للمرّة الأولى، تنطلق أسئلة تتعلق باحتمال اهتزاز النظام في إيران، تحت ضغط الشارع. ولعلّ التغريدة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على "تويتر" هي أكثر ما دغدغَ أحلام المراهنين على تحقيق هذا الهدف، إذ قال: "لقد حانَ وقت التغيير في طهران". فهل هناك مقوّمات واقعية لـ"ربيع إيراني" دافئ في عمقِ موسم الصقيع الشرق أوسطي؟
ليس جديداً أن يقوم حراك اعتراضي في الشارع الإيراني. فإطلالات "الربيع الإيراني" (2009) كانت سابقةً لـ"الربيع العربي" (2010). يومذاك، راهنَ كثيرون على "الثورة الخضراء"، الداعمة لمير حسين موسوي، على خلفية اتهام السلطة بتزوير الانتخابات بهدف تأمين ولاية ثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد.
يومذاك، لم تكن قد مرّت على شعوب الشرق الأوسط نماذج "إسقاط" الأنظمة، على الطريقة التي جرت في تونس ومصر وسواهما. ولذلك، لم يكن المعارضون الإيرانيون يطمحون إلى إسقاط النظام هناك، بل إلى تغييرٍ من داخله. وفي أيّ حال، تمكّنَ هذا النظام من عبور الأزمة، وأدرَك كيف يتكيّف مع التحديات الخارجية والداخلية ليثبّت نفوذَه داخلياً وينطلق بقوّة خارج الحدود.
إعتمَد نظام المرشد الأعلى للثورة السيّد علي خامنئي خطةً تتضمّن مزيجاً من التصلُّب والليونة لمواجهة الخطر الداهم، والذي تمّ التعاطي معه من منطلق كونِه مدعوماً خارجياً، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة الاميركية.
ففي مرحلة أولى، تمّ قطعُ الطريق على الحراك الشعبي بالقوة، ووُضِع موسوي وآخَرون قيد الإقامة الجبرية. وفي مرحلة ثانية، تمّ إقرار ترتيبات تؤدي إلى تنفيس الاحتقان، ومنها تظهير بعض الوجوه المعتدلة، من داخل النظام.
ولذلك، بعد انتهاء ولاية أحمدي نجاد الثانية، في 2013، وصلَ الرئيس الحالي حسن روحاني، إلى الرئاسة. وهو معروف باعتداله وانفتاحه، وقد ساهمَ ذلك في امتصاص النقمة في الداخل، كما لقيَ ترحيباً واسعاً في الغرب.
وهذا المناخ سَمح لروحاني بخوض مفاوضات حول الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، في ظلّ باراك أوباما، انتهت باتفاق فيينا. وبموجبه يتمّ الإفراج عن نحو 100 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية، ويتم فكّ الحصار الاقتصادي، والنفطي خصوصاً، عن طهران. وفي هذا المناخ، تمّ التجديد لروحاني في الصيف الفائت.
كان الاتفاق انتصاراً حقيقياً لنظام إيران، لا للغربيين. فمِن خلاله، تمكَّنَت طهران من وضع أرصدةٍ ضخمة في خدمة قواها العسكرية، ولا سيّما منها الحرس الثوري و"حزب الله"، واستطاعت حسمَ المعاركِ في العراق وسوريا لمصلحتها. كذلك فرَضت نفوذها بحيث باتت تمتلك غالبية القرار في دول أخرى، ومنها اليمن ولبنان.
ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض، ينتهج الرئيس دونالد ترامب سياسةً متشدِّدة تجاه النظام الإيراني. وهو يعمل لإقناع حلفائه الغربيين والمجتمع الدولي بإلغاء الاتفاق النووي ومحاصرة طهران لمنعِها من توسيع نفوذها إلى دول شرق أوسطية أخرى. وفي الخريف الفائت أعلنَ مراجعة الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران.
لكنّ الحملة الديبلوماسية التي شنّها الرئيس الأميركي لم تنجَح. وأعلن حلفاء واشنطن الأوروبيون رفضَهم العودةَ إلى وضعية التأزّم مع طهران. لكن ترامب دشَّنَ عهده بزيارة مثمرة للخليج العربي (استثمارات قاربت الـ450 مليار دولار)، ووجَد انسجاماً في التشدّد ضد إيران لدى وليّ العهد، الرجل القوي في المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان.
تحت عنوان الخطر الإيراني، يجد الإسرائيليون فرصةً سانحة لتحصيل مكاسب أميركية أكبر، من خلال ترامب، وبوساطة صِهره جاريد كوشنر. فلا شيء أفضل لإسرائيل من لعِب ورقةِ المخاوف على أمنها، لكي تمارسَ "دلالها" على الولايات المتحدة وتحصل على ما تريد من المال والسلاح… خصوصاً عندما تكون الولايات المتحدة قد وُفِّقت مسبقاً بـ 450 مليار دولار!
ويتجنّب الإسرائيليون أن تبلغَ إيران، بصواريخها وصواريخ حلفائها، المدى الحيوي لمدنِهم. ولذلك، يقترب الإيرانيون من الحدود الإسرائيلية، في لبنان أو سوريا، فيقوم الإسرائيليون بتسديد ضرباتهم الجوّية انتقائياً في دائرةٍ تصل إلى شمال دمشق. لكنّ عدداً من الخبراء يعتقدون أنّ إسرائيل تبالغ في إظهار حجم التهديد الأمني لتبرّرَ تكبيرَ حجمِ المطالب بالمال والسلاح.
فالواضح أنّ أعداء إيران، حتى العرب وإسرائيل، يريدون وضعَ الضوابطِ لها، لكنّهم يتردّدون في شنّ حملةٍ تهدف إلى إسقاط النظام. وعبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صراحة، عن القلق من سقوط النظام الإيراني لأنه يَخشى انفلاتَ الوضع هناك.
وهذا الموقف تتبنّاه قوى دولية أيضاً. ويقول البعض إنّ قوى عربية معادية للنظام الإيراني تعتقد هي أيضاً أنّ إسقاط النظام الإيراني ليس حلاً مثالياً في هذه الظروف. ويبدو ذلك مشابهاً للموقف من نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.
إذاً، هناك اتّجاه أميركي معلن لتحقيق "تغييرٍ" ما في إيران، عبَّر عنه ترامب، ولكن لم يظهر أنّ هناك دعماً من جانب إسرائيل ولا الأوروبيين ولا الدول العربية النافذة في هذا الاتجاه. والأرجح هو السعي إلى تغيير السلوك في طهران لا تغيير النظام.
وحتى المتظاهرون في الشارع الإيراني يُبدون اعتراضاً على الفساد ويشكون ارتفاع الأسعار الناتج من استنزاف اقتصادي تعيشه إيران بسبب حروبِها في عدد من دول الشرق الأوسط. ولكن، ليس في الشارع ضغط حقيقي في اتّجاه إسقاط النظام. وفي الأيام المقبلة، ستحشد السلطة مؤيّديها للمواجهة. وقد يصطدم الشارعان، ما يبرّر نزولَ السلطة بكلّ قواها لضبطِ الأمن.
وفي تقدير عددٍ مِن المتابعين، إنّ إسقاط النظام الإيراني يبدو هدفاً بعيد التحقّق جداً في هذه المرحلة. فلا موازين القوى الداخلية تسمح به، ولا المظلة الخارجية متوافرة. واستخدام عنوان إسقاط النظام سيؤدّي بالتأكيد إلى اندلاع حرب أهلية لا تنتهي.
قد يأتي يوم تكتمل فيه الظروف لتغييرٍ ما في إيران، عندما تنضج كلّ مقوّمات التغيير، داخلياً وخارجياً. وهذه هي الحال في الكيانات العربية الغارقة في حروبها اليوم. ولكن، حتى ذلك الحين، لا يمكن لـ"الشتاء الإيراني" أن يكون أفضلَ مِن "الربيع العربي" الذي لم ينجَح في تغيير الأنظمة، بل في ترسيخها أو إعادة إنتاجها في أشكال مختلفة.
ليس جديداً أن يقوم حراك اعتراضي في الشارع الإيراني. فإطلالات "الربيع الإيراني" (2009) كانت سابقةً لـ"الربيع العربي" (2010). يومذاك، راهنَ كثيرون على "الثورة الخضراء"، الداعمة لمير حسين موسوي، على خلفية اتهام السلطة بتزوير الانتخابات بهدف تأمين ولاية ثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد.
يومذاك، لم تكن قد مرّت على شعوب الشرق الأوسط نماذج "إسقاط" الأنظمة، على الطريقة التي جرت في تونس ومصر وسواهما. ولذلك، لم يكن المعارضون الإيرانيون يطمحون إلى إسقاط النظام هناك، بل إلى تغييرٍ من داخله. وفي أيّ حال، تمكّنَ هذا النظام من عبور الأزمة، وأدرَك كيف يتكيّف مع التحديات الخارجية والداخلية ليثبّت نفوذَه داخلياً وينطلق بقوّة خارج الحدود.
إعتمَد نظام المرشد الأعلى للثورة السيّد علي خامنئي خطةً تتضمّن مزيجاً من التصلُّب والليونة لمواجهة الخطر الداهم، والذي تمّ التعاطي معه من منطلق كونِه مدعوماً خارجياً، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة الاميركية.
ففي مرحلة أولى، تمّ قطعُ الطريق على الحراك الشعبي بالقوة، ووُضِع موسوي وآخَرون قيد الإقامة الجبرية. وفي مرحلة ثانية، تمّ إقرار ترتيبات تؤدي إلى تنفيس الاحتقان، ومنها تظهير بعض الوجوه المعتدلة، من داخل النظام.
ولذلك، بعد انتهاء ولاية أحمدي نجاد الثانية، في 2013، وصلَ الرئيس الحالي حسن روحاني، إلى الرئاسة. وهو معروف باعتداله وانفتاحه، وقد ساهمَ ذلك في امتصاص النقمة في الداخل، كما لقيَ ترحيباً واسعاً في الغرب.
وهذا المناخ سَمح لروحاني بخوض مفاوضات حول الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، في ظلّ باراك أوباما، انتهت باتفاق فيينا. وبموجبه يتمّ الإفراج عن نحو 100 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية، ويتم فكّ الحصار الاقتصادي، والنفطي خصوصاً، عن طهران. وفي هذا المناخ، تمّ التجديد لروحاني في الصيف الفائت.
كان الاتفاق انتصاراً حقيقياً لنظام إيران، لا للغربيين. فمِن خلاله، تمكَّنَت طهران من وضع أرصدةٍ ضخمة في خدمة قواها العسكرية، ولا سيّما منها الحرس الثوري و"حزب الله"، واستطاعت حسمَ المعاركِ في العراق وسوريا لمصلحتها. كذلك فرَضت نفوذها بحيث باتت تمتلك غالبية القرار في دول أخرى، ومنها اليمن ولبنان.
ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض، ينتهج الرئيس دونالد ترامب سياسةً متشدِّدة تجاه النظام الإيراني. وهو يعمل لإقناع حلفائه الغربيين والمجتمع الدولي بإلغاء الاتفاق النووي ومحاصرة طهران لمنعِها من توسيع نفوذها إلى دول شرق أوسطية أخرى. وفي الخريف الفائت أعلنَ مراجعة الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران.
لكنّ الحملة الديبلوماسية التي شنّها الرئيس الأميركي لم تنجَح. وأعلن حلفاء واشنطن الأوروبيون رفضَهم العودةَ إلى وضعية التأزّم مع طهران. لكن ترامب دشَّنَ عهده بزيارة مثمرة للخليج العربي (استثمارات قاربت الـ450 مليار دولار)، ووجَد انسجاماً في التشدّد ضد إيران لدى وليّ العهد، الرجل القوي في المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان.
تحت عنوان الخطر الإيراني، يجد الإسرائيليون فرصةً سانحة لتحصيل مكاسب أميركية أكبر، من خلال ترامب، وبوساطة صِهره جاريد كوشنر. فلا شيء أفضل لإسرائيل من لعِب ورقةِ المخاوف على أمنها، لكي تمارسَ "دلالها" على الولايات المتحدة وتحصل على ما تريد من المال والسلاح… خصوصاً عندما تكون الولايات المتحدة قد وُفِّقت مسبقاً بـ 450 مليار دولار!
ويتجنّب الإسرائيليون أن تبلغَ إيران، بصواريخها وصواريخ حلفائها، المدى الحيوي لمدنِهم. ولذلك، يقترب الإيرانيون من الحدود الإسرائيلية، في لبنان أو سوريا، فيقوم الإسرائيليون بتسديد ضرباتهم الجوّية انتقائياً في دائرةٍ تصل إلى شمال دمشق. لكنّ عدداً من الخبراء يعتقدون أنّ إسرائيل تبالغ في إظهار حجم التهديد الأمني لتبرّرَ تكبيرَ حجمِ المطالب بالمال والسلاح.
فالواضح أنّ أعداء إيران، حتى العرب وإسرائيل، يريدون وضعَ الضوابطِ لها، لكنّهم يتردّدون في شنّ حملةٍ تهدف إلى إسقاط النظام. وعبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صراحة، عن القلق من سقوط النظام الإيراني لأنه يَخشى انفلاتَ الوضع هناك.
وهذا الموقف تتبنّاه قوى دولية أيضاً. ويقول البعض إنّ قوى عربية معادية للنظام الإيراني تعتقد هي أيضاً أنّ إسقاط النظام الإيراني ليس حلاً مثالياً في هذه الظروف. ويبدو ذلك مشابهاً للموقف من نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.
إذاً، هناك اتّجاه أميركي معلن لتحقيق "تغييرٍ" ما في إيران، عبَّر عنه ترامب، ولكن لم يظهر أنّ هناك دعماً من جانب إسرائيل ولا الأوروبيين ولا الدول العربية النافذة في هذا الاتجاه. والأرجح هو السعي إلى تغيير السلوك في طهران لا تغيير النظام.
وحتى المتظاهرون في الشارع الإيراني يُبدون اعتراضاً على الفساد ويشكون ارتفاع الأسعار الناتج من استنزاف اقتصادي تعيشه إيران بسبب حروبِها في عدد من دول الشرق الأوسط. ولكن، ليس في الشارع ضغط حقيقي في اتّجاه إسقاط النظام. وفي الأيام المقبلة، ستحشد السلطة مؤيّديها للمواجهة. وقد يصطدم الشارعان، ما يبرّر نزولَ السلطة بكلّ قواها لضبطِ الأمن.
وفي تقدير عددٍ مِن المتابعين، إنّ إسقاط النظام الإيراني يبدو هدفاً بعيد التحقّق جداً في هذه المرحلة. فلا موازين القوى الداخلية تسمح به، ولا المظلة الخارجية متوافرة. واستخدام عنوان إسقاط النظام سيؤدّي بالتأكيد إلى اندلاع حرب أهلية لا تنتهي.
قد يأتي يوم تكتمل فيه الظروف لتغييرٍ ما في إيران، عندما تنضج كلّ مقوّمات التغيير، داخلياً وخارجياً. وهذه هي الحال في الكيانات العربية الغارقة في حروبها اليوم. ولكن، حتى ذلك الحين، لا يمكن لـ"الشتاء الإيراني" أن يكون أفضلَ مِن "الربيع العربي" الذي لم ينجَح في تغيير الأنظمة، بل في ترسيخها أو إعادة إنتاجها في أشكال مختلفة.
طوني عيسى - "الجمهورية" - 3 كانون الثاني 2018
إرسال تعليق