لأن الموارنة هم الأكبر عدداً عند المسيحيين، كان طبيعياً ان يكون رؤساء الاحزاب ذات الطابع المسيحي، من الموارنة وليس من اي مذهب مسيحي آخر منذ تأسيس لبنان الكبير، ويمكن في هذا المجال الاشارة الى حزب الكتلة الوطنية، والحزب الدستوري وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الاحرار، وتيار المردة، والقوات اللبنانية، وأخيراً التيار الوطني الحر.
بعض هذه الاحزاب، تلاشى وجودها او انعدم، مثل الحزب الدستوري، وضعف وجوده الشعبي كثيراً مثل حزب الكتلة الوطنية، وتراجعت شعبيته مثل حزب الوطنيين الاحرار، والسبب في ذلك عند الاحزاب الثلاثة، كان غياب الرئىس المؤسس، ومن حافظ على وجوده بعد رحيل المؤسس كان تيار المردة، ومن يجهد لاعادة حزبه الى الدرجة الاولى في الاحزاب هو النائب دوري شمعون.
على الرغم من ان هذه الاحزاب السبعة كانت منفتحة على بقية الطوائف والمذاهب وانضم الى صفوفها العديد من المناصرين غير المسيحيين وغير الموارنة، الا ان الكتلة المارونية كانت دائماً هي الطاغية في هذه الاحزاب ذات الطابع الوطني المسيحي.
هذه النبذة القصيرة والمختصرة عن الاحزاب «المسيحية»، وبعودة الى التاريخ القديم والمتوسط والحديث، يظهر بوضوح ان التعاون والتقارب بين هذه الاحزاب «المارونية» كانا الاستثناء، وان التنافس والتنازع كانا القاعدة حتى في عهد الرئىس فؤاد شهاب و«نهجه» الذي لم يرتق الى مستوى الحزب، ولذلك يصحّ القول ان «التراجيديا المارونية» رافقت وترافق الاحزاب المارونية منذ ما قبل الاستقلال حتى ايامنا هذه.
كان لا بدّ من هذه المقدمة، للاضاءة على ما يحصل اليوم وفي الامس البعيد من نزاعات وتوترات بين الاحزاب الاربعة الكبيرة، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، الكتائب، وتيار المردة، بحيث يصحّ القول ان بين هؤلاء «ما صنع الحداد» على الرغم من ان جميعهم موارنة، وجميعهم ابناء كنيسة واحدة، وجميعهم يجهرون بلبنانيتهم الصافية حتى ولو اختلفوا في السياسة، لكنهم حتى الآن لم يهتدوا الى طريق التفاهم.
في فترة صعبة ومصيرية في تاريخ لبنان، كانت الجبهة اللبنانية تضم تحت جناحيها، تيار المردة وحزب الكتائب والوطنيين الاحرار والقوات اللبنانية، الجناح العسكري للكتائب والوطنيين الاحرار، وكان الشيطان عضواً غير منظور في الجبهة، وحصل ما لا يتمناه كل مسيحي وكل ماروني وكل لبناني حقيقي، وعلى الرغم من محاولات الاستقواء على الشيطان، لم تصل بعد العلاقة بين المردة والقوات والكتائب الى مستوى «صافي يا لبن» وما بين القوات والكتائب التي يفترض ان تكون العلاقة بين الحزبين، مثل جذور الشجرة وغصونها، لكنها مع الأسف محزنة وغير منطقية ولا يلزم الكثير من الجهد لتصحيحها سوى توّفر النيّة الحسنة.
المشكلة الكبيرة، هي تدهور العلاقة بين حزبي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، وبالطبع يتحمّل مسؤولية هذا التدهور طرف من الاثنين لم يأخذ في الاعتبار شعار «اوعى خيّك»، وانا لن ادخل في لعبة تحميل المسؤولية لطرف معيّن، واترك هذا الأمر للرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، وهو اصبح على دراية تامة باسباب الخلاف بين الحزبين، ومن هو الطرف الذي لم يلتزم بنصّ وروحية تفاهم معراب الذي حاز على تأييد 85 بالمئة من المسيحيين، لكن المطلوب التوقف فوراً عن الرشق بالتهم من قبل التيار الوطني الحر، والردود القاسية من القوات اللبنانية، وترتيب لقاء على ارفع مستوى بين الحزبين قبل الوصول الى كسر الجرّة كما يتمنى المتضررون من تفاهم معراب، ولا بأس لو تدخل الرئىس ميشال عون لتقريب وجهات النظر، بل ان تدخله مطلوب ومرغوب للحؤول دون وصول الساحة المسيحية الى مزيد من حالات التراجيديا الموروثة من الآباء والجدود.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 10 كانون الأول 2017
إرسال تعليق