خرج الدخان الأبيض من مدخنة بعبدا واعلن بعد إفطار الخميس «الاعلان الرسمي» عن الاتفاق على قانون النسبية وبذلك عادت الدولة الى رشدها السياسي بعد معارك وجولات من المطاحنات السياسية تبادل فيها رؤساء الكتل والأفرقاء شتى انواع الأسلحة والأعيرة النارية، فدبكت بين عين التينة وبعبدا وكاد يحصل الانشقاق، وقذف النائب وليد جنبلاط حليفه في المستقبل بعيارات نارية ثقيلة بعدما اعتبره الزعيم الاشتراكي من المفلسين الجدد، وكادت تخرب العلاقة قبل ان يعاد تصويب البوصلة بين الرئاسات الثلاثة وبعد ضخ الحياة الانتخابية من قبل حزب الله ودخوله المعترك للحسم بعد لقاء الأمين العام للحزب ووزير الخارجية جبران باسيل. فالنسبية صارت القانون الجديد ودفن الاقتراع الأكثري الى غير رجعة بحسب اوساط متابعة، وحتى الساعة تبدو الأمور تسير على ما يرام وكأن صفحة الانتخابات طويت الى غير رجعة فيما يبقى النقاش قائماً حول بعض التفاصيل التي لن يلبث ان يشملها الحسم سريعا، فالشق الوحيد الذي لا يزال يدور حوله البحث هو المتعلق بعامل الوقت الذي يفترض فيه إجراء الانتخابات، فثمة من يتطلع الى استعجال المهل والى انتخابات في ايلول او بالحد الأقصى الخريف المقبل ويتصدر التيار الوطني قائمة هؤلاء، فيما يتطلع الفريق الآخر الى التأجيل الى الربيع المقبل لإتمام التهيئة وتحضير الناخبين والرأي العام وتعويده على تقنيات النسبية وطريقة الانتخاب، وحيث ان النسبية المبتكرة تحتاج الى نقاش وبحث في جوانب كثيرة والى مهل زمنية لتحضير الأرضية لها، وحيث يتداول المعنيون بالملف الانتخابي «طرفة» ان مراجع كبيرة في الدولة لم تستوعب معادلة النسبية بعد فكيف سيفهمها او يستوعبها المواطنون العاديون ويتحضرون لها؟».
وفي المبدأ فان جميع القوى السياسية وافقت على النسبية بخمسة عشرة دائرة، لكن هذا لا يعني ان هذا القانون يريح كل القوى السياسية لكنه وفق اوساط سياسية هو أهون الشرور الانتخابية والحل البديل عن النسبية الكاملة المعقدة على بعض الأفرقاء، والمخرج للعهد الذي أصر على انجاز قانون جديد فكان له هذا القانون. لكن القانون الجديد هو بطبيعة الحال مبهم للرأي العام وغير واضح النتائج والمعالم لقوى سياسية كثيرة بحسب الاوساط، حتى تلك التي صاغته يصعب عليها التنبؤ بنتائجه ومساره وارتداداته عليها، اذ يصعب تحديد الرابحين والمستفيدين فيه اليوم كما يصعب تسمية الخاسرين بموجبه، فالتحالفات الانتخابية هي الأساس والمعيار وهي التي تلعب دوراً اساسياً في تحديد وجهة الانتخابات والاحجام في الانتخابات، فالنائب وليد جنبلاط الذي كان يرتعب من قوانين صاغها التيار الوطني الحر هدأت ثورته الى حد ما في المشروع النسبي الذي جعل من عاليه والشوف دائرة واحدة، اما تيار المستقبل فوضعه الانتخابي لا يبدو دراماتيكياً خصوصاً انه يتعاطى مع واقعية بان وضعه الانتخابي صعب في كل القوانين التي طرحت بسبب مشاكله التي طرأت قبل عودة الحريري الى الحكم من تراجع شعبيّته ونشوء زعامات سنية محلية وشعبوية لكن المستقبل يعول على العودة الآمنة الى الحكومة ومحاولات استنهاض الشارع المستقبلي التي بدأت تلاقي تقدماً وتحسناً افضل من قبل، فيما التيار الوطني الحر والقوات يعتبران انه انجز افضل الممكن خصوصاً ان ثنائية معراب والرابية تريح الشارع المسيحي والتيار الوطني الحر بات شريكاً اساسياً واولياً في الدولة في حين ان الثنائية الشيعية وضعها الانتخابي لا يهتز بالقوانين الانتخابية مهما كان شكلها.
هذا الواقع لا يعني كما تقول الاوساط ان نتائج النسبية واضحة المعالم فنتائج صناديق الاقتراع قد تحمل مفاجآت غير متوقعة على اعتبار ان التجربة الانتخابية ستكون جديدة والأرض تبدلت كثيراً، كما تفاعل الناخبين مع المتغيرات السياسية والتحالفات المختلفة عن المراحل السابقة. فعملية احتساب الأرقام منذ اليوم معقدة بانتظار ما ستحصله بعض القوى السياسية من ضمانات من الشركاء، وما ستكون عليه بعض التعديلات كما التحالفات التي ستنشأ بين القوى السياسية والكتل الكبرى. فهي المرة الاولى التي يقترع فيها اللبنانيون وفق نظام غير أكثري، وفي حين كانت عملية احتساب النتائج معروفة ومحددة سلفاً في قانون الستين وكان يمكن معرفة الفائزين في بعض الدوائر مسبقاً فان لوائح النسبية مقفلة والتشطيب فيها معدوم.
وفي المحصلة فان القوى السياسية جميعها وافقت على قانون النسبية المطروح ورئيس الجمهورية سجل هدفاً في مرمى المعترضين، وفرض انجاز القانون فرضاً في عملية الحشر السياسي التي حصلت لكن ما يحصل في انتخابات الغد يبقى لغزاً لبعض القوى السياسية، وعليه فان القوى السياسية تبحث في غياهب هذا القانون غير المضمون النتائج واتجاه الصناديق . فالقوى السياسية وضعت وجهاً لوجه امام قانون الخمسة عشرة دائرة فخرجت من متاريسها الى ضفة التهدئة ورحاب القانون الجديد لكن البعض ينظر بقلق الى ما ستكون عليه نتائج الصناديق.
ابتسام شديد - "الديار" - 4 حزيران 2017
إرسال تعليق