0
يتصرّف النوّاب في لبنان كالطلاب الكسالى الذين كلّما أعطوا فترة أطول للتحضير للإمتحانات، كلّما ماطلوا وتباطأوا وأجّلوا درس المواد التي عليهم تقديم الإمتحان بها. فكلّما أعطي النوّاب مهلة قانونية ودستورية لإنجاز القانون الإنتخابي الجديد المطلوب منهم التوافق عليه ووضع صيغته النهائية، كلّما استنفدوها حتى آخر يوم فيها. هكذا توصف أوساط ديبلوماسية ما يحصل اليوم على الساحة السياسية الداخلية، خصوصاً وأنّ «قطوع» جلسة 15 أيار المنتظرة قد مرّ مع تأكيد المعلومات أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لن يطرح «التمديد» الثالث للمجلس فيها، وحتى أنّه قد يؤجّلها كونه ليس هناك اتفاق بعد على اقتراح قانون انتخاب للتصويت عليه في مجلس النواب، ولكي يعطي الكتل النيابية فرصة جديدة للتوافق.
 
وإن كان البعض قد حسم صيغة القانون الجديد «وفق النسبية مع اعتماد لبنان عشر دوائر» على أنّه مستمدّ من مشروع حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي، فقد شدّدت على أنّ الأمر لم ينتهِ بعد، وإلاّ لكنّا رأينا مشروع القانون هذا مطروح على جدول أعمال مجلس الوزراء ثمّ في مجلس النوّاب. لكنّها رأت بأنّ مهلة الشهر وبضعة أيام المتبقية حتى 19 أو 20 حزيران لا بدّ وأن تكون كافية للتوافق على القانون الجديد، لا سيما بعد تبلور وجهات النظر المختلفة من موضوع القانون النسبي مع تقسيم الدوائر بطريقة لا تُلغي أحداً.
 
وعلى أساسه فإنّ الإنتخابات النيابية المقبلة ستجري في أيلول المقبل، على ما أكّدت، بعد تمديد تقني لثلاثة أشهر، ولن يكون هناك عودة الى ما يُسمّى «الفراغ» في المجلس النيابي، أو لـ «قانون الستين» تحت أي ظرف كان. فقد استدرك رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري هذا الأمر معلناً أنّه في حال لم يُقرّ القانون الجديد للإنتخاب الذي من أجله جرى تشكيل «حكومة المصلحة الوطنية»، فإنّ حكومته ستكون فاشلة لأنّها لم تتمكّن من إعلاء مصلحة البلد فوق المصالح الشخصية الضيّقة.
وبناء على تمسّك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بـ «اللاءات الثلاثة» (لا للتمديد، لا لقانون الستّين ولا للفراغ)، فإنّ غالبية المكوّنات السياسية في البلد باتت مقتنعة بهذا الإصرار لمصلحة الوطن والجميع، على ما قالت الأوساط، لا سيما وأنّ الوصول الى إحدى هذه اللاءات يعني عدم التغيير، وعدم التقدّم، وعدم التوافق. ومن هنا، أصبحت الكتل النيابية مستعدّة للتوافق قريباً على قانون جديد للإنتخاب وإقراره قبل حزيران المقبل لكي تبقى العملية الإنتخابية شرعية وضمن المهل القانونية.
 
فالرئيس الحريري بات أقرب من نظام النسبية (إذا ما اعتمدت الدوائر الوسطى)، و«حزب الله» منذ الأساس مع النسبية الكاملة ولبنان دائرة واحدة، ويوافقه على ذلك «التيّار الوطني الحرّ»، كما «حركة أمل» لا سيما وأنّ الرئيس برّي يؤيّد قانون النسبية كون الإنتخابات البلدية الأخيرة قد عزّزت تبنّيه، وإن كان الإختلاف يكمن في حجم الدوائر وتقسيمها. في الوقت الذي لا يزال «الحزب الإشتراكي» يرفض مبدأ النسبية الكاملة أيّاً كان عدد الدوائر، غير أنّ الأوساط نفسها كشفت بأنّ النقاشات تجري حالياً من أجل إقناعه بها خصوصاً مع اعتماد دوائر لا تُحجّم دور أي منهما. فالنائب وليد جنبلاط يعتبر أنّ النسبية تؤدّي الى «حالة من عدم التوازن في التمثيل والإستقرار». 
 
ومن هنا، فإنّ تطمينات وضمانات عدّة ستُعطى لكلّ المشكّكين بالنسبية من «القوّات»، الى «الإشتراكي»، كما «الكتائب» وسواها من الأحزاب، على ما عقّبت، وحتى بعض النوّاب المستقلّين الذين لا يؤيّدونها بهدف البدء بتطبيقها على دوائر عدّة، وصولاً مع الوقت الى اعتمادها في لبنان كدائرة واحدة. علماً أنّ «التيّار الوطني الحرّ» كان ينوي اعتماد قانون إنتخابي لا يتمّ تغييره مع انتهاء كل ولاية نيابية، بل يُطبّق خلال الدورات القادمة.
 
ولهذا فإنّ الإتصالات تجري على أعلى المستويات من أجل إزالة العقبات أمام ولادة القانون الجديد، انطلاقاً من أنّ المشروع الحكومي الذي أقرّته حكومة ميقاتي على أساس اعتماد النسبية في 13 دائرة، بحسب المعلومات، يؤمّن التوازن والتمثيل الصحيح لا سيما وأنّه يعتمد معياراً واحداً يُطبّق على كلّ الأراضي اللبنانية وفي جميع الدوائر، وقد خضع آنذاك لنقاش معمّق قبل إقراره. علماً أنّ الباحثين اليوم في وضع القانون الجديد للإنتخاب يعملون على إعادة تقسيم الدوائر خصوصاً تلك التي لا ترضي بعض المكوّنات السياسية.
غير أنّ التفاؤل يسود اليوم، بحسب رأيها على الساحة، أكثر من التشاؤم، بأنّ البلاد ذاهبة نحو إقرار قانون إنتخابي جديد قريباً جدّاً. فالماكينات الإنتخابية بدأت تحضيراتها منذ الآن بعد أن أُعطيت الضوء الأخضر بضرورة بدء العمل على الصعيد اللوجيستي وفتح المراكز وتشغيلها، الأمر الذي يؤكّد أرجحية كفّة التفاؤل. وبرأيها، يجب أن تقوم الأحزاب بما عليها تحضيره منذ الآن، وإن كانت الإنتخابات ستجري في الخريف المقبل، لا سيما وأنّ القانون الجديد يتطلّب بعض التدريب والتأهيل لمعرفة كيفية تطبيقه في أقلام الإقتراع كما من قبل الناخبين.
 
والمهم، على ما أكّدت، هو ألا يدع النوّاب الفترة المقبلة وصولاً الى 20 حزيران تمرّ سدى هذه المرة أيضاً، بل أن يعملوا خلال الأسابيع المقبلة للتوافق على القانون الجديد المنتظر وإقراره قريباً خصوصاً وأنّ التوافق الأساسي قد حصل ولا بدّ من العمل على بلورته، وتقسيم الدوائر بشكل يريح الجميع من دون أي هواجس أو شكوك.
 
وتقول بأنّ كلّ قانون جديد يُطبّق لا بدّ وأن يُظهر بعض الثغرات، لهذا فمع تطبيق القانون النسبي في الإنتخابات المقبلة، سيكون من السهل معرفة إمكانية اعتماده كما هو في الدورات اللاحقة، أو حاجته الى بعض التعديلات لكي يُصبح القانون الأمثل الذي لا يحتاج الى أن يُمسّ قبل الإستحقاق الإنتخابي النيابي. علماً أنّ التعديل هو مرادف التطوّر والتقدّم وتحديث القوانين ولا يجب أن يُعتمد بهدف تفصيل القانون على قياس البعض.

دوللي بشعلاني - "الديار" - 11 أيار 2017 

إرسال تعليق

 
Top