والياس حنكش والنواب المستقلون الثلاثة اللواء جميل السيد وأسامة سعد وبولا يعقوبيان.
مع ذلك، فإن جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي تبدأ أعمالها اليوم، ويُفترض أن تنتهي بعد غد، وصل عدد طالبي الكلام حتى قبل ظهر امس الى 55 نائباً. من المرجّح أن يكون ارتفع إذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار عاملين مبرّرين:
أولهما، أنها أول جلسة مناقشة عامة، متلفزة خصوصاً، ينخرط فيها البرلمان الجديد منذ بدء ولايته قبل سبعة اشهر.
ثانيهما، أن أقل من ثلثي المجلس المنتخب بقليل نواب جدد نواب (79 نائباً بينهم 64 جديداً + 15 نائباً سابقاً عادوا) من المفيد لهم أن يبصرهم ناخبوهم على الشاشات يساجلون ويتساجلون كأنهم امام المرآة.
ما ان باتت حكومات الوحدة الوطنية، منذ اتفاق الدوحة ما خلا التي ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، هي المعيار الوحيد لنشوء مجلس الوزراء، سقط نهائياً الجدار السميك الذي يفصل ما بين السلطتين الاجرائية والاشتراعية. تالياً اضحت الحكومة برلماناً مصغراً، شأن ما هو مجلس النواب حكومة موسّعة. المحاسِب والمحاسَب واحد. لا ينفصل احدهما عن الآخر، مقدار ما يتكاملان كي يستمر دوران علاقة هذا بذاك داخل السلطة. كلاهما في الحكومة والبرلمان في آن واحد. في كليهما ست كتل كبيرة تمثّل مرجعية السلطتين الدستوريتين، فضلاً عن ستّ كتل صغيرة في مجلس النواب لا تغني ولا تسمن.
في انتخابات 2018، ست كتل حصدت 103 نواب بنسبة 80% من مقاعد البرلمان، لم تكتفِ بوضع النصابين الموصوف والعادي بين أيديها، بل أعطت لنفسها صفة قيادة السلطتين الاجرائية والاشتراعية على السواء: كتلة التيار الوطني الحر وحلفائه 29 نائباً، كتلة تيار المستقبل 20 نائباً، كتلة التنمية والتحرير 17 نائباً، كتلة حزب القوات اللبنانية 15 نائباً، كتلة حزب الله 13 نائباً، كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه 9 نواب. أما الكتل الست الصغيرة الباقية، فلم يزد عدد نواب كل منها عن اربعة، ولم يقل عن نائبين، أضف 8 نواب مستقلين.
مع ذلك، أتاح تأليف الحكومة الحالية، رغم مخاضها الطويل، استيعاب كتل صغيرة في صفوفها جنباً الى جنب مع حوت الكتل الكبرى: مرة جراء خيارات مشتركة وتحالفات مزمنة ككتلة تيار المردة، واخرى بغية احداث توازن مذهبي ككتلة تيار العزم، ومرة ثالثة بفعل نكاية مذهبية ذات حجة انتخابية مقنعة شأن توزير ممثل عن النواب السنّة الستة.
مَن سيناقش البيان الوزاري لحكومة الحريري في ساحة النجمة هم واضعوه بالذات في السرايا. ومَن سيصوّتون له هم كتل الوزراء الممثلين لها في الحكومة نفسها. بالتأكيد ليست المرة الاولى يُتوقع ان تحوز الحكومة غالبية نيابية مرجحة منبثقة من قوة الكتل الرئيسية التي ادارت تأليفها وتقاسمت حصصها.
منذ اتفاق الدوحة الذي كرّس تعاقب حكومات الوحدة الوطنية، بدءاً بتمثيل متوازن الى حد بين فريقي 8 و14 آذار حينذاك وصولاً الى تحلّل هذين الفريقين منذ حكومة 2016، بات حصول حكومات الوحدة الوطنية على ثقة مرجحة حتمياً، في مقابل حجبها لم يكن يزيد عن اربعة نواب، وامتناع لا يزيد عن ثلاثة نواب: حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (2008) حازت ثقة 100 نائب، حكومة الحريري (2009) حازت ثقة 122 نائباً، حكومة الرئيس تمام سلام (2014) حازت ثقة 96 نائباً، حكومة الحريري (2016) حازت ثقة 87 نائباً. وحدها حكومة ميقاتي (2011)، جراء انبثاقها من غالبية قوى 8 آذار حينذاك ومقاطعة تيار المستقبل وحلفائه المشاركة فيها، حصلت على ثقة 68 نائباً. هي الادنى. يومذاك في جلسة 7 تموز 2011 خرج نواب قوى 14 آذار عند بدء التصويت على الثقة.
في أي من الحكومات المتعاقبة تلك، لم يقترن التصويت على الثقة بالبيان الوزاري سوى ظاهراً، ما دام ـــ كإجراء دستوري ـــ يقتضي ان يكون على اثر انجاز مناقشته. كان التصويت في واقع الامر تكريساً لائتلاف الكتل الرئيسية الكبرى، الممسكة بنصاب الحكومة.
بسبب اتفاق الدوحة اضحت الكتل النيابية الرئيسية ستاً. منذ اتفاق الطائف، في ظل الحقبة السورية، ثلاث كتل فقط امسكت بقراري السلطتين الاجرائية والاشتراعية، مع ان معظم حكومات المرحلة تلك وصولاً الى آخرها عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لم يكن ـــ باستثناء حكومة كرامي (1990) ـــ حكومة وحدة وطنية. الا انها كانت حكومات الغالبية الحليفة لدمشق، على صورة البرلمانات المتعاقبة الحليفة بدورها. كانت في قبضة ثلاث قوى ترأسها الرئيس نبيه برّي والحريري الاب بعد انتخابات 1996 وجنبلاط. رابعة القوى الثلاث هم الحلفاء المتفرّقون لسوريا، المستقلون المحظوظون. في اولى الحكومات التي تلت اغتيال الحريري الاب برئاسة السنيورة، دخل حزب الله للمرة الاولى في معادلة التأثير في تأليفها والمشاركة فيها. بعد اتفاق الدوحة دخل بقوة الطرفان المستبعدان على امتداد الحقبة السورية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، في عداد الكتل المؤثرة ـــ بتفاوت ـــ في تأليف الحكومات. منذ اتفاق الدوحة، مرة بعد اخرى، تكرّس تطابق الكتل في البرلمان والحكومة في آن واحد.
فإذاً هذه مذذاك، ربما الى أمد أبعد، لا تملك الا ان تقف، استحقاقاً بعد آخر، امام المرآة: تبصر نفسها بنفسها.
نقولا ناصيف - الاخبار - الثلاثاء 12 شباط 2019
إرسال تعليق