0
قال النائب بطرس حرب في مداخلة ألقاها خلال الجولة الثالثة من جلسات مساءلة الحكومة في مجلس النواب: "اسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر لدولة رئيس مجلس النواب ولمكتب المجلس، لتعيين هذه الجلسة المخصصة للمناقشة العامة لسياسة الحكومة، وذلك إلتزاما بأحكام قانون النظام الداخلي وإفساحا في المجال لمساءلة الحكومة حول سياستها في إدارة شؤون البلاد.

إن جلسات مناقشة سياسة الحكومة ليست، ولا يجوز أن تكون، جلسات استعراضية، بل هي مناسبة لتحمل مسؤولياتنا في ممارسة دورنا وواجبنا في مراقبة الحكومات ومساءلتها ومحاسبتها، حتى لو كان طموحنا في المناقشة اليوم لا يتجاوز المراقبة والمساءلة، لأننا، وبكل أسف، نعيش في ظل حقبة سياسية جمعت معظم القوى السياسية، من أحزاب وتيارات، وبالرغم من كل تناقضاتها وتوجهاتها المتضاربة، في حكومة واحدة تدعمها الأكثرية الساحقة من مكونات هذا المجلس، بحيث لم يبق إلا أقلية منها خارجها، وبحيث لا تخاف الحكومة من معارضة مجلسية قد تواجهها وتحاسبها، وهي ضامنة لأكثرية واسعة لا خيار لها إلا تأييدها ودعم مقرراتها.

غير أن هذا الواقع لا يمكن أن يعني أننا أمام قدر محتوم لا فائدة من مواجهته، لأن الحكم الحقيقي على سياسة الحكومة كان، ولا يزال وسيبقى، الرأي العام اللبناني، وأن مناقشتنا تجري في الملأ، يسمعها ويشاهدها اللبنانيون، الذين يعود لهم الحكم على الحكومة، ولا سيما وأننا على مشارف إنتخابات نيابية تشكل امتحانا يكرم فيها المسؤولون أو يهانون.

أود في مطلع مداخلتي هذه، أن أؤكد رغبتنا وتصميمنا على مساعدة الحكومة على تحقيق ما التزمت به في بيانها الوزاري، وأن نلفت النظر إلى ممارسات تتناقض كليا مع برنامجها.

إلا إنني حائر من أين أبدأ المناقشة، فوزراء يعلنون أن ما تقرر في مجلس الوزراء ليس ما ورد في محضر المقررات الرسمية مثلا، ووزراء يخالفون القوانين، ولا سيما قانون المحاسبة العمومية. فأينما نظرت، وأي ملف فتحت، تتسابق التساؤلات وتزدهم الشبهات، وتفوح روائح الصفقات والفساد ويزداد تذمر الناس الذين يلجأون إلى التواصل الاجتماعي يوزعون عبرها إتهاماتهم للحاكمين، وكل الطبقة السياسية، فيذهب الصالح بعزى الطالح، هذا في الوقت الذي يبدو وكأن آذان المسؤولين مصابة بالصم، فلا تسمع أنين المواطنين والموظفين والعائلات والفقراء والمعوزين، وأن قسما منهم يلهث وراء السلطة والنفوذ والصفقات والالتزامات.

ولتسهيل مهمتي قررت العودة إلى بيان حكومة الذي نالت الثقة على أساسه، وسأكتفي بالتطرق إلى بعض العناوين الأساسية، ضنا بوقت مجلسكم الكريم، والتزاما مني بالوقت المحدد لكل نائب في النظام الداخلي.

عنوان الحكومة كان "استعادة الثقة"، بالوفاق الوطني وبالدولة ومؤسساتها. الثقة بالاستقلال والسيادة وببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، الثقة بالدستور وبالنظام الديمقراطي، وبقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للبنانيين بإدارة شفافة ونزيهة، وإقرار قانون إنتخاب جديد في أسرع وقت ممكن وتنظيم العملية الانتخابية في موعدها القانوني، ونهوض إقتصادنا الوطني وإقرار الموازنة، وتسريع الإجراءات المتعلقة بدورة التراخيص للتنقيب عن النفط واستخراجه بإصدار المراسيم والقوانين اللأزمة، والعمل فورا على معالجة المشاكل المزمنة بدءا من الكهرباء وغيرها. كما تعهدت الحكومة بوضع استراتيجية وطنية عامة لمكافحة الفساد ورفع اليد السياسية عن الأجهزة الرقابية، وتأمين استقلالية القضاء وتحصينه من التدخلات، بالإضافة إلى تفعيل دور المرأة والشباب.

هذه بالمختصر بعض العناوين الرئيسية التي تضمنها البيان الوزاري، وكلها واعدة كبيرة طموحة مثيرة ومفرحة.

غير أن ما شهدته البلاد من نماذج أولية لعمل الحكومة عامة، ولبعض الوزراء خاصة، ذكرنا بالمثل الشائع: "إقرأ تفرح، جرب تحزن".

وإليكم البيان، مكتفيا ببعض الملفات المهمة الفاضحة.

1- في قانون الانتخابات النيابية والتزام الحكومة بإقراره وتنظيم العملية الانتخابية في موعدها القانوني.

قد يكون من الضروري في بحث هذا الموضوع عرض تاريخي موجز لكيفية إقرار القوانين الانتخابية لتحديد هوية المسؤولين عن إقراره ومساءلته عن عجزه عن ذلك.

منذ إعلان استقلال دولة لبنان دأبت الحكومات المتعاقبة على إقرار قوانين الانتخابات النيابية بمراسيم إشتراعية، تتحمل مسؤولية إقرارها، مستندة في معظم الحالات على تلكؤ مجلس النواب في بتها خلال مهلة الأربعين يوما المحددة لمشاريع القوانين المعجلة التي كانت ترسلها، وذلك عملا بالمادة 58 من الدستور.

إلا أنه، وأثناء وضع يد سوريا على لبنان، وبعد أن تمكنت من تأمين الأكثريات النيابية الموالية لها. لجأت سلطة الوصاية السورية إلى آلية إرسال مشاريع القوانين الانتخابية التي تريد إلى مجلس النواب، المطيع آنذاك بأكثريته الساحقة، ليصار إلى إقرارها. وبسبب السيطرة السورية على القرار السياسي الوطني صدر القانون، المعروف بقانون غازي كنعان، الذي اعتمد الدوائر الكبرى إجمالا مع النظام الأكثري، وهو ما سمح لسلطة الوصاية أن تمنع معظم معارضي وجودها وسيطرتها من دخول مجلس النواب، ما خلا بعض الاستثناءات النادرة التي استطاعت كسر الفيتو الرسمي والعلني، ولي شرف الانتماء إلى هذه الاستثناءات.

إلا أنه، وبعد استشهاد الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وضعف نفوذ سوريا السياسي المباشر نتيجة ذلك، عملت القوى الحليفة للنظام السوري على الحؤول دون حصول تغييرات كبيرة في النظام الانتخابي، ما دفع البعض، ومنهم فخامة رئيس الجمهورية الحالي، إلى اعتبار التعديل الذي أدخل على قانون الـ 60 بعد إتفاق الدوحة إنتصارا كبيرا أعاد للمسيحيين حقوقهم ودورهم السياسي، وهو ما كانت سوريا عملت على إضعافه سابقا، باعتبار أن الأكثرية الساحقة من المسيحيين كانت تشكل قوة ممانعة للوصاية السورية.

واليوم نواجه أزمة إقرار قانون جديد للانتخابات يحقق صحة التمثيل الشعبي وفعاليته، بعد اقتناع الجميع بأن قانون الـ 60 المعدل في الدوحة لم يعد ملائما.

وما تجدر الإشارة إليه، أن آلية إقرار قانون الانتخابات النيابية، التي اتبعت تاريخيا، لم تعد صالحة اليوم بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني والتعديلات الدستورية التي دخلت على دستورنا.

لقد ارتكزت التعديلات الدستورية إلى تجارب اللبنانيين وإلى الأزمات التي تعرض لها نظامهم، والتي كادت تطيح بالعيش المشترك، ما دفع المشترع إلى إدخال مقدمة للدستور نصت، في ما نصت عليه، في البند "ي" على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". وهو ما تمت ترجمته في مواد دستورية لاحقة كاعتماد أكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء كنصاب قانوني لانعقاد مجلس الوزراء، وبفرض أكثريات موصوفة، ثلثي أعضاء مجلس الوزراء أيضا، لإقرار بعض المواضيع الأساسية، كقانون الانتخابات (المادة 65 من الدستور)، على أن تتخذ القرارات توافقيا، وعند تعذر ذلك فبالتصويت.

لقد اعتمدت هذه التعديلات لتفادي تفرد فئة من اللبنانيين، أو طائفة، أو مجموعة مذاهب أو طوائف، في فرض تعديلات تطال أساس النظام، أو قواعد العيش المشترك على مجموعات أخرى، وهو ما يحصن الحياة المشتركة ويحول دون حصول الأزمات الكبرى.

إن هذه التعديلات لم تطل نصاب جلسات مجلس النواب، ولا الأكثريات المعتمدة في المواضيع الأساسية المذكورة في المادة 65 من الدستور، ما يفرض في موضوع خطير كقانون الانتخاب، أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها في إرسال مشروع وافقت عليه الأكثرية الموصوفة، توافقيا أو بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، إلى مجلس النواب، حيث يصار إقراره أو تعديله، أو رفضه، بالأكثريات العادية.

ما يعني أن تقصير الحكومة في إقرار مشروع لقانون الانتخاب ومحاولة تحميل المجلس مسؤولية إقرار القانون بأكثرية عادية، لا تتجاوز نصف عدد النواب الحاضرين في الجلسة، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر تهدد السلم الأهلي والوفاق الوطني، وهو تقصير فاضح وتهرب من مسؤولياتها. وإننا، ومع تسجيلنا لتقصير الحكومة، الذي عطل إجراء الانتخابات في موعدها وفرض تمديدا قسريا جديدا لولاية المجلس، نسجل تعهد رئيس الحكومة بدعوة الحكومة إلى بت قانون الانتخاب في جلسة مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل، لكي يبني على الشيء مقتضاه.

في جميع الأحوال، لا بد من تسجيل ملاحظاتنا على سياسة الحكومة في موضوع قانون الانتخاب، تفاديا لاستمرار الوضع المتأزم على ما هو عليه مع ما ينجم عن ذلك من مخاطر قد تعرض كل النظام السياسي للسقوط.

إن عدم إقرار قانون جديد للانتخاب، والامتناع عن تنفيذ القانون النافذ للانتخابات، يشكل خرقا فاضحا للمبادىء الدستورية، ويرتب مسؤوليات دستورية ووطنية وسياسية على الحكومة، لأن ما يجري يشكل ضربا لمبدأ احترام القوانين النافذة ووجوب تنفيذها، واستباحة لأحكامها، وتكريسا لسلطة استنسابية مطلقة في تعليق مفاعيل أي قانون حسب رغبة الحاكمين، ولأن السكوت على ما يجري يشكل سابقة خطيرة قد تطيح بالمبادىء الأساسية التي تقوم عليها دول الحق والقانون.

فإرادة الحكام ليست كإرادة الملوك، ولا تصدر قوانين، ولا تعلق أحكام قوانين نافذة، إذ أن هذه الصلاحية محصورة في مجلس النواب وحده، ودور الحكام احترام القوانين وتنفيذها.

هذا بالإضافة إلى أن ما يطرح من أهل السلطة ليس مشاريع قوانين تحقق صحة التمثيل أو تحقق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، كما يزعمون، ولا تفسح في المجال أمام الشباب لدخول الحياة السياسية وضخ دم جديد في المؤسسات الدستورية، ولا تحمي حقوق المواطنين في اختيار ممثليهم، فهذه شعارات براقة تخفي بشاعات لا توصف وتعتدي على حقوق الناخبين في اختيارهم الحر والفاعل لممثليهم.

إنها مشاريع تهدف إلى تحديد هوية أو توجهات نواب الأمة قبل حصول الانتخابات، تهدف إلى تعيين النواب والالتفاف على حقوق اللبنانيين في اختيار نوابهم. إنها مشاريع توزيع الحصص على كارتيل القوى السياسية الحاكمة المتحالفة. ولنقلها بصراحة، آخر هم لدى طباخي المشاريع رأي المواطن، حق المواطن في اختيار ممثليه، تجديد النخب السياسية في مجلس النواب. إنها مشاريع خصخصة لمجلس النواب ولإرادة المواطنين عبر مصادرة أصواتهم وعبر إغراقها في دوائر إنتخابية مفصلة قصدا لتضييع المواطن وإضعاف قيمة صوته وفعاليته.

إنها مشاريع تصفية الحسابات والأحقاد، إن لم أقل تصفية المنافسين السياسيين وإلغاء المستقلين من الحياة السياسية، بحيث لا يبقى صوت اعتراضي واحد.

إنها بمجملها مشاريع القضاء على التنوع السياسي والرأي الحر وتصنيف اللبنانيين بين مواطنين درجة أولى بسبب إنتمائهم السياسي إلى أهل السلطة وولائهم لهم، ومواطنين درجة ثانية، يعاقبون لأنهم بقوا أحرارا غير تابعين، مستقلي الرأي والموقف، وهي مشاريع تبنى على قياس مصالح بعض النافذين، وبعد دراسة النتائج المرتقبة لها من قبل مؤسسات استطلاع الرأي، ومن هنا عجقة المشاريع التي لا تركب على قوس قزح.

ولنقلها صراحة، إنها مشاريع القضاء على الحياة الديمقراطية والحريات والاختلاف في الرأي. فإما تتبع وتقف في الصف منضبطا وتسكت وتصفق للحكام، أو تزول. والمطلوب تحويل اللبنانيين من مواطنين أحرار إلى قطيع غنم حائر مستسلم.

بقي أن نسأل، ألم نتعظ من تجارب حروب إلغاء الآخرين السابقة المرة؟ ألم تفشل كل دعوات عزل فريق سياسي عن الحياة السياسية؟

بصراحة كلية، أين حق المواطن في التمثيل الصحيح وأين دوره في الاختيار؟ المطلوب ضرب حق المواطن في اختيار ممثليه وفرض المحادل والبوسطات عليه، (كما ذهب إليه الزميل حسن فضل الله)، ولو أدى ذلك إلى تغييب النخبة وأصحاب الرأي عن مجلس النواب. فهل يعتقد المخططون العباقرة أن اللبنانيين سيرضخون ويقبلون بمصادرة حقوقهم وحرياتهم الدستورية. إنهم يجهلون أصالة شعبنا وتراثه الديمقراطي، وإن لغده قريب.

في مواجهة هذا الواقع المأزوم دستوريا وسياسيا، وبالنظر ليتحول مجلس النواب من سلطة تشريعية تراقب الحكومة وتسائلها وتحاسبها إلى مؤسسة مشكوك بشرعيتها ومعطل دورها، بت أتساءل عن جدوى استمراري كنائب قبل إجراء إنتخابات جديدة.

ووصلت إلى اقتناع، بأنني كنت لأستقيل فورا لو أن استقالتي مفيدة، ولو أنها لن تحرمني من إبقاء صوت من أمثل مرتفعا في مجلس النواب، لكشف ما يجري من ممارسات شاذة، ولأسائل الحكومة عن أعمالها، ولتقديم اقتراحات قوانين ضرورية والمشاركة في مناقشتها والتصويت عليها وكاقتراع رفع السرية المصرفية عن حسابات متولي الخدمة العامة مثلا.

لذلك، قررت الاستمرار في تحمل مسؤولياتي كنائب للأمة والتنازل عن تعويضاتي عن فترة التمديد الحتمية المقبلة والتبرع بها للخزينة العامة، مساهمة متواضعة مني في تسهيل إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب التي تعود بالخير على ربع الشعب اللبناني. وأتمنى لو أن حضرة الزملاء يبادرون إلى اتخاذ الموقف عينه.

الزميلات والزملاء،
ندرك جميعا حالة الرفض الشعبية لما يسمى الطبقة السياسية، والتي طالت، بكل أسف، الجميع، دون تمييز بين صالح وفاسد وبين الضحية والجلاد. وكل من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يعلم جيدا أن الثقة أصبحت مفقودة بين الرأي العام والمسؤولين.

ولا أجد بدا في هذا الجزء من مداخلتي من أن أعنونها بعنوان قصيدة أحد الشعراء العرب المعاصرين الأمير عبد الرحمن بن مساعد وهو "إحترامي للحرامي" وقد ورد فيها ذكر من "جاب هالثروة المخيفة من معاشه في الوظيفة" "وما يخاف من العقوبة صار بالصف الأمامي"، وهي قصيدة منتشرة ومتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان. وإنني أدعو المسؤولين في لبنان الذين لم يسمعوها ويشاهدوها أن يفعلوا.

ولقد قال الإمام علي: "من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء الظن به".

إنها مقدمة وجدت أن لا بد منها لبحث القسم الثاني من مداخلتي والتي قسمتها إلى ثلاثة عناوين: التنقيب عن النفط والغاز، خطة الكهرباء، مكافحة الفساد.

2- في إقرار مراسيم التنقيب عن النفط والغاز:
وسؤالنا اليوم كيف أقرت المراسيم؟ وما هو محتواها؟ واسمحوا لي بادىء الأمر، أن أسأل أصحاب المعالي الوزراء، من منكم استطاع قراءة المراسيم ودرسها والتدقيق في نصوصها قبل إقرارها؟ فعدد صفحاتها 472 صفحة معقدة فنيا وماليا واقتصاديا وقانونيا. فأي إنسان، ومهما بلغت درجة ذكائه واستيعابه وعلمه، يستطيع أن يدرسها ويكون رأيا سديدا مسؤولا عنها في مهلة لا تتجاوز الـ 48 ساعة، باستثناء الوزيرين اللذين يعملان عليها منذ سنوات؟

إن المراسيم تتعلق بتحديد البلوكات البحرية ونموذج الاتفاقات المزمع عقدها مع الشركات المعروفة دوليا عقود التنقيب والاستخراج. Exploration and production agreement E.P.A

فالمسألة تتعلق بشروط استثمار أكبر ثروة وطنية تعود ملكيتها للشعب اللبناني، الذي يعود له حق معرفة هذه الشروط القانونية والمالية والضريبية والبيئية والإدارية وضوابطها، كما يحصل في كل بلدان العالم الديمقراطية، حيث تناقش الأمور علنا وتعقد حولها الندوات العلمية والاقتصادية والقانونية.

بعكس ذلك لقد وافقتم على نص المادة 35 من مسودة إتفاقية مع شركات استكشاف واستخراج الغاز والنفط، وهي التي تؤكد وجوب "أن تبقى هذه الاتفاقية وجميع المعلومات والبيانات والتحليلات والتفسيرات التي تم جمعها... سرية ولا يجوز إفشاؤها أو نقلها من قبل أصحاب الحقوق إلى أي شخص ثالث..."

وسؤالي كيف يمكن التوفيق بين إقراركم السرية المطلقة لمحتوى الصفقة، وبين توفير الشفافية الكاملة في أعمال النفط والغاز، كما ذهب إليه الزميل محمد قباني رئيس اللجنة النيابية المختصة.

لقد جاء قانون الموارد البترولية في المياه البحرية رقم 132/2010 مقتضبا للغاية، متضمنا الخطوط العريضة لبعض المبادىء العامة، كما أنشأ هيئة لإدارة قطاع البترول خاضعة لوزير الطاقة، ولم يرد فيه أي رقم أو إشارة للأحكام العملية الخاصة بشتى الأوجه الفنية والمالية والضريبية والاقتصادية التي يجب أن تخضع لها صناعة البترول والغاز، وترك الأمر للمراسيم التطبيقية التي سلقت سلقا كما ذكرت أعلاه، وأقرت نظاما للاستثمار يخالف أكثر من مادة في القانون 132/2010 تشير إلى تبني نظام الاستثمار المعروف عالميا بنظام تقاسم الإنتاج "Production Sharing Agreement أو P.S.A، الذي يوفق بين مصلحة الدولة المضيفة التي تريد المحافظة على حقوقها السيادية على مواردها الطبيعية وتحتاج للرساميل والخبرات الأجنبية من جهة، وبين مصلحة الشركات العالمية التي تملك الرساميل والخبرات اللازمة لذلك من جهة ثانية.

ويقوم هذا النظام على منح الشركة الأجنبية حقوق التنقيب وتحمل مخاطره على نفقتها، وفي حال اكتشاف قابل للاستثمار، يدخل البلد المضيف كشريك بنسبة لا تقل عادة عن 40- 50%، ويدفع حصته من الكلفة تدريجيا، ثم يصار لتقاسم نفقات تطوير الحقل وتقاسم الإنتاج وتسويقه بالنسب عينها.

علاوة على ذلك، يترتب على الشريك الأجنبي دفع أتاوة (Royalty)، بالإضافة إلى دفعه ضريبة على الأرباح التي يجنيها ورسوم مختلفة وعلاوات، تؤدي في النهاية إلى حصول البلد المضيف على نسبة تتراوح عادة بين 60 و90% من الأرباح. ناهيك عن أن نظام تقاسم الإنتاج يؤمن للبلد المضيف إمكانية المشاركة الفعلية في الأنشطة البترولية والغازية، عبر شركة وطنية تمثل الدولة، وتدريب الكوادر البشرية الوطنية واكتساب الخبرات اللازمة، وهو سبب إنتشار هذا النظام في عشرات دول العالم بما فيها أعضاء منظمة أوبيك وروسيا وشتى دول أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.

لقد استعاضت المراسيم المتسرعة عن نظام تقاسم الإنتاج بتبني نظام تقاسم الأرباح Profit Sharing Agreement، وهو مفهوم مبتكر يؤدي عمليا إلى العودة إلى نظام الامتيازات القديمة التي انتهت كل الدول العربية والدول المنتجة الأخرى منها بعمليات التأميم في سبعينيات القرن الماضي.

إن نظام تقاسم الأرباح هو على طرفي نقيض مع نظام تقاسم الإنتاج وذلك لعدة جوانب جوهرية، أهمها:

1- إن هذا النظام يلغي كليا دور الدولة المحوري في استثمار ثرواتها وإمكانية مساهمتها الفعلية مع الشريك الأجنبي في الأنشطة البترولية، ولا سيما في المشاركة الفعلية في سير وإدارة ومراقبة صناعة البترول والغاز في لبنان، كما يؤدي إلى إقصائها عن الإشراف الفعلي على الشركات العاملة، وحصر صلاحياتها في إطار حق طلب تعيين "مراقب" لها في بعض اللجان المذكورة، كما ورد في المادة 16، وذلك بدلا من أن تحل في مكانها الطبيعي في موقع الصدارة بصفتها صاحبة حقوق السيادة والملكية على ثروات البلاد الطبيعية.

2- يعطي عمليا حق ملكية كل ما يتم اكتشافه من البترول والغاز للشركة العاملة، لا للدولة، التي تصبح مجرد متفرج على ما تقوم الشركة الأجنبية وحدها بكل الأنشطة من البئر إلى أسواق الاستهلاك.

3- يؤدي إعتماد هذا النظام إلى تحمل الدولة لخسائر مالية فادحة، لأنه يعني أن على الدولة إنتظار ما تعلن عنه الشركة الأجنبية من نفقات وإيرادات وأرباح، وكلها عناصر تتحكم بها الشركة، بدل أن تستلم الدولة، عبر شركتها الوطنية، حصتها من الإنتاج فورا وتسويقها محليا، أو عالميا، وتقاضي قيمتها مباشرة حسب نظام تقاسم الإنتاج.

- أما الأخطر فهو إقصاء الدولة كليا عن مواقع المشاركة والمراقبة في عمليات استثمار البترول والغاز في دورة التراخيص الأولى والذي أقرته المادة الخامسة من مسودة الاتفاقات مع شركات الاستكشاف والإنتاج والتي تنص حرفيا على أنه:

"لن يكون للدولة مشاركة في دورة التراخيص الأولى".

وهي مادة لا يمكن فهم خلفياتها إلا من خلال إعلان هيئة البترول رسميا في آذار 2013 عن موافقتها على "تأهيل مسبق" لـ 46 شركة للحصول على حقوق استكشاف وإنتاج، وإعلان وزير الطاقة الأسبوع الماضي عن بلوغ عدد الشركات المؤهلة 52 شركة.

كما لا يمكن فهم خلفياتها إلا عندما يتبين أن لائحة هذه الشركات المؤهلة والمفترض أن يكون لديها القدرة والخبرة والإمكانيات للقيام بعمليات حفر وإنتاج في مياه بحرية يصل عمقها إلى أكثر من 2000 متر، تضم علاوة على شركات عملاقة معروفة عالميا، شركات أخرى متوسطة أو صغيرة، ليس لها أدنى خبرة في هذا المجال، منها ما يسمى في الأوساط البترولية "بالهوليكان"، أي الشركات المارقة بسبب سجلها الحافل بعمليات الاحتيال والملاحقات القضائية في بعض الدول المنتجة، يضاف إليها شركات وهمية لا وجود لها على الإطلاق إلا على الورق، وقد تم تسجيلها، في لبنان وخارجه، خلال الأسابيع التي سبقت عملية التأهيل الرسمي.

ولا يخفي على أحد، أن المقصود من ذلك هو تمهيد الطريق لشركات صورية أو صغيرة، تعود لأفراد ولمصالح خاصة، لتحل محل الدولة وشركتها الوطنية في مشاركة الشركات العالمية للحصول على حقوق استكشاف وإنتاج، بما فيها حقوق ملكية لقسم من مجموع كميات البترول والغاز التي يتم اكتشافها. ومن هنا نفهم شرط حصر طلب رخصة تنقيب وإنتاج "بشراكة تجارية غير مندمجة" تضم على الأقل ثلاث شركات سبق تأهيلها منها شركة تقوم بدور المشغل (Operator) بحصة 35% على الأقل. وشركتين غير مشغلتين (Non Operators) بحصة 10% على الأقل لكل منهما.

وهو ما يسمح لصاحب صلاحية منح حقوق التنقيب والإنتاج في لبنان إمكانية "نصيحة" الشركات الكبرى الجدية، التي تود القيام بدور المشغل، أن تتخذ كشريك لها واحدة أو أكثر من الشركات الصغيرة الأخرى، أو حتى الشركات الوهمية، التي لم تتردد هيئة البترول في الإعلان رسميا أنها مؤهلة للقيام بهذه المهمة.

وإنني أعرض على سبيل المثال، ولتوضيح ضخامة الفضيحة الحال الآتية:

لنفترض أنه تم إكتشاف حقل ما قيمته 20 مليار دولار مثلا، فتكون الحصة التي تعود لإحدى هذه الشركات الوهمية 10% أي 2 مليار دولار، بالإضافة طبعا إلى العمولات والأرباح على أنواعها طيلة 30 أو 40 سنة.

ومن هنا نفهم ما صدر عن شركة "ENI" الإيطالية، وهي إحدى أكبر شركات تنقيب واستخراج النفط في العالم، من أنها انسحبت من المشاركة بدورة التراخيص في لبنان بعد أن طلب إليها مسؤولون في لبنان وفي وزارة الطاقة دفع مئات ملايين الدولارات، وصلت إلى 10% من أرباحها، لكي تمنحها رخصة تنقيب واستخراج. ولقد سبق لي وأثرت هذه الفضيحة إعلاميا دون أن يتحرك مسؤول أو نيابة عامة للتدقيق في صحة الخبر. وأنني أثير مجددا هذا الموضوع طالبا اعتبار ما ورد في وسائل الإعلام حوله إخبارا رسميا.

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن تحديد الأتاوة التي تعود للدولة بـ 4% من إنتاج الغاز، أي أقل من ثلث نسبة 12,5 % الأكثر إنتشارا في العالم، ما يؤدي إلى أن معدل نصيب الدولة لن يتجاوز في أحسن الحالات 45-50 %، أي أدنى بكثير من الحد الأدنى التي تحصل عليه الدول المنتجة، والذي يتراوح بين 60 إلى 80 % أو حتى 90 كالنروج.

أما كيفية تقاسم الأرباح، حسب المادة 24 من المسودة، فتعتمد آلية المزايدة التي لا يحدد عناصرها القانون أو المرسوم، بل تخضع للتفاوض مع كل شركة على حدة وراء أبواب موصدة، بما يتعارض كليا مع الشفافية التي تحتاجها الشركات المعنية الجدية، كما تتعارض مع المصلحة العامة في البلد المضيف، وهو ما يفتح كل مزاريب الرشاوى والفساد.

الزميلات والزملاء،
دولة رئيس الحكومة،
إن المعلومات التي سردت ليست من نسج خيال، بل هي مضمون دراسة أعدها اختصاصيون في عالم النفط والغاز سبق لهم لفت نظر المسؤولين إليها، وصولا إلى فخامة رئيس الجمهورية. إلا أنه لم يتوقف عندها أحد بكل أسف.

وإنني، إذ أثيرها اليوم، فبقصد لفت النظر، وطلب التدقيق فيها ولوقف جريمة العصر التي ترمي إلى الاستيلاء على ثروة لبنان واللبنانيين النفطية. فالوقت لم يفت بعد، والجريمة لم تتم بعد، إنما عدة ارتكابها حاضرة، فحذار من تركهم يسلبون اللبنانيين. فالمسؤولية كبيرة جدا والأجيال المقبلة ستكون الضحية. فبالله عليكم أوقفوا المخطط قبل أن يفوت الأوان.. ففي الأمر مليارات المليارات من الدولارات، وهي ملك لكل اللبنانيين لا يجوز أن يسلبها أحد.

3- في الكهرباء والحلول التي اعتمدتها الحكومة.

في بلد قريب جدا من لبنان حصل إنفجار كبير في باخرة محملة ذخيرة وأسلحة راسية قرب معمل إنتاج كهرباء، فدمر المعمل بكامله. هذا خبر عادي نعم، إنما ما قامت به حكومة قبرص من تدابير سمحت لها بإعادة بناء المعمل بكامله وتشغيله في فترة زمنية لم تتعد الستة أشهر هو نوع العمل وسرعته الذي يتوق إليه اللبنانيون.

هذا ما جرى في قبرص الغارقة في أزمات اقتصادية ومالية خانقة. أما في لبنان، الذي يبعد ماية ميل فقط عن قبرص، فلا نزال نتخبط في أزمة الكهرباء، ندور على أنفسنا، ننفق مليارات الدولارات دون أي تقدم ودون حل لمشكلة الكهرباء.

لن أعود كثيرا إلى الوراء، وسأنطلق في عرضي من سنة 2010، أيام حكومة الرئيس الحريري الأولى، حين قررت الحكومة، ووافق مجلس النواب، على صرف مبلغ 1,200 مليار دولار أميركي لتنفيذ خطة إنقاذية لوضع الكهرباء، وكان من المفترض أن يؤدي تنفيذ الخطة إلى توفير الطاقة 24 ساعة كل يوم خلال ثلاث سنوات، ولقد ربط القانون 181، الصادر آنذاك، الخطة بالسعي لتمويل الخطة من الصناديق الدولية والعربية وبإنشاء هيئة منظمة وبتشكيل مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، بالإضافة إلى صيانة معملي الجيه والذوق فاستبشر اللبنانيون خيرا.

وبعد مرور سبع سنوات تفاقمت الأزمة، وبعد تكبد اللبنانيين حوالي الـ 22 مليار دولار لدعم الكهرباء، وبدلا من حصولهم على الكهرباء 24 ساعة في اليوم، تدنت ساعات التغذية إلى ما دون 12 ساعة.

ودون الدخول في جدل عقيم حول هذه القضية، أود أن أؤكد على الوقائع الآتية:

1- يوم تقدمت الصناديق العربية بعرض لتمويل إنشاء معامل الإنتاج بقروض ميسرة بفوائد دون 2 % ولآجال طويلة لا تقل عن خمس وعشرين سنة مع فترات سماح طويلة أيضا تتراوح بين 5 و10 سنوات، رفض الوزير المسؤول العرض، زاعما أنه لا يحتاج إلى تمويل، هذا مع معرفته أن الفوائد التي تدفعها الدولة اللبنانية تبلغ 8 %، وهو ما لا يمكن تبريره إلا برغبة وزارة الطاقة بإبعاد أية رقابة من هذه الصناديق على أعمال التنفيذ.

2- لم تنشأ الهيئة المنظمة للكهرباء التي نص عليها القانون.

3- لم يعين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان وهو ما نص عليه القانون أيضا.

4- لم ينته العمل في معملي الجيه والذوق، ولم يوضعا حتى اليوم في الخدمة حتى الآن.

5- أما بالنسبة لإنشاء معمل الإنتاج في دير عمار، فحدث ولا حرج. فلقد أقدمت الوزارة على تلزيم إنشاء معمل إنتاج للطاقة بمواصفات محددة بدفتر شروط. حصلت المناقصة فرست على شركة وطنية تقدمت بأدنى سعر بلغ 650 مليون د.أ. إلا أن الوزير المختص تمنع عن السير بالمناقصة بحجة أن الاعتماد المتوفر لديه هو دون المبلغ الذي رست عليه المناقصة.

فاوض الشركة التي فازت بالالتزام لتخفيض عرضها. أنزلت الشركة عرضها من 650 مليون إلى 580 مليون دولار. إلا أن المبلغ بقي أعلى من الاعتماد المخصص فألغى مجلس الوزراء المناقصة. فقام الوزير بتغيير مواصفات المعمل بإزالة بعض عناصر المعمل كتخفيض علو الداخون وإلغاء خط إمداد المعمل من البحر... وبدلا من تخفيض ثمنها من الإلتزام والسير بالمناقصة، قرر إجراء مناقصة جديدة ففازت شركة "G.P. Avax" القبرصية اليونانية، ووقع خلاف بين الوزارة وديوان المحاسبة حول توجب الضريبة على القيمة المضافة للالتزام وتوقف المشروع.

وإذا ما سألت عن الأسباب يقولون ان قوى سياسية عرقلت المشروع، كما ذهب إليه البارحة الزميل ابراهيم كنعان.

إلا أن النتيجة أن البلاد بقيت دون كهرباء، ما اضطر المواطنين لدفع فاتورتي كهرباء واحدة لمؤسسة كهرباء لبنان والثانية لأصحاب المولدات الكهربائية.

واليوم جاءنا وزير الطاقة بخطة طارئة إنقاذية للكهرباء لصيف 2017، تتضمن تنفيذ اللجوء إلى البواخر لتوليد ما بين 800 و1000 ميغاوات يمكن الاستفادة منها خلال 3 أشهر، وذلك لمدة خمس سنوات وبكلفة 4,250 مليار دولار، ومشروع إنشاء معامل إنتاج يفترض أن تصبح جاهزة خلال 3 سنوات على أبعد حد، بالإضافة إلى معامل لتحويل الغاز السائل المستورد إلى غاز طبيعي عبر محطة تغويز عائمة، بالإضافة إلى مد خط ساحلي لنقل الغاز الطبيعي إلى المناطق، وإنشاء معامل لإنتاج طاقة بقدرة 1000 ميغاوات، من خلال الطاقة الشمسية.

واللافت في الخطة أن وزير الطاقة طرح استئجار معامل عائمة لإنتاج الكهرباء وفق شروط واضحة يتبين منها أنها نوقشت مع شركة معينة معروفة، سبق لوزارته أن تعاقدت معها، وهي شركة "Karandenyz" التركية، وما يدلل على أن الوزير يقترح عمليا عقدا بالتراضي مع هذه الشركة، محضر سابقا للموافقة عليه، مموها باستدراج عروض عالمي شكلي، مع دفاتر شروط مجهزة مسبقا، وبإعلانات في الصحف المحلية تدعو للسخرية وخارج إطار إدارة المناقصات ورقابة مجلس الوزراء.

أما الملاحظة الثانية فهي حول مدة العقد الممتدة لخمس سنوات والتي ستكبد الدولة والشعب اللبناني 4250 مليار دولار أميركي.

أما بالنسبة لما ورد في المشروع حول إنشاء معامل لتحويل الغاز السائل المستورد إلى غاز طبيعي، وهو مشروع جيد مبدئيا بالنسبة للوفر الذي يؤمنه، فإنني أسأل ما هي التدابير الوقائية التي تقترحها الحكومة لئلا تتحول هذه المعامل إلى قنابل موقوتة تعرض محيطها وسكانه للخطر بالنظر لأن أي إنفجار لها يوازي في مفاعيله مفاعيل قنبلة ذرية صغيرة. ولنا في ما يصدر من دراسات علمية حول أخطار هذه المعامل، ولا سيما في بلد كلبنان لا يزال في حالة حرب مع إسرائيل وتحوط به منظمات إرهابية لا يردعها ضمير ووجدان. ولنا في التدابير التي تتخذها إسرائيل لحماية شعبها من مخاطر معمل الأمونياك خير دليل.

أما بالنسبة لخطة إنشاء معامل فوتوفولتية بقدرة 1000 ميغاوات، فيتبين من عرض الوزير أنه يعلم مجلس الوزراء بموافقته على عرض إحدى الشركات من أجل تصميم وتركيب وتشغيل معامل فوتوفولتية، زاعما أن الأسعار التي تقدمها الشركة تنافسية مع أنظمة الإنتاج الأخرى، لكنه لم يبين لمجلس الوزراء تنافسية الأسعار التي تقدمها الشركة مع أسعار الشركات الأخرى التي تقدم هذه الخدمة بالذات، ما لم يسمح لمجلس الوزراء دراسة صحة الأسعار المقترحة وعدالتها وملاءمتها. هذا بالإضافة إلى أن الإلتفاف على مبدأ المناقصات واستدراج العروض الدولية وعلى موافقة مجلس الوزراء تثير الشكوك والريبة.

وما بلغنا أن عددا كبيرا من الوزراء رفض إقرار هذا المشروع، ما دفع الوزير المختص إلى سحب المشروع، بعد إفتضاح الأمر.

إن الشعب اللبناني يطالب بحل مشكلة إنقطاع التيار الكهربائي واضطراره لدفع فاتورتين للكهرباء، وهو مستعد للقبول برفع التعرفة لمؤسسة كهرباء لبنان إذا لم يعد بحاجة إلى دفع فاتورة للمولدات في الأحياء. إلا أنه ليس على استعداد لتحميل الدولة نفقات غير مجدية وزيادة العجز وديون الدولة لكي يستفيد بعض المسؤولين والسماسرة.

ومن هذا المنطلق، أتساءل عن سبب استئجار البواخر لإنتاج الكهرباء لخمس سنوات ودفع مبلغ 4250 مليار دولار في الوقت الذي تلتزم الحكومة بإنشاء معامل إنتاج الكهرباء التي تغطي كامل إحتياجات لبنان خلال 3 سنوات كحد أقصى؟

ويتساءل الشعب اللبناني لماذا نستأجر البواخر ولا نشتريها فتبقى ملكا للدولة بدل دفع إيجار باهظ لها à fond perdu، وقد يكون ثمنها أرخص من بدل استئجارها.

ويتساءل الشعب اللبناني عن خلفيات إختيار شركة "Karandenyz" مسبقا، وتغطية ذلك بمسرحية الإعلان في الصحف المحلية عن حاجة الوزارة لاستئجار بواخر لإنتاج الكهرباء، في الوقت الذي يجب أن يوجه الإعلان للشركات الدولية وفي الصحف الأجنبية.

لقد شبعنا مواربة وتحايلا وتذاكيا. وأنصح من بيدهم الأمر أن يدركوا أن شعبنا على بينة من حقيقة ما يجري، وبأنه لا يمكن أن يقبل بعقد صفقة مفضوحة على حسابه، لكي يستفيد منها بعض المسؤولين والسماسرة والوكلاء.

فليس هكذا تستعيدون ثقة الشعب بدولتهم، عيب ما يجري ولا يجوز أن يمر. ترفعون شعار مكافحة الفساد وتسمحون لبعضكم بطرح مشاريع مليئة بالإفساد والإثراء على حساب سلسلة الرتب والرواتب العائدة لهم لعدم توفر العائدات التي تغطي كلفتها. ونحن لا يمكن أن نقبل بتمرير هذه الصفقات، ولن نسكت، وأن يوم الحساب سيحل ولن يفلت المتورطون فيها من العقاب.

4- في مكافحة الفساد:
قال نجيب محفوظ: "عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع الفساد".

1- إن مكافحة الفساد ليس قصيدة أو لازمة نطلقها ونتغنى بها. إنها قرار ومسار والتزام وتجرد وترفع فكيف يكافح الفساد وتتسابق القوى السياسية على ملء الشواغر في الدولة بأزلامها ومحاسبيها، مع إقرارنا ببعض الخيارات الجيدة لبعض الأشخاص في مراكز أمامية هامة، ولا سيما في أجهزة الرقابة من رئاسة التفتيش القضائي والتفتيش المركزي.

2- وكيف نصلح الحال إذا لم نبدأ بإصلاح القضاء عبر تكريس استقلاليته، وإطلاق يد مجلس القضاء في إجراء تشكيلات قضائية تعتمد الكفاية والنزاهة والمسلكية الصحيحة، وعدم عرقلتها أو تأخيرها، كما يحصل اليوم بمشروع التشكيلات التي أقرها مجلس القضاء الأعلى بكل أسف، والمبادرة إلى تعديل المادة 5 قضاء عدلي باعتبار التشكيلات نافذة دون مرسوم من السلطة التنفيذية، ولنا الثقة والأمل بأن يبادر وزير العدل إلى أخذ المبادرة بالنظر لكونه محاميا ممارسا يفترض به أن يدرك تماما مكامن الخلل وطرق معالجتها.

3- إعتماد مبدأ مناصرة رأي الأجهزة الرقابية (من خدمة مدنية وديوان المحاسبة) متى اختلفت مع الوزراء، والعودة إلى ما كان جاريا أيام المرحوم الرئيس شهاب الذي كان يقف دائما إلى جانب الأجهزة الرقابية ضد السياسيين، وهو ما أسس سابقا لإدارة سليمة وما سيساعد على مكافحة الفساد اليوم.

4- أوقفوا كل الصفقات بالتراضي، وعززوا إدارة المناقصات لكي تصبح قادرة على إجراء كل مناقصات الدولة بالسرعة المطلوبة.

5- تعالوا نتنازل عن الحق بالسرية المصرفية كمتولين للخدمة العامة، والسير باقتراح القانون الذي تقدمنا به والذي لا يزال جامدا في أدراج المجلس، ولم يحل بعد إلى لجنة الإدارة والعدل لإقراره رغم تقديمه منذ أشهر.

فمكافحة الفساد تبدأ من رأس السلم، من الحكومة بالذات، لأنه إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد، كما قال كونفوشيوس فإذا كنتم عاجزين عن طرد اللصوص من الهيكل، فعبثا تبشرون بمكافحة الفساد. وعبثا نأمل بالخير لأن "شبكة الفساد تكون أصبحت أكبر من شبكة الصرف الصحي" كما قال جلال عمر". 

7 نيسان 2017

إرسال تعليق

 
Top