"الربيع العربي" (الخريف عملياً) على وشك أن يستنفد نفسه في هذه المرحلة. ولكن، لا شيء يضمن أن تكون السنوات السبع العجاف التي مرّ بها العرب في "ربيعهم" مجرّد جولة أولى تليها جولات ستشغل أجيالاً عربية أو شرق أوسطية آتية. فالنار يجب أن تبقى مشتعلة، لتنضج الطبخة في هدوء.
مع نهايات 2010، بدأ الإسرائيليون يثبّتون المسار لتنفيذ خطة "يهودية الدولة". تزامناً، في تلك الفترة، بدأت تظهر ملامح "الربيع العربي". وفي 2011، أقرّ الكنيست مشروع قانون يعلن أنّ "دولة إسرائيل هي الوطن القومي لليهود".
وفي أيار 2017، ومع بلوغ "الربيع العربي" نهاياته، وظهور الخطوط الأساسية لمستقبل سوريا والعراق وسواهما من دول المنطقة، أقرّ الكنيست مشروع القانون، وهو ينص على أنّ "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي". وهو يلغي مكانة العربيةِ كلغةٍ رسمية، ويعترف بالعِبرية وحدها لغةً رسمية.
سبق الإقرار، في أيار، زيارةٌ مقرَّرة للرئيس دونالد ترامب لإسرائيل بعد أسبوعين. والرئيس الأميركي كان قد وعد في حملته الانتخابية ببذلِ جهود حقيقية لاستئناف المفاوضات في الملف الفلسطيني وبضمان أمن إسرائيل وتبنّي مطلب الاعتراف بالقدس عاصمةً لها، ونقل السفارة - المؤجّل منذ عقود - من تل أبيب إليها.
كان عهد الرئيس باراك أوباما قد انتهى بمشاعر الإحباط والخيبة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء، كما سائر حلفاء الولايات المتحدة. فإدارته سحَبت يدها تماماً من الشرق الأوسط، تاركةً الباب مفتوحاً لروسيا ودولِِ إقليمية، في مقدّمها إيران، أن توسِّع نفوذها.
يريد ترامب أن يحقّق إنجازاً في الشرق الأوسط. لذلك، هو يرغب في التفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين، وفي تقليص نفوذ إيران التي استفادت من الاتفاق النووي لفكّ الحصار عنها وللحصول على مليارات من الدولارات تستخدمها لبسطِ النفوذ. وقدّم تطميناً لتركيا، إذ عطّل الفرصة لقيام كيان كردي، وتطميناً للسعودية بدعمِه الصلب لقيادتها وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
إذاً، أعاد ترامب جمعَ المنظومة الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وثمّة توقّعات بحصول تقارُب، داخل هذه المنظومة، بين إسرائيل ودول عربية، خصوصاً إذا نجَح الأميركيون في إطلاق المفاوضات المجمَّدة حول الملفّ الفلسطيني. والأرجح أنّ السعودية ومِصر يأخذان على عاتقهما القيام بدور معيّن، خصوصاً لجهة ترتيب البيت الفلسطيني.
بعض المتابعين يقولون إنّ التوتر الذي تسبّبَ به إعلان ترامب نيتُه نقلُ السفارة الأميركية إلى القدس، بصفتها عاصمة إسرائيل، سيعطّل أيَّ جُهد لاستئناف المفاوضات. لكنّ آخرين يرون العكس. فقرار ترامب هو الحجر الذي حرَّك المياه الراكدة في المستنقع. فهو الذي سيبرّر تحريك الوساطات لاستئناف المفاوضات وبلوغ الحلّ.
يعترف الجميع بأنّ أيّ مفاوضات مقبلة ستتم في ظروف من اختلال واسع لميزان القوّة بين إسرائيل والفلسطينيين، خصوصاً في ظلّ انشغال العرب بحروبهم الأهلية وحال الانهاك الكامل التي وصَلوا إليها. ولطالما كان العرب عاجزين عن دعمِ الفلسطينيين، قبل الحروب الأهلية.
ولكن، ما هي الفصول الآتية من الخطة الإسرائيلية؟
1 - توافق إسرائيل على الفكرة الأساسية التي قامت عليها المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية في بيروت عام 2002. وتتولى المملكة ومصر ضمانَ التزام السلطة الفلسطينية بها.
والمبادرة تقول بمبدأ المقايضة: يقبل العرب السلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة والاعتراف بدولة فلسطينية، ويجري اعتبار النزاع العربي - الإسرائيلي منتهياً، ويتمّ إيجاد حلّ لملف اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194. ولكن، تريد إسرائيل إدخال تعديلات عميقة على المبادرة قبل الاعتراف بها.
2 - تقوم الدولة الفلسطينية الموعودة في غزّة لا في الضفّة. ويتمّ استئجار مساحة معيّنة من شِبه جزيرة سيناء لنقلِ فلسطينيين إليها من مناطق داخلية ومن دول أخرى. وتتمتّع هذه المنطقة بمنفذٍ بحري مفتوح على القطاع والجزء الفلسطيني من النقب، مع ممرّ آمِن إلى مناطق الحكم الذاتي. وقبل أسبوعين، كشَفت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جملئيل أنّ المكان الأفضل ليقيم الفلسطينيون فيه دولتَهم هو سيناء.
3 - يجري تثبيتُ المستوطنات ويتمّ تجاهُل الحقّ في العودة، وتتكرّس القدس عاصمةً لإسرائيل. وسبق أن طرح البعض موافقةً إسرائيلية على التحايل بتوسيعِ نطاق القدس إدارياً في اتّجاه أريحا في الضفّة الغربية، بحيث يوضع هذا الجزء ضمن سلطة الحكم الذاتي للإيحاء بأنّ القدس هي عاصمة الفلسطينيين أيضاً. لكنّ الموقف الإسرائيلي بات اليوم أكثر تصعيداً، وهو يتركّز على إبعاد الفلسطينيين تماماً إلى غزّة وسيناء.
4 - يتمّ إنشاء صندوق دولي قوامُه عشرات المليارات من الدولارات، من الدول المانحة ولا سيّما منها الدول العربية الغنية، يموّل بناء المنطقة التي سيجري نقلُ الفلسطينيين إليها. وستكون منطقةً مزدهرة جداً ومغرية اقتصادياً لجذبِ هؤلاء.
5 - الأهم هو خطة إسرائيل لتبادلِ الأراضي والسكّان التي نصَّ عليها مشروع وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان في العام 2010، عندما كان وزيراً للخارجية، وكرّر طرحه مراراً. فهو طرَح مقايضةً بين اليهود والعرب تشمل العقارات والأراضي والممتلكات والسكّان بين مناطق 1948 والمناطق الأخرى، في سياق السعي إلى تكريس إسرائيل دولةً يهودية، ما يعني عملياً طرد الفلسطينيين من أراضي 1948.
6 - تعترف الجامعة العربية بإسرائيل. والمبرّر هو اعترافُ إسرائيل بمبادرة السلام العربية.
هل يُتاح لإسرائيل تنفيذ هذه الفصول من مخططها، بما في ذلك الفصل المتعلق باجتزاء قِسم من سيناء؟
البعض يعوِّل على رفضٍ مصري وعربي يعطّل المحاولة. فيما يميل بعض المطّلعين إلى القول إنّ أجواء الرفض ستبقى "صوتية" فقط. فالعرب بارعون في "التصويت"، وترامب لم يكن ليعلنَ قرارَه الأخير لولا وجود الحدّ الأدنى من الموافقة العربية الضمنية عليه.
إذا كانت هناك موافقة عربية فعلاً، فيعني ذلك أنّ المسرحية قاربَت بلوغ نهاياتها... وإلّا فهناك فعلاً زلزالٌ جديد.
طوني عيسى - "الجمهورية" - 8 كانون الأول 2017
مع نهايات 2010، بدأ الإسرائيليون يثبّتون المسار لتنفيذ خطة "يهودية الدولة". تزامناً، في تلك الفترة، بدأت تظهر ملامح "الربيع العربي". وفي 2011، أقرّ الكنيست مشروع قانون يعلن أنّ "دولة إسرائيل هي الوطن القومي لليهود".
وفي أيار 2017، ومع بلوغ "الربيع العربي" نهاياته، وظهور الخطوط الأساسية لمستقبل سوريا والعراق وسواهما من دول المنطقة، أقرّ الكنيست مشروع القانون، وهو ينص على أنّ "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي". وهو يلغي مكانة العربيةِ كلغةٍ رسمية، ويعترف بالعِبرية وحدها لغةً رسمية.
سبق الإقرار، في أيار، زيارةٌ مقرَّرة للرئيس دونالد ترامب لإسرائيل بعد أسبوعين. والرئيس الأميركي كان قد وعد في حملته الانتخابية ببذلِ جهود حقيقية لاستئناف المفاوضات في الملف الفلسطيني وبضمان أمن إسرائيل وتبنّي مطلب الاعتراف بالقدس عاصمةً لها، ونقل السفارة - المؤجّل منذ عقود - من تل أبيب إليها.
كان عهد الرئيس باراك أوباما قد انتهى بمشاعر الإحباط والخيبة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء، كما سائر حلفاء الولايات المتحدة. فإدارته سحَبت يدها تماماً من الشرق الأوسط، تاركةً الباب مفتوحاً لروسيا ودولِِ إقليمية، في مقدّمها إيران، أن توسِّع نفوذها.
يريد ترامب أن يحقّق إنجازاً في الشرق الأوسط. لذلك، هو يرغب في التفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين، وفي تقليص نفوذ إيران التي استفادت من الاتفاق النووي لفكّ الحصار عنها وللحصول على مليارات من الدولارات تستخدمها لبسطِ النفوذ. وقدّم تطميناً لتركيا، إذ عطّل الفرصة لقيام كيان كردي، وتطميناً للسعودية بدعمِه الصلب لقيادتها وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
إذاً، أعاد ترامب جمعَ المنظومة الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وثمّة توقّعات بحصول تقارُب، داخل هذه المنظومة، بين إسرائيل ودول عربية، خصوصاً إذا نجَح الأميركيون في إطلاق المفاوضات المجمَّدة حول الملفّ الفلسطيني. والأرجح أنّ السعودية ومِصر يأخذان على عاتقهما القيام بدور معيّن، خصوصاً لجهة ترتيب البيت الفلسطيني.
بعض المتابعين يقولون إنّ التوتر الذي تسبّبَ به إعلان ترامب نيتُه نقلُ السفارة الأميركية إلى القدس، بصفتها عاصمة إسرائيل، سيعطّل أيَّ جُهد لاستئناف المفاوضات. لكنّ آخرين يرون العكس. فقرار ترامب هو الحجر الذي حرَّك المياه الراكدة في المستنقع. فهو الذي سيبرّر تحريك الوساطات لاستئناف المفاوضات وبلوغ الحلّ.
يعترف الجميع بأنّ أيّ مفاوضات مقبلة ستتم في ظروف من اختلال واسع لميزان القوّة بين إسرائيل والفلسطينيين، خصوصاً في ظلّ انشغال العرب بحروبهم الأهلية وحال الانهاك الكامل التي وصَلوا إليها. ولطالما كان العرب عاجزين عن دعمِ الفلسطينيين، قبل الحروب الأهلية.
ولكن، ما هي الفصول الآتية من الخطة الإسرائيلية؟
1 - توافق إسرائيل على الفكرة الأساسية التي قامت عليها المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية في بيروت عام 2002. وتتولى المملكة ومصر ضمانَ التزام السلطة الفلسطينية بها.
والمبادرة تقول بمبدأ المقايضة: يقبل العرب السلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة والاعتراف بدولة فلسطينية، ويجري اعتبار النزاع العربي - الإسرائيلي منتهياً، ويتمّ إيجاد حلّ لملف اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194. ولكن، تريد إسرائيل إدخال تعديلات عميقة على المبادرة قبل الاعتراف بها.
2 - تقوم الدولة الفلسطينية الموعودة في غزّة لا في الضفّة. ويتمّ استئجار مساحة معيّنة من شِبه جزيرة سيناء لنقلِ فلسطينيين إليها من مناطق داخلية ومن دول أخرى. وتتمتّع هذه المنطقة بمنفذٍ بحري مفتوح على القطاع والجزء الفلسطيني من النقب، مع ممرّ آمِن إلى مناطق الحكم الذاتي. وقبل أسبوعين، كشَفت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جملئيل أنّ المكان الأفضل ليقيم الفلسطينيون فيه دولتَهم هو سيناء.
3 - يجري تثبيتُ المستوطنات ويتمّ تجاهُل الحقّ في العودة، وتتكرّس القدس عاصمةً لإسرائيل. وسبق أن طرح البعض موافقةً إسرائيلية على التحايل بتوسيعِ نطاق القدس إدارياً في اتّجاه أريحا في الضفّة الغربية، بحيث يوضع هذا الجزء ضمن سلطة الحكم الذاتي للإيحاء بأنّ القدس هي عاصمة الفلسطينيين أيضاً. لكنّ الموقف الإسرائيلي بات اليوم أكثر تصعيداً، وهو يتركّز على إبعاد الفلسطينيين تماماً إلى غزّة وسيناء.
4 - يتمّ إنشاء صندوق دولي قوامُه عشرات المليارات من الدولارات، من الدول المانحة ولا سيّما منها الدول العربية الغنية، يموّل بناء المنطقة التي سيجري نقلُ الفلسطينيين إليها. وستكون منطقةً مزدهرة جداً ومغرية اقتصادياً لجذبِ هؤلاء.
5 - الأهم هو خطة إسرائيل لتبادلِ الأراضي والسكّان التي نصَّ عليها مشروع وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان في العام 2010، عندما كان وزيراً للخارجية، وكرّر طرحه مراراً. فهو طرَح مقايضةً بين اليهود والعرب تشمل العقارات والأراضي والممتلكات والسكّان بين مناطق 1948 والمناطق الأخرى، في سياق السعي إلى تكريس إسرائيل دولةً يهودية، ما يعني عملياً طرد الفلسطينيين من أراضي 1948.
6 - تعترف الجامعة العربية بإسرائيل. والمبرّر هو اعترافُ إسرائيل بمبادرة السلام العربية.
هل يُتاح لإسرائيل تنفيذ هذه الفصول من مخططها، بما في ذلك الفصل المتعلق باجتزاء قِسم من سيناء؟
البعض يعوِّل على رفضٍ مصري وعربي يعطّل المحاولة. فيما يميل بعض المطّلعين إلى القول إنّ أجواء الرفض ستبقى "صوتية" فقط. فالعرب بارعون في "التصويت"، وترامب لم يكن ليعلنَ قرارَه الأخير لولا وجود الحدّ الأدنى من الموافقة العربية الضمنية عليه.
إذا كانت هناك موافقة عربية فعلاً، فيعني ذلك أنّ المسرحية قاربَت بلوغ نهاياتها... وإلّا فهناك فعلاً زلزالٌ جديد.
طوني عيسى - "الجمهورية" - 8 كانون الأول 2017
إرسال تعليق