أن يخرج وزير الاعلام بعد أول جلسة لمجلس الوزراء منذ انطلاق معركة عرسال ليعلن للبنانيين في مقررات رسمية أنّ «المجلس لم يبحث في ملف معارك عرسال»، فهذه واقعة ترقى الى مستوى الفضيحة السياسية. وأن يلحق به وزير الداخلية والبلديات ليعلن من برنامج «كلام الناس» أنّ لبنان سيكون عرضة لحصار عربي ودولي، وأنه سيكون بسبب «حزب الله» على طاولة مجلس الامن الدولي في غضون أقلّ من سنة، فهذه واقعة ترقى الى مستوى الكارثة السياسية والوطنية.
فكيف يجوز لمجلس الوزراء المنوط به دستورياً رسم كل السياسات ألّا يكون معنياً بقرار انطلاق المعارك، ولا بظروف سيرها، ولا بطريقة انتهائها، ولا بالمفاوضات التي رافقتها- والبعض يقول إنها سبقتها- ولا بالسماح لـ«أبي مالك التلي» ومسلّحيه الذين خطفوا عسكريين لبنانيين وقتلوا بعضهم وسَطوا على آليات وأسلحة للجيش اللبناني، أن يخرجوا من لبنان وأن يمر بعضهم عبر نقاط رسمية، وأن يتم إطلاق موقوفين بتهم إرهابية من السجون اللبنانية؟
وبماذا يمكن وصف ما أعلنه الوزير نهاد المشنوق من أنّ السلطة السياسية لم تؤمّن الغطاء السياسي للجيش للقيام بمعركة عرسال على رغم أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون أبلغ كبار المسؤولين في الدولة بأنّ الجيش قادر على حسم المعركة في جرود عرسال ولو بكلفة بشرية عالية، علماً بأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري سبق له أن أعلن صراحة في جلسة علنية لمجلس النواب، رداً على سؤال وجّهه إليه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، أنّ الجيش اللبناني كلّف القيام بعملية عرسال؟
وإذا كانت الحكومة تتذرّع بالكلفة البشرية العالية التي اشار اليها قائد الجيش لعدم إعطاء الغطاء السياسي للجيش لحسم الوضع في جرود عرسال ضد تنظيم «النصرة» الارهابي، فكيف يُفسّر المسؤولون تكليف الجيش حسم الوضع في جرود رأس بعلبك والقاع ضد «داعش» علماً أنّ تحصينات هذا التنظيم الإرهابي وقوّته تفوق القدرات العسكرية لـ«النصرة»، وبالتالي تُهدّد بكلفة بشرية عالية ايضاً؟
وإذا كان الجيش يمتلك المقومات المطلوبة لاستكمال تطهير جرود رأس بعلبك والقاع كما قال الرئيس نبيه برّي من طهران، فبماذا يُبرّر المسؤولون عدم اعطاء الجيش الغطاء المطلوب للقيام بمعركة عرسال والطلب منه خوض معركة جرود القاع ورأس بعلبك؟ إلّا إذا كان ما يقال رسمياً عن تكليف الجيش بإنهاء وجود «داعش» في الجرود الشرقية غير صحيح.
وما الذي منع الوزير المشنوق المعروف بصراحته، من حمل ما أدلى به عبر شاشة التلفزيون، ملفاً موثقاً الى مجلس الوزراء طالباً طرحه من خلال جدول الاعمال أو من خارجه؟ وهل يجوز لمخاطر وجودية تمس الامن القومي والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي للبنانيين، أن تبقى وجهة نظر؟
إنّ هذه الصورة السوداء لا تبشّر بمستقبل زاهر للدولة في لبنان، بل على العكس، فإنها توحي باتّساع المخاطر السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية التي تُهدّد أسس الكيان اللبناني. ففي ظلّ كل ما يجري يبدو الدستور اللبناني مغيّباً، والقوانين معلّقة التنفيذ وشريعة الغاب هي السائدة، ويبدو القرار للأمر الواقع الذي تفرضه موازين القوى المتمثّلة بسلاح «حزب الله» وسطوته على اللبنانيين عموماً والسياسيين خصوصاً وأهل السلطة تحديداً، بدليل أنّ أيّاً من الوزراء بمَن فيهم من يمثّلون أحزاباً وقوى سياسية تتمسّك بوَصف نفسها بالسيادية، لم يوجّه مجرّد سؤال عمّا يفترض أن يشغل بال كل عاقل يُدرك كيف تعمل المؤسسات الدستورية وكيف تتّخذ القرارات في الدول التي تتّصف بالحد الادنى من الديموقراطية.
في ظل هذا الواقع المرير تبدو الحاجة ملحّة الى سياسيين وإعلاميين لبنانيين يتّصفون بالجرأة الأدبية والسياسية والوطنية لمقاومة خطاب سياسي موحّد، ومواجهة لغة إعلامية معمّمة تجعل من لبنان نسخة من الدول ذات الأنظمة الشمولية، وتحوّل معظم رموز الحياة السياسية في لبنان الى نموذج من نادي الحاشية في دول أنظمة الحكم الواحد.
إنّ مثل هذه الجرأة تعني طرح علامات استفهام كبيرة من نوع هل انّ ما سقط في جرود عرسال على يد «حزب الله» هو تنظيم «النصرة» الارهابي أم هيبة الدولة اللبنانية ونظامها الديموقراطي البرلماني ومؤسساتها الدستورية والصلاحيات المُعطاة اليها؟
وهل انّ ما شهدته بلدة القاع هو استقبال لأسرى من «حزب الله «وقعوا في قبضة التنظيمات التي كانوا يقاتلونها في سوريا أم اجتياح سياسي وإعلامي ومعنوي لبلدة حدودية اشتهرت بمقاومتها دفاعاً عن سيادة الدولة وكرامة أبنائها، وعملية «تطهير سياسي» لرأي شريحة من اللبنانيين تشبه الى حدّ بعيد ما تشهده سوريا من عملية «تطهير مذهبي» لبعض المناطق من خلال الباصات الخضر التي تنفّذ في سوريا عملية «فرز عرقي» تحت مسمّى «المصالحات» شبيهة بعملية الفرز العرقي المُمنهج التي تنفذ بواسطة «الأوراق الخضر» التي تشتري أملاك المسيحيين في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع بالترغيب والترهيب منذ سنوات؟
إنها غيض من فيض أسئلة تحتاج الى أجوبة من القيّمين على ما تبقى من الدولة اللبنانية، خصوصاً ممَّن يعتبرون أنهم بالتسوية السياسية التي ساروا فيها تحت شعار «صنع في لبنان» إنما يحافظون على الدولة اللبنانية ويعيدون الحياة الى مؤسساتها والاعتبار الى دستورها والأمل الى أبنائها، ولا سيما الى المسيحيين منهم. فهل مَن يُجيب؟
فكيف يجوز لمجلس الوزراء المنوط به دستورياً رسم كل السياسات ألّا يكون معنياً بقرار انطلاق المعارك، ولا بظروف سيرها، ولا بطريقة انتهائها، ولا بالمفاوضات التي رافقتها- والبعض يقول إنها سبقتها- ولا بالسماح لـ«أبي مالك التلي» ومسلّحيه الذين خطفوا عسكريين لبنانيين وقتلوا بعضهم وسَطوا على آليات وأسلحة للجيش اللبناني، أن يخرجوا من لبنان وأن يمر بعضهم عبر نقاط رسمية، وأن يتم إطلاق موقوفين بتهم إرهابية من السجون اللبنانية؟
وبماذا يمكن وصف ما أعلنه الوزير نهاد المشنوق من أنّ السلطة السياسية لم تؤمّن الغطاء السياسي للجيش للقيام بمعركة عرسال على رغم أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون أبلغ كبار المسؤولين في الدولة بأنّ الجيش قادر على حسم المعركة في جرود عرسال ولو بكلفة بشرية عالية، علماً بأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري سبق له أن أعلن صراحة في جلسة علنية لمجلس النواب، رداً على سؤال وجّهه إليه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، أنّ الجيش اللبناني كلّف القيام بعملية عرسال؟
وإذا كانت الحكومة تتذرّع بالكلفة البشرية العالية التي اشار اليها قائد الجيش لعدم إعطاء الغطاء السياسي للجيش لحسم الوضع في جرود عرسال ضد تنظيم «النصرة» الارهابي، فكيف يُفسّر المسؤولون تكليف الجيش حسم الوضع في جرود رأس بعلبك والقاع ضد «داعش» علماً أنّ تحصينات هذا التنظيم الإرهابي وقوّته تفوق القدرات العسكرية لـ«النصرة»، وبالتالي تُهدّد بكلفة بشرية عالية ايضاً؟
وإذا كان الجيش يمتلك المقومات المطلوبة لاستكمال تطهير جرود رأس بعلبك والقاع كما قال الرئيس نبيه برّي من طهران، فبماذا يُبرّر المسؤولون عدم اعطاء الجيش الغطاء المطلوب للقيام بمعركة عرسال والطلب منه خوض معركة جرود القاع ورأس بعلبك؟ إلّا إذا كان ما يقال رسمياً عن تكليف الجيش بإنهاء وجود «داعش» في الجرود الشرقية غير صحيح.
وما الذي منع الوزير المشنوق المعروف بصراحته، من حمل ما أدلى به عبر شاشة التلفزيون، ملفاً موثقاً الى مجلس الوزراء طالباً طرحه من خلال جدول الاعمال أو من خارجه؟ وهل يجوز لمخاطر وجودية تمس الامن القومي والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي للبنانيين، أن تبقى وجهة نظر؟
إنّ هذه الصورة السوداء لا تبشّر بمستقبل زاهر للدولة في لبنان، بل على العكس، فإنها توحي باتّساع المخاطر السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية التي تُهدّد أسس الكيان اللبناني. ففي ظلّ كل ما يجري يبدو الدستور اللبناني مغيّباً، والقوانين معلّقة التنفيذ وشريعة الغاب هي السائدة، ويبدو القرار للأمر الواقع الذي تفرضه موازين القوى المتمثّلة بسلاح «حزب الله» وسطوته على اللبنانيين عموماً والسياسيين خصوصاً وأهل السلطة تحديداً، بدليل أنّ أيّاً من الوزراء بمَن فيهم من يمثّلون أحزاباً وقوى سياسية تتمسّك بوَصف نفسها بالسيادية، لم يوجّه مجرّد سؤال عمّا يفترض أن يشغل بال كل عاقل يُدرك كيف تعمل المؤسسات الدستورية وكيف تتّخذ القرارات في الدول التي تتّصف بالحد الادنى من الديموقراطية.
في ظل هذا الواقع المرير تبدو الحاجة ملحّة الى سياسيين وإعلاميين لبنانيين يتّصفون بالجرأة الأدبية والسياسية والوطنية لمقاومة خطاب سياسي موحّد، ومواجهة لغة إعلامية معمّمة تجعل من لبنان نسخة من الدول ذات الأنظمة الشمولية، وتحوّل معظم رموز الحياة السياسية في لبنان الى نموذج من نادي الحاشية في دول أنظمة الحكم الواحد.
إنّ مثل هذه الجرأة تعني طرح علامات استفهام كبيرة من نوع هل انّ ما سقط في جرود عرسال على يد «حزب الله» هو تنظيم «النصرة» الارهابي أم هيبة الدولة اللبنانية ونظامها الديموقراطي البرلماني ومؤسساتها الدستورية والصلاحيات المُعطاة اليها؟
وهل انّ ما شهدته بلدة القاع هو استقبال لأسرى من «حزب الله «وقعوا في قبضة التنظيمات التي كانوا يقاتلونها في سوريا أم اجتياح سياسي وإعلامي ومعنوي لبلدة حدودية اشتهرت بمقاومتها دفاعاً عن سيادة الدولة وكرامة أبنائها، وعملية «تطهير سياسي» لرأي شريحة من اللبنانيين تشبه الى حدّ بعيد ما تشهده سوريا من عملية «تطهير مذهبي» لبعض المناطق من خلال الباصات الخضر التي تنفّذ في سوريا عملية «فرز عرقي» تحت مسمّى «المصالحات» شبيهة بعملية الفرز العرقي المُمنهج التي تنفذ بواسطة «الأوراق الخضر» التي تشتري أملاك المسيحيين في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع بالترغيب والترهيب منذ سنوات؟
إنها غيض من فيض أسئلة تحتاج الى أجوبة من القيّمين على ما تبقى من الدولة اللبنانية، خصوصاً ممَّن يعتبرون أنهم بالتسوية السياسية التي ساروا فيها تحت شعار «صنع في لبنان» إنما يحافظون على الدولة اللبنانية ويعيدون الحياة الى مؤسساتها والاعتبار الى دستورها والأمل الى أبنائها، ولا سيما الى المسيحيين منهم. فهل مَن يُجيب؟
نوفل ضو - "الجمهورية" - 5 آب 2017
إرسال تعليق