يومٌ «من العمر» عاشَه أهل فاريّا خصوصاً، واللبنانيون عموماً، بعد انتظارٍ استلزَم سنةً لكي يبصرَ أضخمُ تمثال للقدّيس شربل النور. منذ الخامسة والنصف فجر أمس واكبَ محِبّو مارشربل عملية نقلِ التمثال من مكان تصنيعِه في جونيه، بمواكب سيّارة، أو عبر شاشات التلفزة أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي نَقلت مباشرةً الحدث، أمّا الغالبية ففضّلت استقبالَ التمثال على جانبَي الطريق لدى مروره، برَشّ الورد وإطلاق المفرقعات النارية وصولاً إلى محطتِه الأخيرة في فاريّا.
«أرجوك أبعِد السكّين عن ابنتي». قالتها الوالدة وعيناها تتوسّلان إلى القديس شربل أعجوبةً، بعدما قصَدت ضريحَه من الأردن إلى عنّايا.
لعائلة حتّر الأردنية ابنةٌ تبلغ من العمر 8 سنوات ونصف السنة، تَبيَّن أنّها تُعاني مشكلةً صحية، عضلات الفخذ غير مغروزة في الورك إنّما خارجه.
بعدما عرَضت الأم ابنتَها على مجموعة من الأطبّاء، وبحسب الفحوص الطبّية والصور الشعاعية، أجمعوا على ضرورة إجراء عملية جراحية دقيقة للطفلة، وقد تحتاج فيها إلى تركيب قضبان فضّة.
رغم تحديد موعد للعملية، زارت العائلة لبنان وتضرّعَت للقدّيس شربل ليرأفَ بوضع الطفلة الصحّي. ومع اقتراب موعد العملية، تمنَّت الوالدة على الطبيب أن يُعيد تصوير ابنتِها، وهنا كانت الدهشة الكبرى، فلدى مقارنةِ الصوَر الماضية بالحديثة، تبيّنَ أنّ الابنة لم تعُد بحاجة إلى أيّ عملية، وما مِن مشكلة في الورك. عادت مجدّداً تلك العائلة إلى لبنان ومعها التقارير الطبّية لتُدوّن هذه الأعجوبة في السجلّ الذهبي للقديس شربل في عنّايا.
14 أعجوبة في شهر
«صاروا 14 أعجوبة». يقول القيّم في دير مار مارون عنّايا، والمسؤول عن تسجيل شفاءات ومعجزات القدّيس شربل الأب لويس مطر والاعتزازُ يَغمر صوتَه، موضحاً لـ«الجمهورية»: «تمّ تدوينُ 14 عملية شفاء منذ 16 تمّوز حتى 16 آب، ما يؤكّد أنّ القديس شربل علامة طيّبة يَشفع بزوّاره من شتّى أنحاء العالم». ويضيف: «تَجمع علاقةٌ مميّزة بين القدّيس شربل والبشر، له جاذبية رهيبة في جمعِنا على اختلاف طوائفنا ومذاهبنا، وهو لم يُقصّر يوماً مع مَن طلبَ شفاعته».
منذ لحظةِ تبَلوُرِ فكرةِ إنشاء أضخمِ تمثال للقدّيس شربل في فاريا، ومصارحته بها، غمرَت الغبطة قلبَ الأب مطر، معتبراً «أنّ رفعَ التمثال بمثابة شُعاع روحيّ للمنطقة، ومحجٌّ لجميع مُحبّي مارشربل». ويضيف: «هو علامة استفهام على طرقات حياتنا، يقودنا إلى طريق الملكوت لكي لا نغرَق في ضجيج العالم ومشكلاته».
من أين الفكرة؟
مِن حارة صخر مروراً بمستديرة طبَرجا ثمّ أوتوستراد جونيه - بيروت، صعوداً نحو يسوع الملك وبلدات وسط كسروان وصولاً إلى جبل الصليب في فاريّا، رافقَت عمليةَ نقلِ التمثال تدابيرُ سيرٍ اتّخَذتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وتدابير احترازية على طول الطريق خصوصاً تلك الضيّقة. وفي هذا الإطار يتحدّث رئيس بلدية فاريّا ميشال سلامة لـ«الجمهورية» عن مصدر الفكرة، قائلاً: «ولِد المشروع منذ نحو سنة، إقترَح أحد زملائي في البلدية والمتعبّدين للقدّيس شربل الفكرة، فتبنَّتها البلدية وقمنا بالخطوات اللازمة لتطبيقها في أسرع وقتٍ ممكن».
ويضيف: «تمَّ اليوم (أمس) نقلُ التمثال من مكانِ صناعته في حارة صخر - جونيه إلى جبل الصليب في فاريّا، وقد يستلزم تركيبُه نحو 3 أيام، على أن يتمّ الاحتفال الرسمي يوم عيد الصليب في 14 أيلول»، مؤكّداً أنّ أيّ زائر سيتمكّن من الوصول إليه، «منطقتُنا مفتوحة للجميع، وعلى استعداد لاستقبال المؤمنين على مدار السنة».
الأضخم عالميّاً!
إستلزَم تنفيذ التمثال نحو سنة من العمل المتواصل والجهد، بإشراف النحّات اللبناني العالمي نايف علوان الذي يتحدّث لـ«الجمهورية» عن كواليس المهمّة التي أوكِلت إليه. فيقول: «التمثال هو الأضخم عالمياً، هو بحجم مبنى سَكني مكوَّن من 8 طوابق، يبلغ طوله 23 متراً، عرضُه 9 أمتار، يَزن نحو 40 طنّاً، مصنوع من مادة الفيبرغلاس (fiberglass)».
ويضيف: «تمّ نحتُه في مشغلي الخاص في منطقة أيطو، وشركة بيروت الدولية للصناعة البحرية والتجارة في جونيه نفّذت العمل، وقد استغرق نحو سنة. بدايةً تمّ تصميم العمل على الأرض من باطون وحديد، ليكون المجسّم على نحو سليم في أدقّ تفاصيله، وجُمع قالبُ السكبِ بدقّة متناهية بشكل يستوعب المواصفات الضخمة».
أمّا بالنسبة إلى فريق العمل، فيقول: «في مشغلي ضمَّ الفريق نحو 20 شخصاً في النحت، وفي شركة بيروت الدولية نحو 50 شخصاً، وقد جرى العمل بشكل متواصل ضمن دوامين».
ونظراً إلى أنّ فاريا ستحتضن تمثالَ القدّيس شربل، تمّت دراسة الظروف المناخية التي تعيشها المنطقة على مدار السنة، ويوضح علوان: «لا شكّ في أنّنا، ونحن نصنع التمثال، راعَينا الظروفَ المناخية والعواملَ الطبيعية التي تشهدها المنطقة على ارتفاع نحو ألفَي متر، ودرَسنا خصوصاً سماكة الثلج، وسرعة الرياح التي قد تصل إلى 160 و170 كلم/س».
أمّا بالنسبة إلى عمر التمثال، فيقول: «بهذه التقنية العالية التي استُخدمت، نُقدّر العمرَ الافتراضيّ نحو 400 سنة، ولن يحتاج قبلها إلى أيّ عملية صيانة». وهنا يثني علوان على المهارات العالية العالمية التي لا يتوانى لبنان في إظهارها للعالم: «وطنُنا واعد جداً في مجال تصنيع التماثيل بمستوى هذه الضخامة والمواصفات العالمية».
ختاماً تبقى العيون شاخصةً إلى 14 أيلول موعد الاحتفال الرسمي لوضعِ التمثال، فيما قلوب اللبنانيين تترجّى ألفَ أمنيةٍ من القدّيس شربل: «مِن عجايبَك لا تِحرمنا، خِدنا بحِضنك غمرنا».
ناتالي اقليموس - "الجمهورية" - 21 آب 2017
إرسال تعليق