أما وقد مر القطوع الخطر على خير وعلى الطريقة اللبنانية "لا غالب ولا مغلوب"، وتم نزع فتيل التفجير وسحب الأزمة من الشارع، وهدأت النفوس والأوضاع، بات بالإمكان المباشرة بقراءة سياسية لما جرى والخروج بالاستنتاجات التالية:
1 ـ رغم التوصل الى تطويق الأزمة التي ما تزال قائمة وستستمر بأشكال جديدة، ما جرى ألحق ضررا بالغا على مستويين: على مستوى الرأي العام اللبناني الواقع تحت الصدمة، لأن هذه الأزمة تميزت وتفوقت على الأزمات المألوفة بأنها انتقلت سريعا الى الشارع ونقلت البلد، ومن دون مقدمات، الى "مشاهد ومخاطر" من المفترض أنها أصبحت من الماضي، وعلى مستوى المجتمع الدولي المصاب بحالة ذهول ازاء تدهور مفاجئ ودراماتيكي يضرب عنصر الثقة بالاستقرار اللبناني ويظهره استقرارا هشا، وازاء تطورات غير مشجعة عشية مؤتمرات دولية مخصصة لدعم لبنان ومساعدته، هذه جولة ليس فيها رابح سياسي وفيها خاسر واحد هو لبنان، "لبنان الدولة".
2 ـ للمرة الثانية في غضون أشهر قليلة يظهر الرئيس ميشال عون قدرة فائقة على التعاطي مع أزمة دقيقة وداهمة، وعلى إدارتها بحكمة وترو ومسؤولية، ومن موقع "المتسامي والمتسامح"، هذا ما فعله إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، وهذا ما كرره في خلال الأزمة الأخيرة الحساسة التي تخصه أكثر، وهي أزمة الكلام المسرب للوزير جبران باسيل، وكان للرئيس عون منها مبادرتان: إصدار بيان "التسامح".. والاتصال بالرئيس نبيه بري.
3 ـ أظهر الرئيس نبيه بري أنه مازال قوة سياسية وشعبية ولكنها من نوع جديد. ففي ظل تبدل المعطيات وقواعد اللعبة والتسوية، أصبحت قوة بري "قوة تعطيلية" (تعطيل الحكومة والبرلمان والمؤسسات..)، بمعنى أنه إذا لم يعد قادرا على فرض ما يريد، فإنه قادر على رفض ما لا يناسبه ووقف تنفيذه، وإذا لم يعد ممسكا بناصية القرار، فإنه مازال يملك قدرة ممارسة "الفيتو" على أي قرار.. وبدا الرئيس بري في فترة الشهرين الأخيرين في حالة غير معهودة من "الانفعال والحدة والشراسة" في معركة إثبات الوجود والدفاع عن المكتسبات، وعن دور محوري قيادي مهدد بالانحسار، باستخدام كل الوسائل المتاحة، ليس منها وسيلة الاحتكام الى القضاء لأن الضعيف يفعل ذلك، وتصل الى حد بعث رسائل سياسية بـ"البريد الميداني" السريع والمضمون.
4 ـ هذه الأزمة أكسبت الرئيس سعد الحريري "دور الإطفائي والمهدئ"، وأظهرت رئاسة الحكومة بمنزلة منطقة سياسية عازلة بين رئاستي الجمهورية والمجلس، الرئيس الحريري يعيش وضعا مريحا متأرجحا بين موقع الطرف الذي يضعه فيه بري وموقع الوسيط الذي يضع نفسه فيه، ولكنه في الواقع يبدو "الحلقة الأضعف" في الحكم القائم على "مشاكل وحلول" محصورة بالرئيسين نبيه بري وميشال عون.
5 ـ الوزير جبران باسيل كان "نجم" هذه الجولة، هو مثل الرئيس بري أحرز "نقطة ثمينة" عشية الانتخابات في شد العصب الشعبي الحزبي حوله، ولكن وضعه محاصر باشتباك سياسي مفتوح وبخيوط مصالح متشابكة، ما يرفع درجة المخاطر المحيطة به ونسبة المغامرة السياسية في مشروعه. وإذا كانت هذه الأزمة أضعفته كـ "مشروع رئيس" وكادت تقضي على هذا "الحلم"، فإنها أيقظت لديه "مشروع الزعيم" وتكاد تعطيه للمرة الأولى بعد القوة السياسية التي يستمدها من الرئيس عون، قوة أو مشروعية شعبية ذاتية يستمدها من "الأرض" بعدما أخفق في أن يستمدها من "النيابة".
6 ـ حزب الله الذي نجح و"بشق النفس" في احتواء أزمة وضعته بين حليفين "صعبي المراس"، يجد نفسه أمام مراجعة سياسية شاملة يبدأها الآن وتأخذ مداها الواسع بعد الانتخابات في ظل خارطة سياسية جديدة للأحجام والتوازنات، فهذه الأزمة المتمادية فصولا منذ أسابيع، من المرسوم الى "الشريط المسرب"، كشفت عن وضع غير سليم وعن مجموعة أزمات فرعية وغير مرئية تتناول العلاقة بين التيار الوطني الحر ومستقبل الخيار الشيعي على الساحة المسيحية، والعلاقة بين "أمل" وحزب الله وإعادة ترسيم حدودها، والعلاقة بين الطائفة الشيعية والنظام اللبناني، أو بتعبير أدق نظام ودستور الطائف.
1 ـ رغم التوصل الى تطويق الأزمة التي ما تزال قائمة وستستمر بأشكال جديدة، ما جرى ألحق ضررا بالغا على مستويين: على مستوى الرأي العام اللبناني الواقع تحت الصدمة، لأن هذه الأزمة تميزت وتفوقت على الأزمات المألوفة بأنها انتقلت سريعا الى الشارع ونقلت البلد، ومن دون مقدمات، الى "مشاهد ومخاطر" من المفترض أنها أصبحت من الماضي، وعلى مستوى المجتمع الدولي المصاب بحالة ذهول ازاء تدهور مفاجئ ودراماتيكي يضرب عنصر الثقة بالاستقرار اللبناني ويظهره استقرارا هشا، وازاء تطورات غير مشجعة عشية مؤتمرات دولية مخصصة لدعم لبنان ومساعدته، هذه جولة ليس فيها رابح سياسي وفيها خاسر واحد هو لبنان، "لبنان الدولة".
2 ـ للمرة الثانية في غضون أشهر قليلة يظهر الرئيس ميشال عون قدرة فائقة على التعاطي مع أزمة دقيقة وداهمة، وعلى إدارتها بحكمة وترو ومسؤولية، ومن موقع "المتسامي والمتسامح"، هذا ما فعله إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، وهذا ما كرره في خلال الأزمة الأخيرة الحساسة التي تخصه أكثر، وهي أزمة الكلام المسرب للوزير جبران باسيل، وكان للرئيس عون منها مبادرتان: إصدار بيان "التسامح".. والاتصال بالرئيس نبيه بري.
3 ـ أظهر الرئيس نبيه بري أنه مازال قوة سياسية وشعبية ولكنها من نوع جديد. ففي ظل تبدل المعطيات وقواعد اللعبة والتسوية، أصبحت قوة بري "قوة تعطيلية" (تعطيل الحكومة والبرلمان والمؤسسات..)، بمعنى أنه إذا لم يعد قادرا على فرض ما يريد، فإنه قادر على رفض ما لا يناسبه ووقف تنفيذه، وإذا لم يعد ممسكا بناصية القرار، فإنه مازال يملك قدرة ممارسة "الفيتو" على أي قرار.. وبدا الرئيس بري في فترة الشهرين الأخيرين في حالة غير معهودة من "الانفعال والحدة والشراسة" في معركة إثبات الوجود والدفاع عن المكتسبات، وعن دور محوري قيادي مهدد بالانحسار، باستخدام كل الوسائل المتاحة، ليس منها وسيلة الاحتكام الى القضاء لأن الضعيف يفعل ذلك، وتصل الى حد بعث رسائل سياسية بـ"البريد الميداني" السريع والمضمون.
4 ـ هذه الأزمة أكسبت الرئيس سعد الحريري "دور الإطفائي والمهدئ"، وأظهرت رئاسة الحكومة بمنزلة منطقة سياسية عازلة بين رئاستي الجمهورية والمجلس، الرئيس الحريري يعيش وضعا مريحا متأرجحا بين موقع الطرف الذي يضعه فيه بري وموقع الوسيط الذي يضع نفسه فيه، ولكنه في الواقع يبدو "الحلقة الأضعف" في الحكم القائم على "مشاكل وحلول" محصورة بالرئيسين نبيه بري وميشال عون.
5 ـ الوزير جبران باسيل كان "نجم" هذه الجولة، هو مثل الرئيس بري أحرز "نقطة ثمينة" عشية الانتخابات في شد العصب الشعبي الحزبي حوله، ولكن وضعه محاصر باشتباك سياسي مفتوح وبخيوط مصالح متشابكة، ما يرفع درجة المخاطر المحيطة به ونسبة المغامرة السياسية في مشروعه. وإذا كانت هذه الأزمة أضعفته كـ "مشروع رئيس" وكادت تقضي على هذا "الحلم"، فإنها أيقظت لديه "مشروع الزعيم" وتكاد تعطيه للمرة الأولى بعد القوة السياسية التي يستمدها من الرئيس عون، قوة أو مشروعية شعبية ذاتية يستمدها من "الأرض" بعدما أخفق في أن يستمدها من "النيابة".
6 ـ حزب الله الذي نجح و"بشق النفس" في احتواء أزمة وضعته بين حليفين "صعبي المراس"، يجد نفسه أمام مراجعة سياسية شاملة يبدأها الآن وتأخذ مداها الواسع بعد الانتخابات في ظل خارطة سياسية جديدة للأحجام والتوازنات، فهذه الأزمة المتمادية فصولا منذ أسابيع، من المرسوم الى "الشريط المسرب"، كشفت عن وضع غير سليم وعن مجموعة أزمات فرعية وغير مرئية تتناول العلاقة بين التيار الوطني الحر ومستقبل الخيار الشيعي على الساحة المسيحية، والعلاقة بين "أمل" وحزب الله وإعادة ترسيم حدودها، والعلاقة بين الطائفة الشيعية والنظام اللبناني، أو بتعبير أدق نظام ودستور الطائف.
حزب الله لم يكن مرتاحا للوزير باسيل وللرئيس بري وأدائهما، فالوزير باسيل بالطريقة التي يتصرف بها يدفع عن قصد أو غير قصد باتجاه مشكلة بين حزب الله و"أمل" والإيقاع بينهما، أو على الأقل باتجاه حشر الحزب بالمفاضلة بين عون وبري، مستقويا بعلاقة الحزب مع الرئيس عون ومراهنا على حاجة الحزب الى تغطية داخلية لاستراتيجيته الإقليمية، والرئيس بري بالطريقة التي يتصرف بها يدفع عن قصد أو غير قصد باتجاه مشكلة بين حزب الله والتيار الوطني الحر ومشكلة مع الرئيس عون وصدام مسيحي ـ شيعي، الوزير باسيل كان كلامه خاطئا، والرئيس بري كان رد فعله خاطئا، والنتيجة أن الأزمة لا تتوقف عند اعتذارات متبادلة وإنما يأمل الحزب أن تنتهي الى "ضوابط" والى "ترويض مزدوج" فينزل الرئيس بري عن الشجرة التي تسلقها ويعود الى هدوئه المعهود ويعود باسيل الى جادة الواقع والصواب.
"الأنباء الكويتية" - 3 شباط 2018
إرسال تعليق