من «بنود إعلان النوايا» بين «التيار الوطني الحُرّ» وحزب «القوات اللبنانيّة» مطلع حزيران 2015، مُرورًا بمحطّة تبنّي «القوات» ترشيح العماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجُمهورية في 18 كانون الثاني 2016 وفق مجموعة من المبادئ المُشتركة في إطار ما جرى إطلاق تسمية «تفاهم معراب» عليه، وُصولاً إلى إنتخاب العماد عون رئيسًا وتشكيل حكومة مُوسّعة نالت فيها «القوّات» حصّة وازنة، مسيرة تصاعديّة في العلاقة بين القوّتين السياسيّتين المسيحيّتين الأبرز والأكثر شعبيّة. لكنّ فرحة التلاقي بعد طول فراق لم تدم طويلاً، حيث عادت الخلافات بين الطرفين لتظهر في أكثر من ملفّ، بدءًا بالتعيينات على إختلاف أنواعها، مُرورًا بالكثير من السياسات الإقتصاديّة والمالية والحياتية وفي طليعتها ملفّ الكهرباء، وُصولاً إلى الإختلاف في بعض المواقف الإستراتيجيّة مثل حصريّة السلاح والموقف من «حزب الله». ويتردّد بقوّة في المرحلة الحالية أنّ كلاً من «التيار الوطني الحُرّ» وحزب «القوّات اللبنانيّة» باشر بتحضير لوائح إنتخابيّة مُتقابلة في مُختلف الدوائر الإنتخابية! فهل هذا الأمر صحيح، وإلى أين ستقود عودة الخلافات بين الطرفين؟
أوساط سياسيّة مُستقلّة على علاقة طيبّة بالطرفين لفتت إلى أنّ صفحة الخُصومة السابقة التي إستمرّت على مدى ثلاثة عُقود لن تعود إطلاقًا، مهمّا تباينت آراء «التيّار الوطني الحُرّ» و«القوّات اللبنانيّة» أكان بالنسبة إلى الملفّات العادية أو حتى بالنسبة إلى الملفّات الإستراتيجيّة، مُشيرة إلى أنّ هذا الأمر محسوم لدى الطرفين منذ اللحظة الأولى للإتفاق، ولو أنّهما يُضطرّان إلى التذكير به من وقت إلى آخر، عند تناقل الخلافات بينهما بكثرة على المُستويين السياسي والإعلامي. وقالت إنّ الإجتماعات الأخيرة بين مسؤولين «قوّاتيّين» و«عونيّين»، إن في منزل وزير الخارجية جبران باسيل في اللقلوق أو في مقرّ «التيّار» في سن الفيل، ركّزت على سُبل الحفاظ على أفضل أجواء سياسيّة وإعلاميّة مُمكنة بين الطرفين بغضّ النظر عن الخلافات.
ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ الضربة الكُبرى التي تلقاها التوافق بين «الوطني الحُرّ» و«القوّات» يتمثّل في سُقوط ما جرى الإتفاق عليه خلف الكواليس بين الطرفين، عند إعلان «التفاهم»، لجهة «المُشاركة في الحكم» من الندّ للندّ بالتزامن مع «التحالف إنتخابيًا» في أغلبيّة الدوائر لإستعادة الحُضور المسيحي الفاعل في السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة. وأضافت أنّ سبب سُقوط هذا الأمر يعود إلى تغيير قانون الإنتخابات النيابيّة من مبدأ التصويت الأكثري إلى مبدأ التصويت النسبي، حيث إكتشف الطرفان أنّ الحاجة لدعم بعضهما بعضًا في القانون الأكثري للسيطرة على أغلبيّة المقاعد الخاصة بالمسيحيّين، إنتفت مع القانون النسبي. وتابعت الأوساط أنّ الدراسات والإحصاءات التي قام بها «التيّار الوطني الحُرّ» وحزب «القوّات اللبنانيّة» بيّنت أنّ مصلحتهما الإنتخابيّة تكمن في أن لا يكونا على لوائح مُشتركة بل على لوائح مُتقابلة.
وأشارت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّ هذه الخُلاصة، دفعت بالتيار الوطنيّ الحُرّ إلى تخفيف إندفاعه بالنسبة إلى مسألة «المُشاركة في الحُكم»، فلم يعد في عجلة من أمره لتقاسم المناصب مع «القوّات»، الأمر الذي أثار حفيظة هذه الأخيرة التي ردّت بتفنيد سياسة الحُكم التي يعتمدها «التيّار» وبعدم التردّد بانتقاد أيّ خروج برأيها عن القوانين أو أي سوء إدارة من قبل وزراء ومسؤولي «التيار» في الحكم. وأضافت أنّ هذا الأمر أسفر عن تآكل الكثير من التقارب الثنائي السابق، مُتوقّعة أن يستمرّ هذا الأمر في المرحلة المُقبلة، وذلك كلّما إقتربنا أكثر فأكثر من موعد الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، لكن من دون العودة إلى مرحلة الخُصومة التي كانت سائدة قبل محطّتي «إعلان النوايا» و«تفاهم معراب».
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة كلامها بالقول إنّ «التيّار» و«القوّات» سيتواجهان حتمًا في لوائح مُتقابلة في الإنتخابات المُفترضة في العام 2018، مُتوقّعة أيضًا أن يمرّا في أكثر من خلاف من اليوم وحتى ذلك الحين، وذلك في إطار الزكزكات السياسيّة والإعلاميّة الطبيعيّة بين أي حزبين يسعيان لفرض لوائحهما المُتنافسة على الناخبين ضُمن بيئة من لون طائفي واحد في عدد كبير من الدوائر. وأضافت أنّ هذا الأمر سيبقى مضبوطًا تحت سقف «التفاهم» بعكس الخلافات المُتوقّعة أيضًا بين «التيّار» و«القوّات»، كلّ على حدة، مع أفرقاء سياسيّين آخرين كانوا حتى الأمس القريب يأكلون من الصحن الشعبي نفسه إذا جاز التعبير، وهذا ما ينطبق على علاقة «التيار» مع «المردة» مثلاً، وعلى علاقة «القوّات» مع «الكتائب» على سبيل المثال لا الحصر أيضًا.
ناجي سمير البستاني - "الديار" - 24 آب 2017
إرسال تعليق