قد تكون ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله الأكثر إشكالية وإثارة للجدل وعرضة للإستهداف في تاريخ لبنان الحديث، بالنظر الى التغييرات الجذرية التي أدخلتها في وعي الجماعتين المسيحية - المارونية والشيعية.
هكذا، فجأة بين ليلة وضحاها نقل ميشال عون، سياسيا وفكريا ووجدانيا، شريحة وازنة من ضفة الى أخرى، حين كانت الإصطفافات السياسية والإنتر- طائفية في أشدّ إحتدامها وتفشّيها وإيلامها.
لم يكن الخيار هذا سهلا، لا على الرجل صاحب الخيار ولا على جمهوره. لكنه بالتأكيد جاء بوقع صاعق وصادم على الجماعة الحاكمة في ذلك الوقت، بفرعها المستقبلي - الإشتراكي أساسا، والقوى المسيحية الملحقة بدرجة ثانية.
في الأصل، لم يكن خيار التفاهم أولا أو أولوية عند قيادة التيار الوطني الحر، لجملة ظروف، منها رغبة عون، آنذاك إثر العودة، في أن يكون وسيطا بين فريقين -طائفتين زاد في قسمتهما إغتيال رفيق الحريري، إنطلاقا من وجوب أن يشكل المسيحيون قوة عازلة وسيطية (لا وسطية)، بين متناحرِين. لكن الحلف الرباعي الذي قام، إثر الإغتيال، على مبدأ محاصرة التيار وتكريس فريق مسيحي آخر (القوات اللبنانية والكتائب) كحليف ضعيف (وهو ما عكسته تركيبة حكومة ما بعد إنتخابات ربيع العام 2005 والتي أعطت الفريقين وما يعرف بالمستقلين وزارات هامشية)، ومن ثم تكريس الإنقسام السني - الشيعي والتحلّق حول فكرة عزل حزب الله، فالرغبة في سنية سياسية قوية وحديدية ترث الإدارة السورية بكلّيتها، يلتحق بها مسيحيو الهامش كحلفاء بالإسم لا الصفة، دفعته دفعا الى البحث عن خيار يعيد خلط كل الأوراق، وهو الـ unpredictable وuncontrollable في التوصيف الدبلوماسي الأميركي (جيفري فيلتمان في برقية الى وزارة الخارجية بتاريخ 28 أيلول 2007 بعنوانLebanon: Tactical Flirtation (But No Strategic Infatuation) Between Aoun and March 14. وما من خيار أفضل لتحقيق إنقلاب جذري يطيح بما كان رآه الرجل إستئثارا في السلطة بمعونة خارجية وتهميشا للمسيحي القوي وتعويما للهامش منهم، من التفاهم مع حزب الله.
(كتب فيلتمان ايضا في البرقية عينها، لائماً: «هذا الغزل الناشئ من 14 آذار (تجاه زعيم التيار الوطني الحر) يخلق وحشاً، عون منبعث resurgent لا يمكن وقفه. بعد كل شيء، هذا هو إنعكاس كامل لسياسة 14 آذار السابقة في محاولة تهميش عون وجعله غير ذي صلة).
رمَتْ ورقة التفاهم بين التيار والحزب، إذن، الى أمرين إثنين:
1-تكريس معادلة القوي في جماعته (هي نفسها التي عادت وأوصلت عون الى الرئاسة بعد 10 أعوام من توقيع التفاهم).
2-الإنتصار لكل جماعة يُنوى عزلها أو إستهدافها تحت أي مسمّى (هو ما حصل تماما إبان أزمة سعد الحريري، بما يمثّل رسميا وحزبيا وشعبيا وسنيّا، خريف العام 2017).
لم يحفل عون بما أوتي عليه من ضغوط محلية، وخصوصا دولية، لثنيه عمّا تفاهم عليه مع حسن نصر الله. لوّح له الأميركيون والأوروبيون مرارا بالأثر السلبي جدا على حظوظه الرئاسية، فتعمّد جعل التفاهم حلفا وثيقا.
تُدرك قيادة حزب الله، بلا أدنى شك، هذه الوقائع الثابتة، وأن ما راكمه الحزب في الوجدان المسيحي أتاح له الخروج معافا من الحصار الذي ضُرب له وعليه في تلك الفترة وصولا حتى العام 2011.
لا تُحبّذ قيادة «التيار الوطني الحر» هذه المقاربة، لا بل تنبذ خطاب المِنّة الذي ظهر بعضه في مناوشات وسائط التواصل الإجتماعي مع إشتداد سوء الفهم مع الحزب في الأيام القليلة الفائتة.
لكن كل ذلك لا يُلغي العتب على مقاربة ركن التفاهم مسألةَ التشكيل الحكومي.
من هنا تحديدا، يؤسَّس الإنطلاق نحو مصارحة موجبة تبدّد ما علق من شوائب وتستعيد الحقيقة العارية: مَن وقف وآزر في عزّ معركة قطع الرأس، ومَن إختبأ وغارَ وتنكّر!
هكذا، فجأة بين ليلة وضحاها نقل ميشال عون، سياسيا وفكريا ووجدانيا، شريحة وازنة من ضفة الى أخرى، حين كانت الإصطفافات السياسية والإنتر- طائفية في أشدّ إحتدامها وتفشّيها وإيلامها.
لم يكن الخيار هذا سهلا، لا على الرجل صاحب الخيار ولا على جمهوره. لكنه بالتأكيد جاء بوقع صاعق وصادم على الجماعة الحاكمة في ذلك الوقت، بفرعها المستقبلي - الإشتراكي أساسا، والقوى المسيحية الملحقة بدرجة ثانية.
في الأصل، لم يكن خيار التفاهم أولا أو أولوية عند قيادة التيار الوطني الحر، لجملة ظروف، منها رغبة عون، آنذاك إثر العودة، في أن يكون وسيطا بين فريقين -طائفتين زاد في قسمتهما إغتيال رفيق الحريري، إنطلاقا من وجوب أن يشكل المسيحيون قوة عازلة وسيطية (لا وسطية)، بين متناحرِين. لكن الحلف الرباعي الذي قام، إثر الإغتيال، على مبدأ محاصرة التيار وتكريس فريق مسيحي آخر (القوات اللبنانية والكتائب) كحليف ضعيف (وهو ما عكسته تركيبة حكومة ما بعد إنتخابات ربيع العام 2005 والتي أعطت الفريقين وما يعرف بالمستقلين وزارات هامشية)، ومن ثم تكريس الإنقسام السني - الشيعي والتحلّق حول فكرة عزل حزب الله، فالرغبة في سنية سياسية قوية وحديدية ترث الإدارة السورية بكلّيتها، يلتحق بها مسيحيو الهامش كحلفاء بالإسم لا الصفة، دفعته دفعا الى البحث عن خيار يعيد خلط كل الأوراق، وهو الـ unpredictable وuncontrollable في التوصيف الدبلوماسي الأميركي (جيفري فيلتمان في برقية الى وزارة الخارجية بتاريخ 28 أيلول 2007 بعنوانLebanon: Tactical Flirtation (But No Strategic Infatuation) Between Aoun and March 14. وما من خيار أفضل لتحقيق إنقلاب جذري يطيح بما كان رآه الرجل إستئثارا في السلطة بمعونة خارجية وتهميشا للمسيحي القوي وتعويما للهامش منهم، من التفاهم مع حزب الله.
(كتب فيلتمان ايضا في البرقية عينها، لائماً: «هذا الغزل الناشئ من 14 آذار (تجاه زعيم التيار الوطني الحر) يخلق وحشاً، عون منبعث resurgent لا يمكن وقفه. بعد كل شيء، هذا هو إنعكاس كامل لسياسة 14 آذار السابقة في محاولة تهميش عون وجعله غير ذي صلة).
رمَتْ ورقة التفاهم بين التيار والحزب، إذن، الى أمرين إثنين:
1-تكريس معادلة القوي في جماعته (هي نفسها التي عادت وأوصلت عون الى الرئاسة بعد 10 أعوام من توقيع التفاهم).
2-الإنتصار لكل جماعة يُنوى عزلها أو إستهدافها تحت أي مسمّى (هو ما حصل تماما إبان أزمة سعد الحريري، بما يمثّل رسميا وحزبيا وشعبيا وسنيّا، خريف العام 2017).
لم يحفل عون بما أوتي عليه من ضغوط محلية، وخصوصا دولية، لثنيه عمّا تفاهم عليه مع حسن نصر الله. لوّح له الأميركيون والأوروبيون مرارا بالأثر السلبي جدا على حظوظه الرئاسية، فتعمّد جعل التفاهم حلفا وثيقا.
تُدرك قيادة حزب الله، بلا أدنى شك، هذه الوقائع الثابتة، وأن ما راكمه الحزب في الوجدان المسيحي أتاح له الخروج معافا من الحصار الذي ضُرب له وعليه في تلك الفترة وصولا حتى العام 2011.
لا تُحبّذ قيادة «التيار الوطني الحر» هذه المقاربة، لا بل تنبذ خطاب المِنّة الذي ظهر بعضه في مناوشات وسائط التواصل الإجتماعي مع إشتداد سوء الفهم مع الحزب في الأيام القليلة الفائتة.
لكن كل ذلك لا يُلغي العتب على مقاربة ركن التفاهم مسألةَ التشكيل الحكومي.
من هنا تحديدا، يؤسَّس الإنطلاق نحو مصارحة موجبة تبدّد ما علق من شوائب وتستعيد الحقيقة العارية: مَن وقف وآزر في عزّ معركة قطع الرأس، ومَن إختبأ وغارَ وتنكّر!
أنطوان الأسمر - "اللواء" - 5 كانون الثاني 2019
إرسال تعليق