بدأتْ "قضية القدس"، في ضوء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بها عاصمةً لاسرائيل ونقْل سفارة بلاده إليها، تُثْقِل على الواقع اللبناني الذي يبدو أمام اختبارِ مدى القدرةِ على توفيرِ تَعايُشٍ بين موجباتِ حفْظ الاستقرار الداخلي على قاعدةِ تَفاهُمِ النأي بالنفس الذي حظي بغطاءٍ دولي، وبين "موجاتِ" التحدّياتِ المتدحْرجة التي تطلّ برأسها من الوقائع الجديدة التي أفرزتْها الخطوةُ الدراماتيكية لترامب وتداعياتها المحتملة على الصراع العربي - الاسرائيلي الذي يَرْتبط به لبنان عبر "جبهته النائمة" في الجنوب.
وفيما كان قرار النأي بالنفس عن صراعات المنطقة وأزماتها وعن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية يتخذ بُعداً دولياً مع "مباركته" من مجموعة الدعم الدولية خلال اجتماعها في باريس وصولاً الى معاودة طرْح المجتمع الدولي "أصْل" المشكلة على الطاولة والمتمثّلة في سلاح "حزب الله" والدعوة الى معالجته وفق "الأرضية الأممية" التي يوفّرها القرار 1559 ومن ضمن حوار داخلي تحت عنوان "الخطة الوطنية للدفاع"، فإن ارتدادات اندفاعة ترامب في ملف القدس سرعان ما طرحتْ علامات استفهام حول "الوصْفة السحرية" لتأمين مساكنةٍ كأنها "بين الماء والنار"، في ضوء الإشارات المتراكمة البالغة السلبية التي وضعت "النأي بالنفس" أمام امتحان تفسير حدوده وعناوينه.
وتبدي أوساطٌ سياسية في هذا السياق خشيةً من استخدام خطوة ترامب ذريعة للالتفاف على "النأي بالنفس" وتكريس وقائع جديدة على صعيد المزيد من إلحاق لبنان بالمشروع الاستراتيجي لإيران، وهو ما عبّرتْ عنه في شكلٍ رئيسي زيارة زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية قيس الخزعلي الى الحدود الجنوبية لبيروت وبثّ فيديو في 8 الجاري عن الجولة، قبل أن يُعطي الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله إشارة واضحة إلى أن "محور الممانعة" الذي تقوده إيران في ساحات المنطقة سيصطفّ، بعد الانتهاء من ملف "داعش"، تحت عنوان مقاومة إسرائيل، ما يجعل ملف الحزب وسلاحه والكلام عن أدواره في ساحات المنطقة أكثر تعقيداً.
"الراي الكويتية" - 12 كانون الأول 2017
إرسال تعليق