0
إنّه الجندي سلطان علوش من عداد فوج المدرّعات الأول في الجيش، أصيب في معركة نهر البارد (٢٠٠٧) برصاصتين: الأولى اخترقت الحوض وهشّمته والأخرى اخترقت الفخذ الأيمن. 
 
أُجريت له أكثر من 12 عملية جراحية ولا يزال. رجلُه اليمنى مشلولة من أعلى الفخذ، لا يقوى على تحريكها وقد «مات» عضل الفخذ وانقطعت أعصاب الرِّجل، ولا أمل له في الشفاء، حتى إنّ الطبيب المعالج الدكتور رونالد موسى الذي أجرى له العملية الرقم 12 قال له: «إذا مش رح تتحسّن إجرك منصير مضطرين نقطعا من فوق الركبة»...

إصابة هذا الجندي تبدو للوهلة الأولى عاديةً مقارَنة بإصابات البعض من رفاقه والذين استشهد بعضهم، وهذا قدر العسكريين خصوصاً في أرض المعركة، وهم مقتنعون بما قدّر الله لهم، لكنّ الإصابة المعنوية والنفسية هي أفظع بكثير من الإصابة الجسدية وبتر الرِّجل.

أحيل الجندي علوش إلى اللجنة الصحية التي قرّرت إحالته إلى التقاعد لأسباب صحية منسوبة للخدمة (بالتعبير العسكري التقني) وتحدّد راتبه التقاعدي بـ845 ألف ليرة، وذلك بعد خمس سنوات من إصابته (٢٠١٢).

لزم الجندي المصاب منزل ذويه في بلدته مشحا العكارية وكان قد اقترن بفتاة من بلدته ورُزق منها بفتاة هي كلّ أمله في الحياة كما قال. لا يملك علوش منزلاً ولا هو بالقادر مادياً على استئجار منزل، فراتبه الشهري لا يكفي لتسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف ولرغيف الخبز.

يقطن في منزله الوالدي حيث يعمل الأب محمود علوش في محلّ لتصليح الدواليب في المنية «من الفجر للنجر» لتأمين القوت اليومي؛ «معقول أنا اتّكل ع بيّي اللي عمرو فوق الستين بيشتغل ليل نهار تـ يطعمينا»... يتأثّر سلطان علوش كلما تذكّر رفاقه المصابين والشهداء، وقد اعتاد على الدواء المسكّن للآلام حتى إنه لم يعد يخفّف من أوجاع إصابته.

أرسل رسالةً صوتية الى الرؤساء الثلاثة والى الشعب اللبناني والى كل الغيارى على «هذه البدلة»، أي بزّة الجندية، شارحاً وضعه الصحي والمادي ولم يتلقَّ جواباً من أحد...

سأل بلهفة: «معقولي يقولو عنا إنّا غير منتجين، ليش أنا وقت اللي انصِبت كنت عم إسرق ولّا عم دافع عن أهلي وأرضي؟»... شو قولك يا سيدنا بيزيدولنا معاشاتنا تنقدر نعيش بشويّة كرامي؟».

آلمني كلام هذا الجندي، والذي أوجعني أكثر استهتار ولامبالاة المسؤولين بحقوق العسكريين المتقاعدين خصوصاً المصابين منهم والمعوقين وخصوصاً أهالي الشهداء، فقد أُقرّت سلسلة الرتب والرواتب، ويدرس مجلس النواب مشروع قانون الموازنة، مخصِّصاً مبلغ 400 مليار ليرة لتحسين نسل الجواد العربي ومليارات الليرات للجمعيات الوهمية والمهرجانات، بينما يعجز عن تأمين الحياة الكريمة لعسكريٍّ مصابٍ بشللٍ نصفي و«يربّحه جميلة» براتب شهري 840 ألف ليرة لا يكفي مصروف يوم واحد لنائب أو وزير.

وأقول لأصحاب القرار السياسي والمالي: ويلٌ لأمّة تضحّي بأبطالها من أجل سارقيها.

جورح نادر - "الجمهورية" - 10 آب 2017

إرسال تعليق

 
Top