لا تزال الأزمةُ السياسية التي ضربت لبنانَ بعد إعلان الرئيس سعد الحريري إستقالتَه من الرياض، من ثمّ العودة عنها، محطَّ إهتمام اللبنانيين والعالم، في حين تراجعت ملفاتٌ حياتية وبُنيوية الى الخلف على رغم الأثر السلبي الذي تتركه على الصعيدَين الإجتماعي والإقتصادي وحتّى السياسي والأمني.
يتفرّغ أهلُ السياسة والحكم لصوْغ تسوياتٍ جديدة تُخرج البلاد من المأزق الذي دخلته بفعل بعض تصرّفاتهم اللامسؤولة وتدخّلاتهم في شؤون غيرهم، في وقتٍ يجدهم الشعبُ عاجزين عن حلّ أبسط المشكلات الداخلية، فكيف الحال بالنسبة الى الأزماتِ الكبرى؟
ويمرّ الوقت، وما زال لبنانُ يرزح تحت وطأة "كارثة" النزوح السوري التي تعاملت معها الحكوماتُ المتعاقبة بخفّةٍ لا مثيلَ لها، ما جعل أعدادَهم تقارب نصفَ عدد الشعب اللبناني بلا أفقٍ للحل. وبعدما بات نحو 90 في المئة من الأراضي السورية شبهَ آمن، يتحدّث بعض المسؤولين عن أنّ أعداد السوريين بدأت تتقلّص.
لكنّ الحقيقة مجافيةٌ لكلام هؤلاء المسؤولين، إذ تؤكد مصادر أمنية وأخرى عاملة في ملف النازحين، لـ"الجمهورية"، أنّ حركة المغادرة ناشطة على المعابر الشرعية خصوصاً في المصنع والعبدة، لكنّ معظم المغادرين ليسوا من النازحين.
وتكشف المصادر أنّ المغادرين السوريين في غالبيتهم الساحقة هم من العمال الموسميّين، وهؤلاء كانوا موجودوين بكثرة في لبنان منذ ما قبل إندلاع الأزمة السورية، ويملكون إقاماتٍ شرعيّة، ويغادرون في فصل الشتاء بعد توقّف العمل في ورش الباطون وإنتهاء المواسم الزراعية خصوصاً في البقاع والشمال والمناطق الجبلية. أما النازحون، فلم تُسجّل أيُّ حركة عبور لافتة لهم، فهم يعودون الى بلادهم على شكل قوافل كما يحدث في عرسال، وذلك بعد إتمامِ المصالحات، وليس بشكلٍ فردي.
وتؤكّد الوزارات المعنيّة بهذا الملف أنّ الضغطَ على الخدمات الأساسية سيزداد في فصل الشتاء، وخصوصاً على الكهرباء، كما أنّ الطلب على الوقود سيرتفع، ويترافق هذا الأمرُ مع وضعٍ إقتصاديّ صعب تمرّ فيه البلاد، فالمؤسساتُ غيرُ قادرة على تلبية إحتياجات شعبها فكيف الحال بالنسبة الى مليونَي نازح؟
وعلى رغم أنّ هذه الأمور كانت مؤمّنة في السنوات الماضية، إلّا أنّ السببَ في العجز الحالي هو أنّ الوضعَ الإقتصادي تردّى منذ 6 سنوات، وما كان لبنان قادراً على تقديمه حينها، بات عاجزاً عنه اليوم.
هذا في الشق التقني- الإقتصادي، أما سياسياً، فإنّ المهمّة باتت أصعب، خصوصاً أنّ طريق عودة النازحين معروفة، إما بإبرام مصالحات بينهم وبين النظام السوري عبر وسطاء، وذلك من أجل تأمين عودةٍ آمنة لهم وإعفائهم من الإنتقام والملاحقات، أو عبر المجتمع الدولي. بالنسبة الى الشقّ الأول، تؤكّد مصادرُ وزارية لـ"الجمهورية" أنّ أيَّ حوارٍ مباشر بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري بات صعباً اليوم وشبهَ مستحيل بعد إبرام التسوية السياسية الثانية وإلتزام سياسة "النأي بالنفس"، وأيُّ خطوة نحو الإنفتاح على النظام، حتى من قبل وزراء "8 آذار" سترتدّ سلباً على الواقع اللبناني الهشّ أصلاً، وهذا الأمر لن يقدِم عليه أحد، وبالتالي بات هذا البابُ شبهَ مغلق، لأنّ لقاء وزيرَ الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم كان من أحد الأسباب التي فجّرت الأزمة الأخيرة.
أما بالنسبة الى الرهان على المجتمع الدولي، فإنّ المؤشرات تدل على أنه لن يحرِّكَ ساكناً في هذا الاتّجاه، إذ إنّ كل ما يريده هو ضمانُ إستقرار لبنان، أما العودة فيريدها طوعيّةً ما يعني توطيناً مبطّناً، فيما المساعداتُ الإقتصادية التي يقدّمها الى لبنان لا تكفي لإيواء النازحين، كما أنّ الحكومة لم تتقدّم بخطوة الى الأمام لمخاطبة المجتمع الدولي وعرض الكارثة، خصوصاً بعد تكريس مناطق خفض التوتّر في سوريا، إذ إنّ المجتمع الدولي مهتمّ بمصالحه ولا تهمّه مصلحة الشعوب التي تعاني الأزمات.
تعجز السلطةُ السياسية عن مواجهة أخطر الأزمات التي تضرب الكيانَ اللبناني، وبعد مرور الأزمة السياسية ستتلهّى القوى الحاكمة بالانتخابات النيابية وتغضّ النظرَ عن أزمة النزوح، فكل الأوراق والكلام عن حلٍّ هو تنظيري، ولم يُطبَّق منه شيء على أرض الواقع، بينما خروجُ هذا الملف من باب الإستغلال الداخلي بعد التسوية الأخيرة يجب أن يكون عاملاً مسهّلاً لحلّه، وليس التلطّي خلف النأي بالنفس لترك الأزمة تتفاعل ربما في وقت قريب بشكل سيّئ يضرب الإستقرارَ الأمني والسياسي، ويفجّر أزمةً اقْتصاديةً وانْهياراً لا يستطيع أحدٌ الخروج منه.
يتفرّغ أهلُ السياسة والحكم لصوْغ تسوياتٍ جديدة تُخرج البلاد من المأزق الذي دخلته بفعل بعض تصرّفاتهم اللامسؤولة وتدخّلاتهم في شؤون غيرهم، في وقتٍ يجدهم الشعبُ عاجزين عن حلّ أبسط المشكلات الداخلية، فكيف الحال بالنسبة الى الأزماتِ الكبرى؟
ويمرّ الوقت، وما زال لبنانُ يرزح تحت وطأة "كارثة" النزوح السوري التي تعاملت معها الحكوماتُ المتعاقبة بخفّةٍ لا مثيلَ لها، ما جعل أعدادَهم تقارب نصفَ عدد الشعب اللبناني بلا أفقٍ للحل. وبعدما بات نحو 90 في المئة من الأراضي السورية شبهَ آمن، يتحدّث بعض المسؤولين عن أنّ أعداد السوريين بدأت تتقلّص.
لكنّ الحقيقة مجافيةٌ لكلام هؤلاء المسؤولين، إذ تؤكد مصادر أمنية وأخرى عاملة في ملف النازحين، لـ"الجمهورية"، أنّ حركة المغادرة ناشطة على المعابر الشرعية خصوصاً في المصنع والعبدة، لكنّ معظم المغادرين ليسوا من النازحين.
وتكشف المصادر أنّ المغادرين السوريين في غالبيتهم الساحقة هم من العمال الموسميّين، وهؤلاء كانوا موجودوين بكثرة في لبنان منذ ما قبل إندلاع الأزمة السورية، ويملكون إقاماتٍ شرعيّة، ويغادرون في فصل الشتاء بعد توقّف العمل في ورش الباطون وإنتهاء المواسم الزراعية خصوصاً في البقاع والشمال والمناطق الجبلية. أما النازحون، فلم تُسجّل أيُّ حركة عبور لافتة لهم، فهم يعودون الى بلادهم على شكل قوافل كما يحدث في عرسال، وذلك بعد إتمامِ المصالحات، وليس بشكلٍ فردي.
وتؤكّد الوزارات المعنيّة بهذا الملف أنّ الضغطَ على الخدمات الأساسية سيزداد في فصل الشتاء، وخصوصاً على الكهرباء، كما أنّ الطلب على الوقود سيرتفع، ويترافق هذا الأمرُ مع وضعٍ إقتصاديّ صعب تمرّ فيه البلاد، فالمؤسساتُ غيرُ قادرة على تلبية إحتياجات شعبها فكيف الحال بالنسبة الى مليونَي نازح؟
وعلى رغم أنّ هذه الأمور كانت مؤمّنة في السنوات الماضية، إلّا أنّ السببَ في العجز الحالي هو أنّ الوضعَ الإقتصادي تردّى منذ 6 سنوات، وما كان لبنان قادراً على تقديمه حينها، بات عاجزاً عنه اليوم.
هذا في الشق التقني- الإقتصادي، أما سياسياً، فإنّ المهمّة باتت أصعب، خصوصاً أنّ طريق عودة النازحين معروفة، إما بإبرام مصالحات بينهم وبين النظام السوري عبر وسطاء، وذلك من أجل تأمين عودةٍ آمنة لهم وإعفائهم من الإنتقام والملاحقات، أو عبر المجتمع الدولي. بالنسبة الى الشقّ الأول، تؤكّد مصادرُ وزارية لـ"الجمهورية" أنّ أيَّ حوارٍ مباشر بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري بات صعباً اليوم وشبهَ مستحيل بعد إبرام التسوية السياسية الثانية وإلتزام سياسة "النأي بالنفس"، وأيُّ خطوة نحو الإنفتاح على النظام، حتى من قبل وزراء "8 آذار" سترتدّ سلباً على الواقع اللبناني الهشّ أصلاً، وهذا الأمر لن يقدِم عليه أحد، وبالتالي بات هذا البابُ شبهَ مغلق، لأنّ لقاء وزيرَ الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم كان من أحد الأسباب التي فجّرت الأزمة الأخيرة.
أما بالنسبة الى الرهان على المجتمع الدولي، فإنّ المؤشرات تدل على أنه لن يحرِّكَ ساكناً في هذا الاتّجاه، إذ إنّ كل ما يريده هو ضمانُ إستقرار لبنان، أما العودة فيريدها طوعيّةً ما يعني توطيناً مبطّناً، فيما المساعداتُ الإقتصادية التي يقدّمها الى لبنان لا تكفي لإيواء النازحين، كما أنّ الحكومة لم تتقدّم بخطوة الى الأمام لمخاطبة المجتمع الدولي وعرض الكارثة، خصوصاً بعد تكريس مناطق خفض التوتّر في سوريا، إذ إنّ المجتمع الدولي مهتمّ بمصالحه ولا تهمّه مصلحة الشعوب التي تعاني الأزمات.
تعجز السلطةُ السياسية عن مواجهة أخطر الأزمات التي تضرب الكيانَ اللبناني، وبعد مرور الأزمة السياسية ستتلهّى القوى الحاكمة بالانتخابات النيابية وتغضّ النظرَ عن أزمة النزوح، فكل الأوراق والكلام عن حلٍّ هو تنظيري، ولم يُطبَّق منه شيء على أرض الواقع، بينما خروجُ هذا الملف من باب الإستغلال الداخلي بعد التسوية الأخيرة يجب أن يكون عاملاً مسهّلاً لحلّه، وليس التلطّي خلف النأي بالنفس لترك الأزمة تتفاعل ربما في وقت قريب بشكل سيّئ يضرب الإستقرارَ الأمني والسياسي، ويفجّر أزمةً اقْتصاديةً وانْهياراً لا يستطيع أحدٌ الخروج منه.
ألان سركيس - "الجمهورية" - 7 كانون الأول 2017
إرسال تعليق