لسوء حظ الشرق الأوسط فهو يتأثر سلباً جرّاء تخبّط السياسة الاميركية في المنطقة، وما زاد في سوء الوضع الفضائح المتلاحقة التي تهز ركائز إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
آخر مسلسل الفضائح ظهر في كتاب «الخوف» للصحافي الاميركي المشهود له برصانته بوب وود ورد، الذي روى بإسهاب عدداً من الوقائع التي تؤشر الى التفسّخ الكبير الذي يصيب إدارة ترامب، والى الهوة الهائلة بين معظم أعضاء الفريق وأفكار الرئيس، والى السخرية من البساطة والخفة في بعض قراراته.
والكتاب الذي يسبق الانتخابات النصفية، والتي أضحت بمثابة استفتاء على وجود ترامب في البيت الابيض، جاء بعد الرسالة التي تعتبر سابقة اميركية ونشرتها «نيويورك تايمز» بتوقيع مسؤول كبير داخل ادارة ترامب بقي مجهول الهوية. وأثبتت ردة فعل ترامب والفريق المحيط به صحة ودقة ما ورد في هذه الرسالة، والذي يؤشر الى عنوان عريض: «فوضى في واشنطن».
في الأساس إنّ ترامب وصل الى البيت الابيض مخالفاً كل القواعد وضارباً بعرض الحائط أصول وثوابت اختيار الاميركيين لرئيسهم. ولكن نقض هذه القواعد لم يقف عند بوابة البيت الابيض، بل دخل مع الرئيس المثير للجدل الى صلب قرارات المكتب البيضاوي.
وأن تشهد هذه الادارة هذا المقدار من الاقالات في صفوف مسؤوليها الكبار، فهذا يعطي صدقية لحال الفوضى التي يعكسها الاعلام الاميركي عن طريقة عمل إدارة ترامب والنزاعات العنيفة في داخلها.
آخر ما تردد في هذا المجال هو نيّة ترامب عزل وزير دفاعه جيمس ماتيس بعد الانتهاء من الانتخابات النصفية مطلع تشرين الثاني المقبل. وقيل انّ ترامب بدأ يبرر ذلك بأنّ ماتيس هو من سرّب كثيراً من المعلومات الى الصحافي وود ورد، كما انه يشتبه بعلاقة له بالمقال الذي نشرته «نيويورك تايمز». لكن الاوساط الديبلوماسية تربط نية ترامب بمسائل لها علاقة بعدم ترجمة سياسته على ارض الواقع في الشرق الاوسط.
فماتيس الذي اختاره ترامب كان يرى فيه رجلا قابلاً للذهاب بعيداً في مغامرات ومناورات الشرق الاوسط، خصوصاً في وجه ايران. لكن ماتيس او «الكلب الشارد»، حسب ما سمّاه رفاقه في الجيش الاميركي، يريد ويسعى الى تحجيم نفوذ إيران في الشرق الاوسط، ولكنه يريد في الوقت نفسه درس الخطوات جيداً لعدم أذية مصالح بلاده، وهو الذي خبر الالغاز الخطرة لساحات القتال في الشرق الاوسط من خلال قيادته القوات الاميركية، والقدرات المؤذية التي تمتلكها ايران عبر مخالبها الموجودة والمتخفية في كل ساحة من ساحاتها.
ترامب الذي اعترف بأنّ التسوية الفلسطينية ـ الاسرائيلية هي اصعب وأعقد مما تصور، يراهن على أن ترويض ايران سيفتح الباب واسعاً امام تحقيق «صفقة العصر».
وخلال الاسابيع الماضية، نفذ ترامب احدى اهم الخطوات التمهيدية لمشروع «صفقة العصر» من خلال ضرب وكالة «الاونروا»، وهو ما يعني الاعلان صراحة للمرة الاولى عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في اماكن وجودهم. وترافق ذلك مع طرح كونفدرالية أردنية - فلسطينية تفتح الطريق امام «ترانسفير» فلسطيني في اتجاه الاردن لاحقاً وعلى مراحل، تكريساً ليهودية الدولة الاسرائيلية.
طبعاً جاء ذلك في سياق الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويبدو أنّ البيت الابيض مستمر في تحضير الخطوات المستقبلية في السياق عينه، فقريباً سيجري تعيين ديفيد ساترفيلد سفيراً لبلاده في القاهرة ولكن بصلاحيات موفد خاص، اي صلاحيات أوسع ستطاول الملف الفلسطيني.
وفيما ستسعى واشنطن الى إعلان تعيين ساترفيلد قبل انطلاق مناورات «النجم الساطع» بين الجيشين الاميركي والمصري، الّا انّ السؤال الاساسي هو لماذا الاصرار على الاستعانة بسفير أحيل على التقاعد في أيار 2009؟.
من الواضع انّ ساترفيلد عرفه لبنان مراقباً لولادة «اتفاق الطائف» من ضمن فريق ريتشارد مورفي، ومن ثم ديبلوماسياً فسفيراً معتمداً تولى مهمات كثيرة في الشرق الاوسط كمثل كبير مستشاري وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في ملف العراق، وهي التي انخرطت في مشروع «الفوضى الخلاقة» في الشرق الاوسط. وعمل أيضا مديراً لمكتب الشؤون العربية ـ الاسرائيلية ومساعدا لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى، وكذلك عمل على ملف جنوب سوريا والذي أدى الى الحل الذي رُسِم.
لكنّ اللافت انه أدّى دور الوسيط في معظم القضايا الصعبة التي تشكل اسرائيل طرفاً فيها. فهو عمل مثلاً على ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا، وهو كان يتولى ايضاً ادارة مكتب اتفاقية سيناء ومقرها روما.
وفي لبنان حسم أمر بقاء السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد حتى نهاية مدتها، وهي التي تم تعيينها في نهاية ولاية باراك اوباما. لكن الجديد هو وصول فريق ديبلوماسي جديد الى السفارة الاميركية والبدء بمهماته منذ بضعة اسابيع، وطابعه تقني واحترافي من الطراز الرفيع، كلّ في مجال اختصاصه.
وفي الاساس اعتادت واشنطن على إرسال موظفين أكفياء الى السفارة في لبنان، باستثناء حقبات معينة معظمها خلال الحرب اللبنانية. وقيل انّ بعض موظفي السفارة الجدد ملمّون بتفاصيل دقيقة عن وضع لبنان والواقع الفلسطيني والخريطة السياسية والميدانية اللبنانية.
هذا في وقت يجري التحضير لكي تعود السفارة الاميركية في لبنان، إحدى اكبر السفارات في المنطقة بعد السفارة في العراق، في مهلة تقارب الاربع سنوات وهي مهلة الانتهاء من بناء أقسام السفارة الاميركية الجديدة في عوكر.
وفي جوار لبنان، اي في الساحة السورية، تبدو ايران ماضية في تأمين حضورها وحمايته ولكن تحت الارض وبعيداً عن الرقابة الاميركية والاسرائيلية، وذلك إثر زيارة وزير الدفاع الايراني الاخيرة لدمشق حيث تم توقيع اتفاقات حول بناء مصانع لإنتاج الاسلحة، اضافة الى تعاون عسكري إيراني - سوري وثيق.
وفيما تسعى واشنطن الى إعادة تفعيل طاقمها الديبلوماسي في العالم العربي من خلال اعتماد خبراء مشهود لهم وتوزيعهم في المواقع المهمة في المنطقة، تعمل روسيا على ترسيخ المكتسبات الهائلة التي حققتها في المنطقة.
هي نفّذت مناورة واحدة كبيرة في روسيا وثانية بحرية مقابل شواطىء سوريا بهدف توجيه رسالة قوة الى واشنطن وأعضاء حلف «الناتو»، واظهرت المناورات قدرة الجيش الروسي على نقل القوات والمعدات الاساسية عبر مسافات طويلة وفي وقت زمني قصير، إضافة الى إظهار الخبرة الكبيرة التي كسبها الجيش الروسي في ساحات قتال سوريا، والاقبال الكبير على الاسلحة الروسية.
آخر مسلسل الفضائح ظهر في كتاب «الخوف» للصحافي الاميركي المشهود له برصانته بوب وود ورد، الذي روى بإسهاب عدداً من الوقائع التي تؤشر الى التفسّخ الكبير الذي يصيب إدارة ترامب، والى الهوة الهائلة بين معظم أعضاء الفريق وأفكار الرئيس، والى السخرية من البساطة والخفة في بعض قراراته.
والكتاب الذي يسبق الانتخابات النصفية، والتي أضحت بمثابة استفتاء على وجود ترامب في البيت الابيض، جاء بعد الرسالة التي تعتبر سابقة اميركية ونشرتها «نيويورك تايمز» بتوقيع مسؤول كبير داخل ادارة ترامب بقي مجهول الهوية. وأثبتت ردة فعل ترامب والفريق المحيط به صحة ودقة ما ورد في هذه الرسالة، والذي يؤشر الى عنوان عريض: «فوضى في واشنطن».
في الأساس إنّ ترامب وصل الى البيت الابيض مخالفاً كل القواعد وضارباً بعرض الحائط أصول وثوابت اختيار الاميركيين لرئيسهم. ولكن نقض هذه القواعد لم يقف عند بوابة البيت الابيض، بل دخل مع الرئيس المثير للجدل الى صلب قرارات المكتب البيضاوي.
وأن تشهد هذه الادارة هذا المقدار من الاقالات في صفوف مسؤوليها الكبار، فهذا يعطي صدقية لحال الفوضى التي يعكسها الاعلام الاميركي عن طريقة عمل إدارة ترامب والنزاعات العنيفة في داخلها.
آخر ما تردد في هذا المجال هو نيّة ترامب عزل وزير دفاعه جيمس ماتيس بعد الانتهاء من الانتخابات النصفية مطلع تشرين الثاني المقبل. وقيل انّ ترامب بدأ يبرر ذلك بأنّ ماتيس هو من سرّب كثيراً من المعلومات الى الصحافي وود ورد، كما انه يشتبه بعلاقة له بالمقال الذي نشرته «نيويورك تايمز». لكن الاوساط الديبلوماسية تربط نية ترامب بمسائل لها علاقة بعدم ترجمة سياسته على ارض الواقع في الشرق الاوسط.
فماتيس الذي اختاره ترامب كان يرى فيه رجلا قابلاً للذهاب بعيداً في مغامرات ومناورات الشرق الاوسط، خصوصاً في وجه ايران. لكن ماتيس او «الكلب الشارد»، حسب ما سمّاه رفاقه في الجيش الاميركي، يريد ويسعى الى تحجيم نفوذ إيران في الشرق الاوسط، ولكنه يريد في الوقت نفسه درس الخطوات جيداً لعدم أذية مصالح بلاده، وهو الذي خبر الالغاز الخطرة لساحات القتال في الشرق الاوسط من خلال قيادته القوات الاميركية، والقدرات المؤذية التي تمتلكها ايران عبر مخالبها الموجودة والمتخفية في كل ساحة من ساحاتها.
ترامب الذي اعترف بأنّ التسوية الفلسطينية ـ الاسرائيلية هي اصعب وأعقد مما تصور، يراهن على أن ترويض ايران سيفتح الباب واسعاً امام تحقيق «صفقة العصر».
وخلال الاسابيع الماضية، نفذ ترامب احدى اهم الخطوات التمهيدية لمشروع «صفقة العصر» من خلال ضرب وكالة «الاونروا»، وهو ما يعني الاعلان صراحة للمرة الاولى عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في اماكن وجودهم. وترافق ذلك مع طرح كونفدرالية أردنية - فلسطينية تفتح الطريق امام «ترانسفير» فلسطيني في اتجاه الاردن لاحقاً وعلى مراحل، تكريساً ليهودية الدولة الاسرائيلية.
طبعاً جاء ذلك في سياق الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويبدو أنّ البيت الابيض مستمر في تحضير الخطوات المستقبلية في السياق عينه، فقريباً سيجري تعيين ديفيد ساترفيلد سفيراً لبلاده في القاهرة ولكن بصلاحيات موفد خاص، اي صلاحيات أوسع ستطاول الملف الفلسطيني.
وفيما ستسعى واشنطن الى إعلان تعيين ساترفيلد قبل انطلاق مناورات «النجم الساطع» بين الجيشين الاميركي والمصري، الّا انّ السؤال الاساسي هو لماذا الاصرار على الاستعانة بسفير أحيل على التقاعد في أيار 2009؟.
من الواضع انّ ساترفيلد عرفه لبنان مراقباً لولادة «اتفاق الطائف» من ضمن فريق ريتشارد مورفي، ومن ثم ديبلوماسياً فسفيراً معتمداً تولى مهمات كثيرة في الشرق الاوسط كمثل كبير مستشاري وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في ملف العراق، وهي التي انخرطت في مشروع «الفوضى الخلاقة» في الشرق الاوسط. وعمل أيضا مديراً لمكتب الشؤون العربية ـ الاسرائيلية ومساعدا لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى، وكذلك عمل على ملف جنوب سوريا والذي أدى الى الحل الذي رُسِم.
لكنّ اللافت انه أدّى دور الوسيط في معظم القضايا الصعبة التي تشكل اسرائيل طرفاً فيها. فهو عمل مثلاً على ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا، وهو كان يتولى ايضاً ادارة مكتب اتفاقية سيناء ومقرها روما.
وفي لبنان حسم أمر بقاء السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد حتى نهاية مدتها، وهي التي تم تعيينها في نهاية ولاية باراك اوباما. لكن الجديد هو وصول فريق ديبلوماسي جديد الى السفارة الاميركية والبدء بمهماته منذ بضعة اسابيع، وطابعه تقني واحترافي من الطراز الرفيع، كلّ في مجال اختصاصه.
وفي الاساس اعتادت واشنطن على إرسال موظفين أكفياء الى السفارة في لبنان، باستثناء حقبات معينة معظمها خلال الحرب اللبنانية. وقيل انّ بعض موظفي السفارة الجدد ملمّون بتفاصيل دقيقة عن وضع لبنان والواقع الفلسطيني والخريطة السياسية والميدانية اللبنانية.
هذا في وقت يجري التحضير لكي تعود السفارة الاميركية في لبنان، إحدى اكبر السفارات في المنطقة بعد السفارة في العراق، في مهلة تقارب الاربع سنوات وهي مهلة الانتهاء من بناء أقسام السفارة الاميركية الجديدة في عوكر.
وفي جوار لبنان، اي في الساحة السورية، تبدو ايران ماضية في تأمين حضورها وحمايته ولكن تحت الارض وبعيداً عن الرقابة الاميركية والاسرائيلية، وذلك إثر زيارة وزير الدفاع الايراني الاخيرة لدمشق حيث تم توقيع اتفاقات حول بناء مصانع لإنتاج الاسلحة، اضافة الى تعاون عسكري إيراني - سوري وثيق.
وفيما تسعى واشنطن الى إعادة تفعيل طاقمها الديبلوماسي في العالم العربي من خلال اعتماد خبراء مشهود لهم وتوزيعهم في المواقع المهمة في المنطقة، تعمل روسيا على ترسيخ المكتسبات الهائلة التي حققتها في المنطقة.
هي نفّذت مناورة واحدة كبيرة في روسيا وثانية بحرية مقابل شواطىء سوريا بهدف توجيه رسالة قوة الى واشنطن وأعضاء حلف «الناتو»، واظهرت المناورات قدرة الجيش الروسي على نقل القوات والمعدات الاساسية عبر مسافات طويلة وفي وقت زمني قصير، إضافة الى إظهار الخبرة الكبيرة التي كسبها الجيش الروسي في ساحات قتال سوريا، والاقبال الكبير على الاسلحة الروسية.
جوني منيّر - "الجمهورية" - 17 أيلول 2018
إرسال تعليق