0
الكل يذكر بأن سعي بكركي الى إجراء مصالحة مسيحية حقيقية بين الاقطاب الاربعة يعود الى سنوات وسنوات، لكن محاولاتها كانت تبوء بالفشل نوعاً ما، إلا ان البطريرك بشارة الراعي عمد خصوصاً في ربيع العام 2014 الى تحقيق هذه المعضلة، بحيث جمع الاقطاب في الصرح البطريركي فساهم في خفض نسبة التوتر السياسي القائم على الساحة المسيحية، فمُنحت هذه الساحة تنفسّاً بعد طول اختناق جراء السجالات الاكثر تواصلاً بين زعمائها.

وأولى خطوات هذه المصالحة جاءت عفوية من قبل سيّد بكركي، وأتت في وقت يحتاج فيه لبنان الى مزيد من التشاور بين قياداته لمواجهة كل التحديات المطروحة، إلا ان هدف التنافس بينهم كان دائماً إلغاء بعضهم بعضاً بحسب مصادر مسيحية معنية بالملف، وهذا الهدف كان قبل كل استحقاق هام . إلا ان هذا الانقسام خرقته المصالحة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في العام 2015 فساهمت بعد اكثر من عام في إيصال زعيم التيار العماد ميشال عون الى الرئاسة، لكنها في الوقت عينه «خربطت» الاوضاع من جديد فبات الانقسام حاداً بين فرنجية وعون من جهة، وجعجع وفرنجية من جهة اخرى، كما ادت الى حصول فتور شديد بين الكتائب والقوات، لذا فالتجارب علّمت اللبنانيين اشياء كثيرة، منها عدم وضع الامنيات في اطار الاحلام لان مصالحة الاقطاب الاربعة ليست بالمهمة السهلة...

الى ذلك تشير المصادر المسيحية الى ان المصالح تلعب دورها دائماً في العلاقات السياسية، ولذا يسود التوتر كل فترة بين الزعماء المسيحيين على خلفية اسباب عدة، وآخرها التوتر القائم بين «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية» وهو برز بوضوح قبل فترة وجيزة وتحديداً خلال إحياء ذكرى مصالحة الجبل، ما انتج تقارباً علنياً بين «القوات والمردة» فأتى بمثابة «النكايات» بالتيار العوني الذي يشهد علاقات توتر مع الفريقين المذكورين . أي ان المصيبة جمعت فرنجية وجعجع على الرغم من ان الجرّة السياسية كانت مكسورة بينهما منذ عقود وبالتالي كان التحالف صعباً جداً ، لكن فكرة التحالف الانتخابي مطروحة اليوم بقوة بين جعجع وفرنجية ما يتطلّب النظر الى ورقة توافقية قد تساهم في ترميم الوضع، على الرغم من ان ما يُكسر لا يمكن ترميمه لكن في السياسية اللبنانية كل شيء وارد.

ولفتت هذه المصادر الى أن اللقاءات بينهما كانت تجري من تحت الطاولة، لكن ومنذ بدء التوتر القواتي- العوني بدأت اللقاءات العلنية بحيث زار وزير الصحة غسان حاصباني النائب سليمان فرنجية في اواخر حزيران بدارته في بنشعي بحضور ممثلين عن الحزبين، واعلن من هناك بأن اللقاء ثبّت الايمان المشترك ببناء الدولة على كافة المستويات لتحقيق الدولة القوية، واشار الى ان الحزبين يتلاقيان حول الكثير من الامور للنهوض بالمؤسسات والتواصل سيكون مستمراً ودائماً. 

اما الحدث الابرز في هذا الاطار كان زيارة الوزير السابق يوسف سعادة المقرّب جداً من فرنجية الى معراب قبل يومين، بعد سلسلة زيارات قام بها ممثلون قواتيون الى بنشعي، وكل هذا يؤكد طيّ صفحة الماضي الى غير رجعة، وبالتالي فتح صفحة انتخابية بحسب ما نقلت كواليس اللقاء، من دون ان تستبعد هذه الكواليس توقيع ورقة تفاهم بين الجانبين، وإمكانية اجتماع جعجع بفرنجية لإنهاء الخلاف بصورة قطعية.

انطلاقاً من هنا رأت المصادر المسيحية المذكورة بأن فرنجية تنفّس الصعداء لان علاقة الثنائي الماروني ليست جيدة اليوم وتسودها مخاوف انتخابية، وبالتالي لم يعد خائفاً من اتفاق معراب ومن مشهد إلغاء للقوى المسيحية الاخرى، لذا فتح مع حليفه الجديد الابواب المقفلة بين معراب وبنشعي، ما سوف يؤثر سلباً وبكثرة على علاقة «القوات بالتيار الوطني الحر».

وختمت المصادر بأن التيار العوني هو الاكثر تضرّراً اليوم من هذه العلاقة، خصوصاً انه خسر «القوات والمردة»، وهذا غير مُستحب اليوم على الصعيد المسيحي الباحث دائماً عن مصالحة حقيقية بين الاقطاب المسيحيين، تعيد له امجاده على الساحة السياسية.

صونيا رزق - "الديار" - 26 آب 2017

إرسال تعليق

 
Top