0
عبد الرحمن النميري، الانتحاري الثالث الذي أنتجته البيسارية في غضون أربع سنوات. البلدة الحاضنة «أشكال وألوان» من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، تستبعد أن يكون الثالث ثابتاً في ظل استمرار تواري عدد من الشبان منذ بداية الأزمة السورية. الثلاثة انتحروا، لكنهم فجّروا خلفهم تساؤلات عدة عن سبب اقتناعهم بالفكر التكفيري وهم أبناء عائلات متنوعة ومندمجة.
ظهر الأحد الفائت، كان دور عبد الرحمن النميري ليكون الانتحاري الثالث من البيسارية ومحيطها (قضاء الزهراني). كاد يفجر نفسه بجنود الجيش اللبناني أثناء المعركة ضد «داعش» في جرود رأس بعلبك. بحسب بيان الجيش، فإن «وحدة من الجيش فجّرت على طريق وادي حورتة ومراح الدوار سيارة ودراجة نارية مفخختين تقلان انتحاريين، كانوا يحاولون استهداف عناصر من الجيش». في اليوم التالي، تم تناقل مقطع فيديو لأحد الانتحاريين يتلو وصيته إلى أولاده وزوجته وأهله.
النميري الذي كان قد توارى عن الأنظار وانقطعت أخباره منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يستطع تفجير الجنود، لكنه فجّر صدمة في ضيعة العرب (حي منقسم بين البيسارية والصرفند) التي ينتمي إليها، ومحيطها. طوال الفترة الماضية، ساد الظن أن الشاب الثلاثيني الذي التحق بـ«جبهة النصرة»، وانتقل إلى سوريا، ربما قتل. اكتشاف أنه كان لا يزال حياً ويسكن في مغاور الجرود اللبنانية حرّك النار الخامدة في بعض النفوس في المنطقة التي خرج منها انتحاريان ينتميان إلى «النصرة»، أوّلهما ابن الحي الفلسطيني في البيسارية عدنان المحمد (فجّر نفسه أمام السفارة الإيرانية في بئر حسن عام 2013) والثاني هو ابن حي يارين الجديدة في خراج البلدة (فجّر نفسه أمام المستشارية الإيرانية في بئر حسن عام 2014). حينها، وصلت ردود الفعل إلى إحراق منازل وسيارات وقطع طرق. بالنسبة إلى النميري، ردّ الفعل الأول سجّل ليل الإثنين، حين بادر شبان من الصرفند إلى إشعال إطارات أمام منزل عائلته، احتجاجاً، فيما انتشرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي صبّت غضبها على عائلته وضيعة العرب. بهدف تطويق ردود الفعل، زار رئيس بلدية الصرفند علي خليفة، يرافقه قياديون من حركة أمل، ضيعة العرب والتقى فاعليات عشيرة آل النميري الذين أصدروا بياناً تبرّأوا فيه من «الإرهابي الذي قضى خلال محاولته استهداف جنود الجيش اللبناني الباسل»، واعتبروا أن «ما أقدم عليه عمل مدان وجبان وﻻ يمت للثوابت والقيم التي نتمسك بها».

لا تحتاج ضيعة العرب إلى تقديم كشف حساب عن وطنيتها وانفتاحها. إمام المسجد الشيخ محمد الموعد معروف بمواقفه المؤيدة لحزب الله، والتي يطلقها في خطب الجمعة. كثر من أبناء القرية يتمسكون بانتمائهم إلى الأحزاب الوطنية، لا سيما الحزب التقدمي الاشتراكي وفاءً لكمال جنبلاط الذي استصدر لهم بداية الستينيات، عندما كان وزيراً للداخلية، أوراق قيد الدرس، مكّنتهم عام 1994 من الحصول على الجنسية اللبنانية. أما الشبّان الصاعدون، فهمّهم الأول السفر إلى المانيا للالتحاق بمن سبقهم منذ بداية التسعينيات وحققوا ثروات طائلة. لكن لماذا لم يلتحق عبد الرحمن بأشقائه في ألمانيا واختار «الإرهاب عائلة»، علماً بأنه ولد من أم شيعية (من المروانية قضاء الزهراني) ونشأ في عائلة غير متدينة ومكتفية مادياً؟
يصعب على كثر التصديق بأن «الطالب الهادئ والطيب» الذي تابع دراسته في ثانوية البابلية الرسمية المختلطة، قد يصبح «أبو دجانة»، المنسّق بين القلمون السوري والشمال اللبناني في «داعش»، وأن يتحول «العاشق لزميلته المتحررة ومن يكتب لها قصائد الغزل» متزمّتاً تكفيرياً. يحمّل هؤلاء المسؤولية لبشير ب.، جاره الصيداوي الذي سكن مع عائلته في ضيعة العرب منذ سنوات. درس النميري في أزهر البقاع مع بشير. هناك تعرف إلى «متدينين» وأصبح عضواً في خلية من تسعة أشخاص خطّطت لاستهداف اليونيفيل وإطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة واستهداف المدير العام الأسبق لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي. 
في اعترافاته أمام المحكمة العسكرية عام 2008، روى النميري كيف عرّفه بشير إلى «أبو إسماعيل» القيادي في تنظيم القاعدة (تبيّن لاحقاً أنه نعيم عباس)، ظناً منه أنه يتبع لـ«الجهاد الإسلامي» وسيدربهما على القتال ضد اسرائيل وتفجير دوريات لليونيفيل. في الخلية ذاتها التي أشرف عليها عباس ومحمد توفيق طه ومحمد جمعة (كتائب عبدالله عزام)، كان شركاء النميري جاره بشير ومروان حمادي ابن حي يارين الذي غادر مع الانتحاري المحمد إلى سوريا وابن حي يارين المجند في قوى الأمن الداخلي مطلق ج. والشيخ أحمد الخلف (يقيم في البيسارية) الذي يعدّ المرشد الروحي لهم، والأسيري المطلوب مصعب قدورة.
عام 2009، أدين النميري وحكم بالسجن لثلاث سنوات. حتى ذلك الحين، يؤكد أقرباؤه أن مظاهر التزمّت لم تكن قد ظهرت عليه. يقول قريبه العضو في اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي فياض النميري إنه كان «شيخاً مودرن». حاول أن يصبح إمام جامع الضيعة، لكن كبار السن رفضوا بسبب صغر سنّه. «دراسته في الأزهر لم تغيّر في سلوكه الاجتماعي. ظل يسهر مع الشبان ويشارك في مجالس مختلطة ويذهب إلى السباحة مرتدياً «شورت» قصيراً». ما الذي غيّره؟ «اسألوا رومية» يقول النميري. بعد إتمام محكوميته وخروجه عام 2012، «لاحظنا أنه تشدد. بات منعزلاً وكتوماً ويتحاشى التواصل مع الآخرين، ونشبت خلافات عدة بينه وبين أفراد أسرته وأمه الشيعية». يتساءل: «إلى من تعرّف عبد الرحمن في مبنى الإسلاميين الذي أمضى فيه ثلاث سنوات، ومن زرع في رأسه الفكر التكفيري؟». النميري حمّل الدولة «مسؤولية إفساد عبد الرحمن».

امال خليل - الاخبار 24 اب 2017

إرسال تعليق

 
Top