0
مع ازدياد وتيرة الاتصالات والزيارات العلنيّة بين كل من حزب «القوّات اللبنانيّة» و«تيّار المردة»، والتي نشط على خطّها كل من المسؤول القوّاتي طوني الشدياق والوزير السابق يوسف سعادة بشكل خاص، تزايد الحديث عن إمكان زيارة رئيس حزب «القوّات» سمير جعجع لرئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية في عقر داره، وحتى عن إمكان تحالف كل من «القوات» و«المردة» ضُمن لوائح انتخابيّة مُشتركة في انتخابات العام 2018 النيابيّة. فما الذي يحصل؟
 
أوساط قريبة من حزب «القوّات» أكّدت أنّ الظروف تبدو مُؤاتية حاليًا أكثر من أي وقت مضى لتطوير العلاقة مع «المردة»، اذ انّ الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات في ظلّ إيجابيّة كبيرة من الطرفين، انطلاقا من مبدأ طيّ ترسّبات الحرب الأهليّة بشكل نهائي، ومع إحتفاظ كل طرف بقناعاته السياسيّة وبتموضعه الاستراتيجي العريض. وأكّدت هذه الأوساط وُجود رغبة في دفع الأمور إلى أكثر من مجرّد تنسيق ميداني لمنع تطوّر الخلافات بين المُحازبين وللسماح بالعمل السياسي الحُرّ والهادئ في مناطق النُفوذ المُتداخلة، نحو نوع من التفاهمات الجديدة الأكثر عُمقًا وأهميّة من دون أي عقد مُسبقة، وإن كانت الأمور لا تزال تحتاج الى كثير من الجُهد والعمل للوُصول إلى نتائج طيّبة في هذا السياق. 
 
أوساط قريبة من تيّار «المردة» أكّدت بدورها أنّ أغلبيّة القوى السياسيّة اللبنانية المُختلفة دخلت في حوارات ثنائيّة ومُتعدّدة، وبعضها طوّر ذلك إلى تفاهمات سياسيّة وحتى إلى تحالفات، مُستغربة أن يكون تسليط الضوء هو على «تيّار المردة» وحده، عندما تقارب مثلاً مع «تيّار المُستقبل» بالأمس القريب، أو عندما جرى تبادل الزيارات مع «القوّات»، وكأن ما هو مسموح للآخرين ممنوع على «المردة». وذكّرت بأنّ النائب فرنجية كان أوّل من تجاوز خلافات وأحقاد الحرب الأهليّة، وتصاريحه في حقبة التسعينات واضحة في هذا المجال، وهو مع أي تقارب مسيحي - مسيحي ولبناني - لبناني. وشدّدت هذه الأوساط على أنّ تحالفات «تيّار المردة» الانتخابيّة مفتوحة على كل الخيارات، كما هي الحال مع الكثير من القوى السياسيّة اللبنانيّة، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن أي من المبادئ السياسيّة أو عن الخط الاستراتيجي العام. 
 
مصادر سياسيّة مسيحيّة مُطلعة على علاقة جيّدة بكل من «القوّات» و»المردة» أكّدت أنّ اللافت في مواقف العديد من مسؤولي كل من «القوّات» و»المردة» الأخيرة هو تركهم الباب مفتوحا أمام احتمال حُصول تحالف انتخابي، على الرغم من تأكيدهما أنّ الأمور لم تبلغ بعد هذه المرحلة، وأنّ الاتصالات القائمة لا تزال في بدايتها. ورأت المصادر نفسها أنّ العلاقة بين «القوّات» و«المردة» تطوّرت بشكل لافت في خلال الأشهر القليلة الماضية، مُتوقّعة أن يستمرّ هذا المنحى الإيجابي التصاعدي في الأشهر المُقبلة، وُصولاً إلى زيارة مُحتملة لرئيس حزب «القوّات» الى رئيس تيّار «المردة» في المُستقبل، لإقفال «أحد الجروح المسيحيّة النازفة» نتيجة ترسّبات أحداث 13 تموز 1978، بشكل نهائي. لكنّ هذه المصادر استبعدت تطوّر الأمور إلى تحالف انتخابي ثنائي بين الطرفين في الدورة النيابيّة المُقبلة، لأكثر من سبب، مُدرجة ما يحصل في خانة المُناورة الانتخابيّة المُشتركة التي يقوم بها كل من حزب «القوات» وتيّار «المردة» في ردّ مُباشر على رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» الوزير جبران باسيل الذي سبق له أن خسر في دورتين انتخابيّتين مُتتاليتين لكنّه يتصرّف اليوم من موقع المُسيطر والقوي، مُتجاهلاً حُضور ونفوذ الكثير من القوى الأخرى في المنطقة. 
 
وأوضحت هذه المصادر أنّ وزير الخارجية حرّك في الأشهر الماضية وبشكل فعّال، مُناصريه في دائرة «بشرّي - الكورة - زغرتا - البترون» المُستحدثة، في ظلّ تعمّد «التيار البُرتقالي» توجيه رسائل قاسية إلى كل من «القوّات» و«المردة» عبر القيام بنشاطات انتخابيّة في بشرّي تُوحي بتوجّه «الوطني الحُرّ» نحو دعم مرشّحين على لائحة سُتواجه لائحة «القوّات»، وفي زغرتا حيث فُتح باب التفاوض مع رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوّض بشكل يُوحي بتشكيل لائحة في وجه «المردة». وأضافت أنّ وزير الخارجية الذي يتمتّع بحُضور قوي في مدينة البترون بشكل خاص، يتعامل مع إعلان «القوّات» فادي سعد مُرشّحًا لها في المنطقة كموقف عدائي، ويرفض حتى تاريخه فتح باب التفاوض على هذا المقعد. 
 
ولفتت المصادر السياسيّة المسيحيّة المُطلعة إلى أنّ «القوّات» ترفض كليًا المسّ بمقاعدها النيابيّة الأربعة في دائرة «بشرّي - الكورة - زغرتا - البترون»، وهي لن تتوانى عن القيام بكل ما يلزم من ترشيحات ومن تحالفات للاحتفاظ بها. وأضافت المصدر أنّ الأمر نفسه ينطبق على «تيّار المردة» الذي يُريد الاحتفاظ بمقاعده الثلاثة في المنطقة، لا بلّ يُخطّط لتوسيع حجم كتلته، علمًا أنّ خشيته كبيرة من خسارة أحد مقاعد زغرتا لمصلحة رئيس «حركة الاستقلال». وتابعت المصادر أنّ الرسالة التي يُريد كل من حزب «القوّات» وتيّار «المردة» توجيهها إلى الجميع، مفادها أنّ مُحاولات الاستحواذ على أيّ من هذه المقاعد ستُواجه بكل ما يستلزمه الأمر من تحالفات موضوعيّة، انطلاقا من المصلحة المُشتركة للأطراف المعنيّة، بحيث يُمكن تشكيل لائحة تضمّ «القوات» والمردة» والنائب بطرس حرب وشخصيّات وقوى حزبيّة أخرى، بشكل يصعب اختراقها سوى بمقعد أو بمقعدين من أصل 10 مقاعد. 
 
لكنّ المصادر نفسها شدّدت على أنّ العقبة أمام تطوّر التقارب بين «القوّات» والمردة» إلى تحالف انتخابي كامل، مُرتبط بعدم قدرة «تيّار المردة» على التخلي عن تحالفه مع «الحزب القومي السوري الاجتماعي» الذي يتمتّع بثقل مهم في المنطقة، بخاصة في الكورة، والمُشكلة أنّه في التصويت النسبي لا يُمكن ترك مقاعد فارغة للإبقاء على خيارات الاقتراع مفتوحة، ولا يُمكن تشطيب أي اسم، ما يستوجب التصويت للائحة بأكملها. وأضافت أنّ «المردة» حريص كل الحرص على تحالفه الاستراتيجي مع «حزب الله» وهو ينوي ترشيح مُناصرين له في عدّة دوائر خارج الدائرة الشمالية، تحت عنوان تموضعه السياسي ضمن «محور المُقاومة» العريض، وهو بالتالي لن يقوم بأي خطوة غير مُنسّقة مع «الحزب». 
 
وتابعت المصادر أنّ «القوّات» لن تتخلّى بدورها عن القوى الحليفة التي دعمتها في انتخابات العام 2009، وساعدتها في تحقيق الفوز بنصف مقاعد كتلتها الحالية. ورأت المصادر أنّ المُشكلة تكمن في محدوديّة المقاعد النيابيّة، حيث توجد 10 مقاعد في هذه الدائرة الشمالية، تُسيطر «القوات» على أربعة منها و«المردة» على ثلاثة، ما يُبقي ثلاثة مقاعد فقط لتوزيعها على قوى حليفة للطرفين، وهنا ستبرز المُشكلة، حتى لو جرى تجاوز العقبات السياسيّة الكثيرة. 
 
وختمت المصادر السياسيّة المسيحيّة المُطلعة كلامها بالإشارة إلى أنّ مُناورة «القوّات - المردة» الانتخابيّة، لن تتحوّل إلى حقيقة إلا في حالة واحدة، تتمثّل بقيام باقي القوى السياسيّة بالتكتّل مع بعضها بشكل عدائي كامل، لإلغائهما أو لتحجيمهما، أي في حال قام «التيار الوطني الحرّ» بالتحالف مع «حركة الاستقلال» في زغرتا، ومع مُعارضي «القوّات» في بشرّي، وأكمل الخناق بالتحالف مع «تيّار المستقبل» المُوجود بشكل محدود في هذه الدائرة الشمالية، وربما باستمالة مُناصري «الحزب القومي» و«الشيوعي» الذين يرفضون أيّ تعاون مع «القوّات» ولوّ من باب المصلحة الانتخابيّة، في موقف لا يختلف عن موقف مُناصري «القوّات» إزاء الحزبين المذكورين. وأكدت المصادر أنّ اللاعبين في دائرة «بشرّي - الكورة - زغرتا - البترون» كثر، وهم في ترتيب عشوائي «القوات» والمردة» و«الوطني الحُر» و«حركة الاستقلال» و«الكتائب» و«القومي» و«الشيوعي» والنائب بطرس حرب والنائب فريد مكاري وبعض عائلات بشرّي من خارج عباءة «القوّات» و«المُستقبل»، ما يعني استحالة تكتّلهم إلا ضمن لائحتين أو ثلاث ستتواجه في ما بينها، واحتمال تحالف «القوات» و«المردة» مُرتبط تمامًا بموقف باقي القوى السياسيّة وبالتحالفات التي ستنشأ في ما بينها، فحديث «القوات» و«المردة» عن ترك باب التحالف الثنائي واردا هو، وحتى إشعار آخر، مناورة انتخابيّة لدفع «الحُلفاء» إلى التواضع في مطالبهم لا أكثر! 

ناجي سمير البستاني - "الديار" - 27 آب 2017

إرسال تعليق

 
Top