أمس، كان اللبنانيون يتابعون مشهدين، الاول في مجلس النواب في جلسة المناقشة العامة، التي يفتح فيها النواب، دفاتر الوزراء الوسخة، والثاني في جرود القاع ورأس بعلبك، حيث يسطر ضباط ورتباء وجنود الجيش ملاحم البطولة والرجولة والشرف.
المشهد الاول معيب ومخجل، لانك لا تسمع في خلاله سوى الاتهامات بالسرقة والهدر والفساد والمحسوبيات والزبائنية الشخصية والحزبية والمذهبية، واقل تهمة لا تنزل عن مستوى التقصير الفاضح بحقوق الناس.
اتهامات مباشرة تطلق في وجه الحكومة ورئيسها ووزرائها وتسجل في محاضر مجلس النواب، وكل اتهام اذا صدق يوصل الوزير الى قفص المحكمة، ولكن شيئاً من هذا لا يحصل ولم يحصل، لان اكثرية الوزراء، واكثرية النواب، «قابرين الشيخ زنكي» معاً.
اما المشهد الثاني، فالمواطن اللبناني لا يسمع سوى اصوات المعركة المباركة التي يشنها الجيش لتحرير الارض من رجس الاحتلال «الداعشي» ولا يقرأ سوى بيانات الفخر والاعتزاز لما يحققه الجيش من انتصارات وتقدم، وبدلاً من ان يبكي المواطن اللبناني على وضعه الصعب، مالياً واقتصادياً واجتماعياً، بسبب سوء ادارة من يحكمه، يبكي على شبان مثل الفجر، يقدمون دماءهم وارواحهم قرباناً على مذبح الاستشهاد في سبيل لبنان والوطن، انها مفارقة غريبة تحصل في يوم واحد، عرس للبطولة، ومأساة عند اهل الحكم.
يهمني في هذا الصدد ان اشير، الى ان مداخلات معظم النواب، جاءت من كتل شاركت في العديد من الحكومات السابقة، وشاركت ايضاً في الفساد والهدر، والتقصير التي تنتقدها اليوم. ولذلك فان النواب الذين حملوا على حكومة سعد الحريري، ليسوا فوق الغربال وليسوا مثل امرأة قيصر، وكان يجب ان يعطوا الحكومة حقها في ما قام به عدد من الوزراء الشرفاء، الاوادم، بدلاً من تحميلها كل الرذائل السابقة، ويأخذوا الصالح بجريرة الطالح.
لقد ثبت بالتجربة والبرهان ان اسوأ الحكومات هي الحكومات الائتلافية، او حكومات الوحدة الوطنية، ولذلك فالسوء يطول هذه الحكومة التي يجلس فيها الوزير الفاسد جنباً الى جنب مع الوزير النزيه، فلا الاول يعاقب ولا الثاني يأخذ حقه، ومن المفيد منذ اليوم، ان يصمم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على تشكيل حكومة من اكثرية تفوز في الانتخابات المقبلة، واقلية تراقب وتحاسب وتتهم، اما ما يسمى بالديموقراطية التوافقية، فهذا اعتداء وتسخيف لمفهوم الديموقراطية، ويكمل «النقل بالزعرور» اذا تحولت الى حكومة وحدة وطنية، بين افرقاء بينهم خلاف جذري وحاد على مفهوم الوطنية والانتماء.
فليعش مشهد تحرير الجرود، وليسقط مشهد مجلس النواب.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 23 آب 2017
إرسال تعليق