بدأت ملامح خارطة الترشيحات للانتخابات النيابية في دائرة صيدا ـ جزين تتضح، مع الحراك السياسي الذي تجريه القوى والتيارات السياسية المؤثرة في عاصمة الجنوب وعروس الشلال، وان كان الجميع ما زال متريثا في الاعلان عن خياره الانتخابي، بانتظار تبلور الصورة الكاملة للمشهد السياسي وحساباته الانتخابية التي ستتسم بالحساسية المفرطة، على عكس ما يجري في دوائر انتخابية اخرى من برودة.
معظم القوى والتيارات السياسية والحزبية والعائلية المنخرطة في الانتخابات، في رأي متابعين، باتت على قاب قوسين او ادنى من حسم خياراتها النهائية بشأن التحالف الانتخابي الذي ستخوض من خلاله الانتخابات النيابية، انسجاما مع المصالح السياسية لهذا الفريق او ذاك، فـ "التيار الوطني الحر" بدا حذِرا في اعلان موقف نهائي من التحالف مع "تيار المستقبل"، حتى تنجلي الصورة الكاملة لما يمكن ان يصل اليه مع "تيار المستقبل" الطامح في الوصول الى صياغة تحالف انتخابي معه، ولو ان الشروط "العونية" قد تكون على غير ما رسمه "المستقبل" في ما خص مقعدي صيدا للطائفة السنية، نظرا لعوامل كثيرة تدخل على خط الانتخابات الصيداوية ـ الجزينية، ووجود لاعبين اساسيين في الانتخابات، من خلال الكتلة الناخبة الشيعية التي تُقدرها الاوساط المتابعة بـأكثر من 19 ألف ناخب، وتأثير "الثنائي الشيعي" الممثل بحركة "امل" و"حزب الله"، ولعل من اكثر المؤثرات السياسية حضورا في دائرة صيدا ـ جزين، الصراع الرئاسي وانعكاسه على مجمل المشهد السياسي والانتخابي، وبالتالي، فان فريقا سياسيا يتمثل بقوى حليفة لـ "الثنائي الشيعي" ملفه الانتخابي، يتحضَّر للمعركة، كل وفق حساباته السياسية.
مع تفكك معسكرَي ما كان يُسمى "قوى الثامن من آذار" و"قوى الرابع عشر من آذار"، بعد خضات سياسية وصلت الى مستوى الانقلاب في العلاقات التحالفية التي كانت قائمة، سيما بين اطراف قوى الرابع عشر من آذار، وحالة التفكك والتصدع التي اصابت اخصامها في قوى الثامن من آذار، يُخلف التحالف السياسي بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" الذي يرتسم اكثر مع الاقتراب من موعد الانتخابات النيابية، الكثير من التداعيات على مشهد التحضير للانتخابات، بالتزامن مع "جفاء" سياسي حاد بين فريق رئيس الجمهورية وتياره من جهة، وشريكه في تفاهم معراب "القوات اللبنانية" التي ما تزال تعاني من آلام "بحصة" رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري التي لم "يَبِقُّها" بعد، وسط ترقب في العلاقات بين الطرفين، على طريقة "كل واحد ناطر التاني يدق الباب"، فيما التصعيد السياسي بين حليفي "حزب الله" رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب دفع بالخيارات الانتخابية الى الحسم في اجرائها، وعدم الالتفات الى "التعديل" الذي دعا الى اجرائها الوزير باسيل، والرد الذي جاء من عين التينة، باننا لن ندخل بقانون الانتخاب الى المجلس النيابي".
كل المعطيات التي تُقرأ في بعض الصالونات السياسية، تؤكد على ان الخلاف بين الرئيسين عون وبري سيبقى على حاله، وطرح "تعديل" قانون الانتخاب في السوق السياسية الذي خلَّف وراءه غبارا لن يحجب مناخ التصعيد المرشح للاستمرار حتى حلول موعد الانتخابات، ويقول المتابعون، حتى ولو تمت تسوية "مرسوم الاقدمية"، ووصل الرئيسان عون وبري الى مرحلة "صافي يا لبن"، فان مراسيم من نوع آخر سيُتَرجُم الصراع فيها في منازلات انتخابية في غير دائرة، وان كانت دائرة صيدا ـ جزين مرشحة لان تكون ساحة رئيسة للمنازلة بين الطرفين، ليُخيِّم على المشهد الانتخابي "ثأر" المقاعد الجزينية الثلاثة (مقعدان مارونيان ومقعد كاثوليكي) التي كانت، ومنذ اول انتخابات نيابية جرت بعد اتفاق الطائف عام 1992 يوم كان قانون الانتخاب يعتمد النظام الاكثري، من حصة كتلة التحرير والتنمية التي يرأسها الرئيس بري، لتكون بعد انتخابات صفقة الدوحة عام 2009 الذي جعل من مدينة جزين دائرة انتخابية، من حصة "التيار الوطني الحر"، والرئيس بري الذي خاطب الدكتور اسامة سعد في بلدة حارة صيدا الملاصقة لمدينة صيدا، بالقول.. اتفاق الدوحة لن يعود، في اشارة الى خسارة سعد التي تسببت بها "الصفقة" التي خرجت من العاصمة القطرية قبل تسع سنوات.
الثابت في انتخابات صيدا ـ جزين، يقول المتابعون، ان "التيار الوطني الحر" سيخوض معركة المقاعد النيابية الثلاثة في "عروس الشلال"، في مراهنة على "معجزة" لن يحققها قانون النسبية والصوت التفضيلي، في مواجهة المرشح عن المقعد الماروني ابراهيم سمير عازار، شأنه شأن "تيار المستقبل" في حال قرر خوض معركة المقعدين السنيين في صيدا، في مواجهة امين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد الذي سيخوص معركة المقعد الواحد، فماذا لو اجتمع عازار وسعد في لائحة واحدة، تدعمها قوى سياسية وحزبية مؤثرة داخل "البيت الشيعي".
الثابت ايضا، ان "الثنائي الشيعي" لن يكون طرفاه، حركة "امل" و"حزب الله" في موقع المتفرج، بل سيدعمان وبقوة حلفاءهما في جزين وصيدا، ما دام ان وجهة التحالف المفترض بين التيارين "الوطني الحر" و"المستقبل"... مواجهة حلفاء "الثنائي"، ويلفت متابعون الى القول: من الصعب ان يجد "حزب الله" نفسه مضطرا لدعم مرشحي "تيار المستقبل"، في مواجهة حليفه في صيدا اسامة سعد !، كرمى لحسابات "التيار الوطني الحر"، او الطلب منه زعزعة علاقته الحيوية مع الرئيس نبيه بري وحركة "أمل" من خلال السير في اتجاهين انتخابيين متعاكسين سياسيا... في زمن "الكباش الرئاسي"، فالعلاقة بين الحزب والرئيس بري وحركة "امل" ستبقى خارج البحث، لانها مُدرجة تحت خانة "اولوية الاولويات" لدى "حزب الله".
محمود زيات - "الديار" - 14 كانون الثاني 2018
إرسال تعليق