في الاونة الاخيرة، كثر الحديث عن "ازمة نظام" يعاني منها لبنان، مع سوء فهم عن قصد او عن غير قصد للدستور اللبناني، وسوء تفسير لأحكامه ومفرداته واجتهادات وفيرة لتبيانه منتهي الصلاحية او ربما غير صالح منذ إقراره في مدينة الطائف.
بعد مرور اكثر من نصف سنة على تكليف رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بتأليف حكومة ما بعد الانتخابات، او "حكومة العهد الاولى" كما يسميها فريق "لبنان القوي"، بات السؤال ضروريًا وملحًّا في آن، "هل المشكلة مشكلة صلاحيات وهل هي في عمقها أزمة دستورية مع عدم تحديد مهلة للرئيس المكلف، وماذا لو حدد المشترع مهلة زمنية ثم رفض رئيس الجمهورية اي تشكيلة يقدمها الرئيس المكلف لتمرير المهلة (المحددة) وإنهاء التكليف"؟
في الحقيقة ومن دون "لف ودوران" المشكلة ليست في الدستور ولا في "وثيقة الوفاق الوطني" التي انهت الحرب الاهلية. اصل المشكلة في وجود فريق يستقوي على الدولة بسلاحه غير الشرعي، فيفرض ما يريد ويرفض ما لا يرغب فيه، يعطل الحكومات متى يشاء (الـ "وان واي تيكت" حاضرة في الأذهان)، ويقفل مجلس النواب متى رأى ان الارادة البرلمانية تخالف رغبته ومخططاته واستراتيجياته، وهذا ما حصل عندما ادخل البلاد في فراغٍ رئاسي عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بعد تعطيل حكومات عهده للأسباب نفسها، فراغ عنوانه "العماد ميشال عون في بعبدا أو لا جلسة ولا رئيس". وبعد إنهاك البلاد سياسيًا وامنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، كان له ما اراد ورضخت غالبية القوى لرغبته في تسوية عرجاء اثبتت فشلها سياسيًا واقتصاديًا ووضعت لبنان في مصاف "الدولة الفاشلة" او "الدولة المارقة".
بعد الجولة الرئاسية الرابحة، انكب "حزب الله" على فرض القانون الانتخابي الذي يناسبه حصرًا، وبعد "كرٍ وفرّ" ومسرحيات تلفزيونية ومعارك دونكيشوتية خاضتها بعض القوى بهدف الاستعراض، اقر المجلس النيابي "قانون حزب الله".. ماذا كانت النتيجة، سيطرة شيعية كاملة لعدم قدرة اي فريق على اختراق البيئة الغارقة في "الانتصارات" من سوريا الى العراق مرورًا باليمن غير السعيد، وتمكين "الحلفاء" من اختراق البيئة السنّية التي اخفقت في تحالفاتها وفي ادارة معاركها، ما اوصل مجموعة نواب سنّة ينتمون بفخرٍ الى "محور العقوبات".
ومع تسهيل الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط التأليف وتنازله عن المقعد الدرزي الثالث لصالح رئيس "التيار الوطني الحر"، وبعد قبول "القوات اللبنانية" بما عُرض عليها، انكشفت لعبة "حزب الله"، غير الراغب في إعطاء المرشح الرئاسي جبران باسيل 11 وزيراً، أي الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، المرجح ان تبقى حتى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، في حين اعلن امين عام "حزب الله" ان مرشحه الرئاسي بعد رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" ميشال عون هو رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجية، وهذا ما يبرر عدم رغبة "حزب الله" في تمكين باسيل من الامساك في رقبة الحكومة حتى ذلك الحين.
السؤال الذي يُطرح بعد رفض "حزب الله" تسليم الاسماء المنوي توزيرها للرئيس المكلف تحت ضغط توزير "سنّي" من 8 اذار، "لماذا لا يؤلف الرئيس المكلف حكومته بمن حضر وبالتعاون مع رئيس الجمهورية كما يقول الكتاب (المادة 53)"، الجواب ببساطة ان القدرة على تجاوز "القوات" ديموقراطيًا موجودة، في حين لا قدرة لأي فريق على تجاوز "حزب الله" لأن مواد دستوره مستخرجة من "7 ايار" ولا يعترف بأي دستور اخر.
المشكلة ليست في النظام ولا في الدستور، المشكلة في وجود فريق يحمل السلاح، لديه دستوره الخاص ومشروعه الخاص العابر للحدود، ولديه "مدعيه العام التمييزي الخاص" القادر على التحكم بأجهزة الدولة ومنعها من القيام بواجباتها، ولديه "قائد جيشه الخاص" الذي يؤمن خروج الدواعش بالباصات المكيفة خلافًا لرغبة الدولة ومن فيها وخلافًا لرغبة القيادات الامنية الشرعية التي ألغت الاحتفال بالانتصار على الارهاب بعد تحديد موعده بُعَيد انتهاء عملية "فجر الجرود"، ولديه ايضًا اجندته الخاصة المرتبطة علنًا وحصرًا بالخارج الايراني، ومطالبه الخاصة كمعرفة مضمون البيان الوزاري مسبقًا، أي قبل تسليم اسماء الوزراء.
لا حكومة في الافق قبل تحقيق مطلب "حزب الله"، أي توزير "سنّي" من قوى 8 اذار، أو تراجعه عن مطلبه لأسباب إقليمية وهذا مستبعد، ومن غير الممكن ولا المنطقي ولا المقبول ان يتنازل الرئيس المكلف سعد الحريري عن وزير من حصته لصالح هذا الفريق، وهذا أيضًا ما يخالف هدف "حزب الله" ضمنًا، كونه يرغب في توزير "سنّي" من حصة "عون – باسيل" وتقليصها من 11 الى 10 وزراء في حكومة ثلاثينية.
الحلّ الوحيد لانطلاقة "حكومة العهد الاولى" تكمن في قبول محور "عون – باسيل" تسهيل التأليف والتنازل عن الحصة السنّية لمصلحة وزير "حزب الله" السنّي، او توقيع رئيس الجمهورية القوي على التشكيلة الحكومية التي يعرضها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة حتى لو من دون وزراء لـ"حزب الله" سواء كانت تشكيلة سياسية ثلاثينية أم تشكيلة حكومة مصغّرة أو تشكيلة اختصاصيين (تكنوقراط).. حينها فقط، تنطلق العجلة الحكومية وتؤخذ الصورة التذكارية.. وينبت العشب الاخضر وتذهب التهديدات الاسرائيلية الى الجحيم وتنتهي الازمة السورية بعودة كاملة للنازحين ويخرج النمو من تحت الصفر وتتقلص المخاطر البيئية والمالية والاقتصادية التي تهدد الدولة بالانهيار الشامل وتنتهي رحلة طيران البلد.
دستورنا عظيم، مع وجود بعض الثغرات ووجوب معالجتها بهدوء وحوار لتحصينه والحفاظ عليه لضمان الحفاظ على لبنان، ثم العمل على تطبيقه حرفيًا بأخلاق دستورية عالية، لا على الطريقة السورية او الايرانية. المشكلة ليست مشكلة دستورية ولا الازمة هي ازمة نظام، المشكلة في شريك "اكبر من السيستم"، يتمسكن في الشكل فيما يضع مسدسه على الطاولة في المضمون ليتمكن من سيادة الدولة، ويمنع رئيس الجمهورية القابض على أَزِمَّة الحكم والحالف امام البرلمان يمين الاخلاص للأمة والدستور (المادة 50) من ممارسة صلاحياته، والويل والثبور لمن يرفض رغباته ولا يرضخ لدستوره الخاص، دستور الولي الفقيه.
بعد مرور اكثر من نصف سنة على تكليف رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بتأليف حكومة ما بعد الانتخابات، او "حكومة العهد الاولى" كما يسميها فريق "لبنان القوي"، بات السؤال ضروريًا وملحًّا في آن، "هل المشكلة مشكلة صلاحيات وهل هي في عمقها أزمة دستورية مع عدم تحديد مهلة للرئيس المكلف، وماذا لو حدد المشترع مهلة زمنية ثم رفض رئيس الجمهورية اي تشكيلة يقدمها الرئيس المكلف لتمرير المهلة (المحددة) وإنهاء التكليف"؟
في الحقيقة ومن دون "لف ودوران" المشكلة ليست في الدستور ولا في "وثيقة الوفاق الوطني" التي انهت الحرب الاهلية. اصل المشكلة في وجود فريق يستقوي على الدولة بسلاحه غير الشرعي، فيفرض ما يريد ويرفض ما لا يرغب فيه، يعطل الحكومات متى يشاء (الـ "وان واي تيكت" حاضرة في الأذهان)، ويقفل مجلس النواب متى رأى ان الارادة البرلمانية تخالف رغبته ومخططاته واستراتيجياته، وهذا ما حصل عندما ادخل البلاد في فراغٍ رئاسي عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بعد تعطيل حكومات عهده للأسباب نفسها، فراغ عنوانه "العماد ميشال عون في بعبدا أو لا جلسة ولا رئيس". وبعد إنهاك البلاد سياسيًا وامنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، كان له ما اراد ورضخت غالبية القوى لرغبته في تسوية عرجاء اثبتت فشلها سياسيًا واقتصاديًا ووضعت لبنان في مصاف "الدولة الفاشلة" او "الدولة المارقة".
بعد الجولة الرئاسية الرابحة، انكب "حزب الله" على فرض القانون الانتخابي الذي يناسبه حصرًا، وبعد "كرٍ وفرّ" ومسرحيات تلفزيونية ومعارك دونكيشوتية خاضتها بعض القوى بهدف الاستعراض، اقر المجلس النيابي "قانون حزب الله".. ماذا كانت النتيجة، سيطرة شيعية كاملة لعدم قدرة اي فريق على اختراق البيئة الغارقة في "الانتصارات" من سوريا الى العراق مرورًا باليمن غير السعيد، وتمكين "الحلفاء" من اختراق البيئة السنّية التي اخفقت في تحالفاتها وفي ادارة معاركها، ما اوصل مجموعة نواب سنّة ينتمون بفخرٍ الى "محور العقوبات".
ومع تسهيل الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط التأليف وتنازله عن المقعد الدرزي الثالث لصالح رئيس "التيار الوطني الحر"، وبعد قبول "القوات اللبنانية" بما عُرض عليها، انكشفت لعبة "حزب الله"، غير الراغب في إعطاء المرشح الرئاسي جبران باسيل 11 وزيراً، أي الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، المرجح ان تبقى حتى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، في حين اعلن امين عام "حزب الله" ان مرشحه الرئاسي بعد رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" ميشال عون هو رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجية، وهذا ما يبرر عدم رغبة "حزب الله" في تمكين باسيل من الامساك في رقبة الحكومة حتى ذلك الحين.
السؤال الذي يُطرح بعد رفض "حزب الله" تسليم الاسماء المنوي توزيرها للرئيس المكلف تحت ضغط توزير "سنّي" من 8 اذار، "لماذا لا يؤلف الرئيس المكلف حكومته بمن حضر وبالتعاون مع رئيس الجمهورية كما يقول الكتاب (المادة 53)"، الجواب ببساطة ان القدرة على تجاوز "القوات" ديموقراطيًا موجودة، في حين لا قدرة لأي فريق على تجاوز "حزب الله" لأن مواد دستوره مستخرجة من "7 ايار" ولا يعترف بأي دستور اخر.
المشكلة ليست في النظام ولا في الدستور، المشكلة في وجود فريق يحمل السلاح، لديه دستوره الخاص ومشروعه الخاص العابر للحدود، ولديه "مدعيه العام التمييزي الخاص" القادر على التحكم بأجهزة الدولة ومنعها من القيام بواجباتها، ولديه "قائد جيشه الخاص" الذي يؤمن خروج الدواعش بالباصات المكيفة خلافًا لرغبة الدولة ومن فيها وخلافًا لرغبة القيادات الامنية الشرعية التي ألغت الاحتفال بالانتصار على الارهاب بعد تحديد موعده بُعَيد انتهاء عملية "فجر الجرود"، ولديه ايضًا اجندته الخاصة المرتبطة علنًا وحصرًا بالخارج الايراني، ومطالبه الخاصة كمعرفة مضمون البيان الوزاري مسبقًا، أي قبل تسليم اسماء الوزراء.
لا حكومة في الافق قبل تحقيق مطلب "حزب الله"، أي توزير "سنّي" من قوى 8 اذار، أو تراجعه عن مطلبه لأسباب إقليمية وهذا مستبعد، ومن غير الممكن ولا المنطقي ولا المقبول ان يتنازل الرئيس المكلف سعد الحريري عن وزير من حصته لصالح هذا الفريق، وهذا أيضًا ما يخالف هدف "حزب الله" ضمنًا، كونه يرغب في توزير "سنّي" من حصة "عون – باسيل" وتقليصها من 11 الى 10 وزراء في حكومة ثلاثينية.
الحلّ الوحيد لانطلاقة "حكومة العهد الاولى" تكمن في قبول محور "عون – باسيل" تسهيل التأليف والتنازل عن الحصة السنّية لمصلحة وزير "حزب الله" السنّي، او توقيع رئيس الجمهورية القوي على التشكيلة الحكومية التي يعرضها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة حتى لو من دون وزراء لـ"حزب الله" سواء كانت تشكيلة سياسية ثلاثينية أم تشكيلة حكومة مصغّرة أو تشكيلة اختصاصيين (تكنوقراط).. حينها فقط، تنطلق العجلة الحكومية وتؤخذ الصورة التذكارية.. وينبت العشب الاخضر وتذهب التهديدات الاسرائيلية الى الجحيم وتنتهي الازمة السورية بعودة كاملة للنازحين ويخرج النمو من تحت الصفر وتتقلص المخاطر البيئية والمالية والاقتصادية التي تهدد الدولة بالانهيار الشامل وتنتهي رحلة طيران البلد.
دستورنا عظيم، مع وجود بعض الثغرات ووجوب معالجتها بهدوء وحوار لتحصينه والحفاظ عليه لضمان الحفاظ على لبنان، ثم العمل على تطبيقه حرفيًا بأخلاق دستورية عالية، لا على الطريقة السورية او الايرانية. المشكلة ليست مشكلة دستورية ولا الازمة هي ازمة نظام، المشكلة في شريك "اكبر من السيستم"، يتمسكن في الشكل فيما يضع مسدسه على الطاولة في المضمون ليتمكن من سيادة الدولة، ويمنع رئيس الجمهورية القابض على أَزِمَّة الحكم والحالف امام البرلمان يمين الاخلاص للأمة والدستور (المادة 50) من ممارسة صلاحياته، والويل والثبور لمن يرفض رغباته ولا يرضخ لدستوره الخاص، دستور الولي الفقيه.
بشارة خيرالله - العدد السنوي 2019 لجريدة اللواء
إرسال تعليق