0
من اليوم الأول الذي جلس فيه ميشال عون على كرسي بعبدا بعد التسوية الرئاسية التي انجزها مع رئيس الحكومة والقوى السياسية انطلقت عملياً معركة الرئاسة المقبلة بعد ست سنوات، فرئيس الجمهورية قرر منذ اول لحظات دخوله الى القصر انه لا يرغب بولاية ثانية، الموقف الرئاسي وحده ليس السبب فكل المرشحين الطامحين للرئاسة لم يتخلوا عن الحلم الرئاسي وان كان منهم الجديد والقديم الا ان المفارقة اللافتة ان الأسماء البارزة التي تتردد في الصالونات السياسية والمطابخ الرئاسية تتمحور بمجملها من دائرة الشمال الثالثة، ولأن الاستحقاق النيابي يعتبر بوابة العبور الى الاستحقاق الرئاسي فان ما يجري في تلك الدائرة يضعها في صدارة الدوائر الانتخابية الساخنة على مستوى لبنان، عدا ذلك فان الدائرة الشمالية الثالثة لها خصائص معينة، فهي الدائرة المسيحية الكبرى على مستوى لبنان بعديد نوابها المسيحيين ( عشرة نواب مسيحيين)، وفيها تتنافس الأحزاب المسيحية الكبرى في منازلة كسر عظم لن ترحم أحداً، وفي هذه الدائرة مرشحون موارنة أقوياء للاستحقاق الرئاسي من زغرتا ومعراب الى البترون. 
 
واذا كان الاستحقاق النيابي بعد بضعة اشهر هو المحطة الأبرز اليوم لتحديد الأحجام والأوزان المسيحية فان الواضح ان السباق بين الأحزاب المسيحية الشمالية بمرشحيها الافتراضيين سليمان فرنجيه وجبران باسيل وسمير جعجع، بدأ في اطار «البروفا» التي تمهد لاستحقاق 2022 في معركة اثبات الوجود ولتحقيق الانتصار في الانتخابات النيابية والفوز بكتل نيابية تريح هؤلاء وتشكل رافعة انتخابية لهم في المعركة الرئاسية. وبدون شك فان كل ما أنجز بين التيار الوطني الحر ومعراب من تفاهمات سياسية لا يصح في المعركة الرئاسية ولا مكان له على ألأجندة الرئاسية المقبلة، فجعجع يعتبر ضمناً انه من المشاركين الأساسيين في ايصال الجنرال الى قصر بعبدا وان له دوراً محورياً في صناعة الرئاسة العونية، وان الظروف المعقدة التي حالت دون ترئيسه في استحقاق 2016 قد لا تتكرر في الاستحقاق القادم او تكون لا تزال نافذة ليستفيد منها مرشح التيار الوطني الحر الرئاسي، من جهة ثانية فان الخلاف الشمالي كبير وعلى « كل شفة ولسان « في الاعلام كما في الكواليس بين الوزير جبران باسيل وزعيم المردة الذي لا يتردد في التصويب على باسيل شخصياً لقنصه سياسياً وشعبوياً في الانتخابات النيابية قبل الولوج الى المعركة الرئاسية، كما ان التلاقي مجدداً بين التيار الوطني الحر والمردة ليس مطروحاً في المدى المنظور ولا البعيد حتى، ولا يفيد أحداً رغم ان فرنجية كسر حاجزاً أولياً مع رئيس الجمهورية عبر المشاركة بطاولة بعبدا.
 
وإذا كان من الصعب قيام تفاهم رئاسي بين فرنجية وباسيل راهناً ومستقبلاً على وقع طبول المعركة النيابية، فان ثمة تقاطعاً يظهر بين معراب وبنشعي لضرب باسيل وتطويقه وعليه يمكن فهم المعركة التي تشن في مجلس الوزراء على وزراء التيار الوطني الحر المقربين من باسيل، وحملة القوات المركزة على أداء الوزراء العونيين في وزارات الكهرباء وفي بعض الملفات الساخنة، فالقوات رغم تفاهم «أوعا خيك» توافق بالقول والفعل على كسر نفوذ باسيل وعزله وقد لا تمانع وفق اوساط شمالية اسقاطه مجدداً بالضربة الانتخابية بعد الدورتين الماضيتين، فسقوط باسيل بعد ان اصبح رئيساً للتيار الوطني الحر له رمزية مختلفة عن الأمس ولعل مسارعة كل من التيار والقوات الى اعلان ترشيحات انتخابية في الشمال وربما خارجه ايضاً دليل على ان كل فريق يحفظ نفسه انتخابياً وفق قانون النسبية الذي لا يمكن ضمان نتائجه مسيحياً منذ اليوم. الهدف المشترك لفرنجية وجعجع لا يعني ان فرنجية وباسيل لا يلتقيان على كسر وتطويق جعجع الذي «كبر نفوذه» في قصر بعبدا وأعطاه رئيس الجمهورية رصيداً سياسياً ومعنوياً ولا يزال مما يثير حفيظة فرنجية وباسيل في العمق. 
 
التنافس قائم في الموضوع الرئاسي ومناوشات اليوم وحركة الدائرة الشمالية توحي بأن سباق الأحصنة الرئاسية بين الثلاثي فرنجية وجعجع وباسيل حاصل فعلاً، وعليه بدأت تظهر معالم الحماوة الانتخابية، فالانتخابات النيابية محطة مفصلية والمجلس النيابي هو الذي يقرر او له دور اساسي في تسمية الرئيس المقبل مضافة اليه العوامل الإقليمية. من معراب يحسن سمير جعجع إدارة محركات المعركة لثتبيت النفوذ في بشري والتمدد الى تشعبات الدائرة حيث يمكن، ومن بنشعي طوى فرنجية صفحة الرئاسة الأليمة الماضية واطلق مراجعة نقدية للعثرات والأخطاء التي حصلت، فالمرحلة مرحلة عمل ويفترض شد العصب المردي لمواجهة أخصام الغد في الرئاسة، وفرنجية يعول على مجوعته السياسية ورصيد علاقاته الشخصية والسياسية مع الحاضنتين القويتين له في الضاحية وفي عين التينة لمواجهة مخاطر العاصفة الانتخابية ولا يتخلى عن تحالفاته الاستراتيجية. في حين يستند جبران باسيل الى إرث ميشال عون السياسي وحضوره اليوم في بعبدا لتوطيد ثقته وتثبيت حلم رئاسي بدأ يراوده مؤخراً، يتكل باسيل على كتلة نيابية للتيار الوطني الحر اذا ما استطاع حزبه ان يحافظ عليها في الانتخابات وحضور في وزارات أساسية وخدماتية وعلى تيار وطني حر خال من المعارضين والمشاكسين.
 
واذا كان المشهد الرئاسي معقداً ومن المبكر الخوض في غماره، فان المؤكد ان المعركة الانتخابية ستكون قاسية في دائرة البترون والكورة وبشري وزغرتا المسماة بالدائرة الثالثة، فقانون النسبية يصعب معه تحديد الرابحين والخاسرين بعد في الدائرة منذ اليوم لخصوصية القانون ولوائحه المقفلة من جهة كما ان طبيعة التحالفات متداخلة وغير واضحة بعد اذا كانت ستعمم على مستوى كل لبنان، او تبقى لكل دائرة خصوصيتها فما يصح في دائرة لا يطبق على اخرى؟ وفي حال حصل التحالف بين القوات والتيار الوطني الحر في لائحة مشتركة من يكون رأس اللائحة جبران باسيل ام النائب ستريدا جعجع؟ واذا كان باسيل يعتبر نفسه مرشحا مستقبلياً للرئاسة وهو اليوم رئيس اكبر حزب مسيحي فان القوات تعتبر نفسها قادرة على الفوز الكامل في بشري وترفض ان يرشح التيار الوطني الحر حزبياً له في زغرتا، فالقوات تريد الاستئثار وتثبيت النفوذ القواتي في الدائرة الشمالية خصوصاً ان القوات تعتبر الدائرة ذات نفس قواتي، التيار الوطني الحر الذي عصي عليه في الاستحقاقات الماضية ايصال مرشحيه في زغرتا والبترون وبشري والكورة يخوض معركة بلون آخر معولاً على تحالف مع القوات يصعب فك شيفراته الانتخابية حتى الآن ليحصل على الأقل على مقعدين انتخابيين عونيين او اكثر بقليل في معركة معقدة، فيما يخوض المردة والقومي والكتائب والنائب بطرس حرب معركة «أكون او لا أكون». 
 
في المحصلة يمكن القول ان «كل فريق يريد إلغاء الآخر» في هذه الدائرة، بدون شك فان عدم خوض القوات والتيار الوطني الحر المعركة بنفس انتخابي موحد سيغير الكثير من المعادلات ويعطي فرصاً اكبر للمردة والقومي والنائب بطرس حرب والنائب السابق جبران طوق الذي يريد رد الاعتبار بسبب تهميش طويل وحساب سابق مع القوات.

ابتسام شديد - "الديار" - 12 آب 2017

إرسال تعليق

 
Top