في الشمال ثمة صمت مطبق ووجوم اصاب البعض في الشارع السني لا سيما لدى قيادات سنية موسومة بالانتماء السلفي التكفيري، يقابله ما يشبه الهستيريا لدى قيادات سياسية نصبت نفسها مرجعية السنة السياسية.. وثمة قاسم مشترك بين المرجعيتين هو الشعور بخسارة سند عسكري كانوا يأملون منه بأن يأتي اليوم الذي ينعش فيه احلامهم الطائفية والمذهبية.. هذا ما اعرب عنه احدى المرجعيات الشمالية.
كان لافتا ان الشارع السني في طرابلس والشمال لم يتفاعل مع معركة تحرير جرود عرسال لاول مرة كما جرت العادة في احداث سابقة وغابت عن الشارع قيادات اسلامية معروفة بتطرفها سبق لها ان تحمست منذ اشهر وظهرت في الشارع توزع الحلوى في اب 2016 فرحا بنصر مزعوم للمنظمات الارهابية في حلب. في حين لم تخرج هذه القيادات الى الشارع يوم تحرير جرود عرسال من ارهابيين خطفوا وذبحوا وقتلوا جنود الجيش اللبناني وبينهم السني والشيعي والمسيحي والدرزي.
فقد ظهرت مواقف عبر مواقع التواصل الاجتماعي في طرابلس لكن بشكل خجول تبدي عطفا وانحيازا فاضحا للمنظمة الارهابية المسماة النصرة، وتندد بحزب الله. غير ان هذه المواقف لم تأت شاملة لباقي شرائح الشارع السني الذي التزم الصمت بينما ظهر موقف للوزير محمد كبارة شكل علامة فارقة وهو الوزير المشارك في حكومة بعض اعضائها من حزب الله ليساوي بين ما اسماه الارهاب التكفيري بالارهاب الايراني. والاكثر غرابة قوله ان ما يجري في جرود عرسال لا يعنينا لانه حرب بين الارهابيين المذكوريين واذا كان هذا موقف كبارة فالرئيس الحكومة كلام في اميركا حين قال «كنا نود ان يقوم الجيش بهذه المعركة» وليست مواقف نواب الشمال باكثر تطرفا من قيادات سلفية متشددة وكأن التيار الازرق يحاكي هذا الشارع الذي اغرقوه بعصبية مذهبية. وبعض منه كان ينتظر وصول المنظمات الارهابية وفق المخطط المرسوم والذي كشف عنه يوم امس الاول حين ضبطت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي اسلحة وذخائر ومخططات لطرابلس والضنية.
احد قياديي السلفية له وجهة نظر اخرى اذ اعتبر ان الكل ربح في مكان ما، فحزب الله استرد عناصره والنصرة استردت عناصرها ويعتبر ان ما حصل هو امر جيد لكن باعتقاده ان الشارع السني مغبون وان اهل السنة مستهدفون ولكن لهذا الحدث ايجابياته على الساحة اللبنانية ويريح البلاد.
اما عضو مجلس امناء حركة التوحيد الاسلامي الدكتور معاذ شعبان فيرى ان حزب الله خاض المعركة منسقا بشكل او باخر مع الجيش اللبناني وما كان ليخوض هذه المعركة لولا الغطاء السياسي السني والامني وقد جاءت النتائج ايجابية وباهرة لعدة اسباب:
ـ أولا : لان الجرود منطقة صعبة لا تستطيع الجيوش ان تخوضها لانها تحتاج الى مواجهات تقوم بها فصائل متمرسة بحرب المليشيات.
ـ ثانيا : ان نتائجها ايجابية لمصلحة اهل عرسال الذين دفعوا فواتير عالية جدا بسبب هذه البؤر.
ـ ثالثا : لان هذه البؤر كانت سببا في فواتير اخرى دفعتها مخيمات النازحين.
اما الفضيحة الكبرى فكانت ملايين ابو مالك التلي الذي كان هاجسه نقلها معه.
واضاف شعبان: ان المسلحين في جرود عرسال باتوا عبئا على الشارع السني وعلى اهل عرسال خاصة ان تلك الجرود تحولت الى بؤر تتصارع فيها المنظمات الارهابية مما ترك اثارا سلبية على مخيمات النازحين وعلى اهالي عرسال الذين حرموا ارزاقهم واملاكهم طوال سنوات سيطرة الارهابيين. لذلك كان المطلوب ازالة هذه البؤر، وفي رأي ان الشارع السني في طرابلس والشمال لم يتفاعل مع هذه الجماعات ولم تنظم اي فعالية او اي اعتصام كما كان يحدث في احداث مشابهة سابقا ، وذلك بسبب سياسة القتل والاسر الغادر الذي مارسته هذه الجماعات ضد عناصر الجيش اللبناني مما رفع عنها الغطاء السني الرسمي والشعبي».
وفي رأي مصدر سلفي معتدل انه يغلب على الشارع السني الشعور بالإحباط والهزيمة بعد الانتصار الواضح الذي حققه حزب الله على جبهة النصرة وملحقاتها في جرود عرسال ويعتبر ان هذا الشعور طبيعي نتيجة الآلة الإعلامية الضخمة التي كانت تصور الشيعة وفي مقدمهم حزب الله يعملون على إذلال السنة وقتلهم وتهجيرهم من بلادهم حتى وصل الامر الى استهداف المقدسات الكبرى كالكعبة في مكة مع العلم أن الحوثيين انكروا هذا الأمر حتى ان ردة الفعل السعودية والسنية لم تأت على قدر هذا الفعل مما
يوحي انها مجرد دعاية إعلامية هذه الدعاية التي استمرت لعقود ويتابع المصدر ان الكثير من السنة يفضلون أي عدو على الشيعة وبالتالي أصبح أي عدو لحزب الله صديقاً وفق الاولويات ذات الصناعة الأميركوسعودية طبعاً مع إضافة صهيونية.
قبل بدء معركة جرود عرسال كانت هذه الآلة الإعلامية تجعل من جبهة النصرة أسطورة لا تُقهر حتى بلغ الأمر بأبي طاقية أن قال إن أبو مالك التلة يفاوض على انسحاب حزب الله من سوريا وليس على انسحابه من عرسال. وأثناء هذه المعركة كانت أخبار هذه الآلة تتوالى عن الخسائر الفادحة التي يتكبدها حزب الله والمفاجآت التي تنتظره حتى ظن البعض ان نهاية هذا الحزب ستكون في جرود عرسال.
ويقول المصدر السلفي انه بعد انجلاء غبار المعركة فوجئ الجميع بالحديث عن مسرحية أعدتها ايران لإظهار حزب الله كحزب أسطوري وجيش لا يُقهر فالنصرة انسحبت الى الداخل السوري منذ أشهر وازيز الرصاص الذي كان يُسمع ودوي الصواريخ ما هو الا خدع بصرية صُورت في هوليود.
والصدمة الكبرى لمن يتابع أخبار هذه الآلة الإعلامية الضخمة كانت ببدء الصفقة التي تمت على أساس اخراج ما تبقى من المسلحين المتقهقرين الى مخيمات اللاجئين في عرسال وتبين ان المعركة بكل تفاصيلها حقيقية وأن ما انتهت اليه يثبت فيما لا يدع مجالا للشك أن جبهة النصرة تلقت ضربة قوية فيما يسمى بالأعراف العسكرية هزيمة لكن قد يكون هناك خلاف على تحديد نوع هذه الهزيمة هل هي نكراء أم لا. النتيجة أن الشارع السني اللبناني انقسم الى أغلبية تشعر بالهزيمة ضمن سلسلة هزائم تلقتها في العراق وسوريا. وأقلية تعتبر أن العقل والمنطق يقضي بأن انتصار حزب الله على الجماعات التكفيرية أبعد شراً كبيراً عن لبنان وعن السنة فيه على وجه التخصيص لان هذه الجماعات كما بات معروفاً أغلب ضحاياها من السنة وأنها بحجة التصدي للهجمة الشيعية تُمارس القهر والظلم على السنة. وبينهما أتباع الفكر الجهادي التكفيري وهم قلة غير متجذرة في الشارع السني اللبناني يتحدثون عن أن الحرب سجال وانه خروج مشرف لأبي مالك التلة وانه حقق مكاسب عظمى في مفاوضاته.
ويتابع المصدر: طبعاً هم يخفون في داخلهم الخوف على المستقبل وخسارة الرهان على هذه الجماعات التي كانت تعدهم دائما بالفتح القريب وبالتالي فان ابتعادها عن الحدود اللبنانية لكيلومترات عديدة جداً يجعل من أمل عودتها الى لبنان كأمل ابليس في الجنة.
ويختم المصدر: باختصار الشارع السني في غياب مرجعية واحدة تجمعه على مشروع يجد فيه ذاته تتقاذفه الاوهام والأفكار المتطرفة وصوت العقل فيه خافت وهذا بحد ذاته مسألة خطرة تستحق التأمل.
جهاد نافع - "الديار" - 3 آب 2017
إرسال تعليق