0
على لبنان أن يخرج سريعاً من الخلافات السياسية على خلفية من سيكون أب أو عرّاب «قانون الإنتخاب الجديد» الذي ينتظره اللبنانيون منذ عقود، وأن يتوقّف تفصيل القوانين على قياس هذا الفريق أو ذاك، وإلاّ فإنّ البلد سيبقى بلا قانون، وهو ما ليس متوقّعاً من قبل أي دولة داعمة للأمن والإستقرار في لبنان. هذا ما نقلته أوساط سياسية متابعة للوضع الداخلي اللبناني تنتظر استكمال التسوية التي حقّقت إنجاز انتخاب رئيس قوي للجمهورية وتشكيل حكومة «المصلحة الوطنية» التي ضمّت كلّ المكوّنات السياسية باستثناء حزب «الكتائب اللبنانية».
 
فما يجري اليوم ليس صراعاً على المصلحة الوطنية بقدر ما هو «تناتش» للمصالح الشخصية وتحقيق أكبر عدد ممكن من المقاعد في المجلس النيابي، أو على الأقلّ عدم خسارة حجم الكتلة الحالية التي يملكها كلّ مكوّن سياسي. وأشارت الى أنّ الناخبين سيقولون كلمتهم التي قد تختلف هذه المرّة عن الإنتخابات السابقة من خلال إصرار عدد كبير منهم على المحاسبة في صناديق الإقتراع.وفيما يتعلّق بتحصيل حقوق المسيحيين، على سبيل المثال، في اقتراح القانون النسبي على أساس الدوائر المتوسطة، فتجد أنّ المسيحيين عبره قد يأتون بأقلّ من 64 نائباً خلافاً لما كان يأملون، فقد ينتخبون 56 منهم ليس أكثر. غير أنّ ما هو الأهم، بحسب القوى السياسية لا سيما «التيّار الوطني الحرّ» و«القوّات اللبنانية» فهو الإتفاق على قانون يسري مفعوله في الدورات اللاحقة فلا يُضطرون في كلّ مرة الى التوافق على قانون جديد. ولهذا فإنّ السجال حوله يأخذ المزيد من الأخذ والردّ بسبب هذا الهدف الأساسي، علماً أنّ القطيعة بين «التيّار» و«حركة أمل» من شأنها عرقلة ولادة القانون المنتظر.
 
وذكرت المعلومات أنّ وزارة الخارجية تشهد في الفترة الأخيرة حركة سياسية ناشطة من أجل تأمين التوافق على القانون، وآخرها اللقاء الذي جمع الإثنين وزير الخارجية جبران باسيل والنائب جورج عدوان في حضور النائب ابراهيم كنعان، إلاّ أنّ الدخان الأبيض، على ما رأت الأوساط نفسها، ليس مرشّحاً للخروج منها بعد ولا من أي مقرّ سياسي آخر، خصوصاً وأنّ اللقاءات تقتصر على الثنائية المسيحية وبعض الأطراف الأخرى لكنها لا تضمّ كلّ المكوّنات السياسية الفاعلة في البلد لكي يصدر القرار السياسي المنتظر.
وإذا كانت عين التينة تشهد لقاءات مماثلة تضمّ بعض المكوّنات السياسية الإسلامية وسواها وليس جميعها، فإنّ المطلوب جمع القوى السياسية من المقرّين في مكان ثالث بهدف إقرار القانون النسبي الذي لا يزال يحتاج الى تخطّي بعض الموانع لكي يولد، لا سيما تنازل بعض الجهات عمّا تعتبره حقوقها، على غرار ما حصل يوم اتخذ النائب سعد الحريري المبادرة ووافق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية بعدما كان رافضاً هذا الأمر طوال سنتين وخمسة أشهر. لكن المعلومات تؤكد ان لقاء عون وبري في بعبدا سيحسم الامور بالنتيجة.
 
والمطلوب اليوم من القوى المعرقلة خوفاً من خسارة بضعة مقاعد في الندوة البرلمانية، على ما عقّبت، أن تتنازل عن مصالحها الشخصية الضيّقة على حساب مصلحة الوطن لإقرار القانون الجديد قبل 19 حزيران المقبل، سيما وأنّ جهات خارجية عدّة حذّرت من تخطّي هذا التاريخ وإدخال المجلس النيابي في فراغ غير مسبوق. فالتنازل من قبل الحريري، كما من «القوّات اللبنانية» أنقذ البلاد منذ ستّة أشهر ونصف، ولهذا فعلى القوى السياسية الأخرى أن تبرهن بدورها عن تخطّيها لأنانيتها لا سيما في ظرف حاسم كالذي تمرّ به البلاد. 
 
ورأت بأنّه ليس المهم من يقترح القانون بل مضمون الإقتراحات، وإلاّ لما توقّف الجميع عند مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي رغم مرور الوقت على هذا الطرح. فكلّ قانون جرت دراسته بشكل جدّي من قبل جميع الأطراف السياسية جدير بأن يُعطى الأولوية في حال لم يتمّ تغيير الموقف منه. ولهذا جرى طرح القانون الأرثوذكسي بشكل جدّي، كما قانون حكومة ميقاتي ليُصار بعد ذلك الى إجراء بعض التعديلات ليُصبح قانون النسبية الأقرب الى الإقرار، والأفضل من قانون الستيّن المعدّل أو قانون الدوحة أي قانون العام 2008.
 
ورأت الأوساط أن ما يُفرّق اليوم بين «التيّار الوطني الحرّ» و«حركة أمل» على صعيد قانون الإنتخاب، لا بدّ وأن يجمع بينهما على صعيد ملف النفط والغاز في المنطقة البحرية، علماً أنّ تقاسم قطعة الجبنة لا يرضي اللبنانيين كونه لا يدخل في باب التغيير والإصلاح الذي يطمحون له على الصعد كافة. ولهذا لا ترى بأنّ الخلاف سيستمرّ بين الجانبين بل ستعمد بعض الأطراف الأخرى على حلّه سريعاً بهدف إقرار القانون قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي.
 
وبرأيها، فإنّه كلّما استنفدت القوى السياسية الوقت المتبقّي أمامها كلّما ازداد يأس الناخبين من الطبقة الحاكمة التي لا تعرف كيف تتفق رغم الإقتراحات الكثيرة التي يجري طرحها للقانون الجديد. فقد لا يكون من حاجة الى فتح دورة إستثنائية للمجلس في حال جرى التوافق على القانون الجديد قبل نهاية الشهر الحالي، وإلاّ فإنّ اللجوء الى فتح هذه الدورة سيكون بهدف طرح القانون المتوافق عليه وإقراره قبل حزيران المقبل.
 
فيما عدا ذلك، فإنّ النوّاب بعد تاريخ 19 حزيران سيصبحون «نوّاباً سابقين» ولن يتمكّنوا من اتخاذ أي قرار على صعيد السلطة التشريعية كونه لن يحقّ لهم تمثيل الشعب من دون «تفويض» أي انتخاب جديد. وهذه المسألة تحتّم على الجميع تحمّل المسؤولية وتقاسمها، تماماً كما يجري تقاسم الحصص على صعيد القانون قبل أن تدخل البلاد في الفراغ النيابي الذي يدري الجميع كم ستكون نتائجه وخيمة على الوضع العام في لبنان.

دوللي بشعلاني - "الديار" - 16 أيار 2017

إرسال تعليق

 
Top