0
لعلّ أكثر ما يهمّ لبنان من تصميم الرئيس الأميركي دونالد ترامب القيام بما تعهّد به خلال حملته الإنتخابية ألا وهو إقامة منطقة آمنة في سوريا لإيواء اللاجئين السوريين وضمان عدم انتقالهم الى دول أخرى ومنها بلاده، هو أن يتمكّن من إعادة النازحين السوريين فيه اليها لوقف الأعباء المتفاقمة الناجمة عن استضافتهم والتي لم يعد لبنان يستطيع تحمّلها لمدّة أطول بعد رغم مساعدات الدول المانحة له.
 
ويبدو أنّ خيار إنشاء هذه المنطقة الآمنة بات أقرب الى الواقع مع موافقة فرنسا وبريطانيا، ودول عربية عدّة منها السعودية، فضلاً عن تركيا على إقامتها وإن كانت روسيا التي خفّفت من معارضتها لهذا التوجّه لا تزال تشترط موافقة النظام على إقامتها لا سيما وأنّه يتخوّف من أن تتحوّل معقلاً للمعارضين له. علماً أنّ المنطقة الآمنة يُفترض أن تكون منطقة حظر الطيران أي لا يُسمح للطائرات الحربية بالطيران فوقها، وقد تُعتبر منطقة منزوعة السلاح، إلا أنّ هذا الأمر يتوقّف على الشروط التي ستقوم عليها هذه المنطقة.
 
ومن الآن حتى تضع الإدارة الأميركية خطة لإنشاء هذه المنطقة، ما يتطلّب ثلاثة أشهر تقريباً، فإنّ المطلوب من لبنان، على ما ذكرت أوساط ديبلوماسية متابعة، أن يُسوّق لدى الأسرة الدولية ضرورة إدخال النازحين السوريين لديه في حسابها، فلا تقتصر المنطقة الآمنة على استضافة الفارّين من مناطق الصراع اليها. فضلاً عن أنّ لبنان يُمكنه أن يُساهم في إعادة إعمار سوريا بما يملك من مهندسين ومتخصّصين ذوي خبرة، شرط تأمين المبالغ المالية المطلوبة.
 
وكشفت الاوساط بأنّ السعودية قد تعهّدت للرئيس الأميركي دفع تكاليف المنطقة الآمنة، من دون معرفة المقابل الذي ستحصل عليه، والذي قد يكون بسط سيطرتها مجدّداً في المنطقة، أو على الأقلّ حمايتها من كلّ ما قد يُعكّر الأمن والاستقرار في المملكة. علماً أنّ إنشاء المنطقة يترتّب عليه بالدرجة الأولى موافقة الحكومة السورية الحالية، وإقناعها بجدوى هذه المنطقة، وإلاّ فإنّها تبقى حلاً مؤقّتاً للنازحين غير قابل للتنفيذ. فضلاً عن ضرورة مشاركة ورعاية الأمم المتحدة لها كونها ستكون على الحدود السورية- التركية، على ما يجري تداوله.
 
ومن المرجّح أن تتألّف المنطقة من ثلاثة أقسام، على ما تقول المعلومات، إثنان في الشمال في ريف حلب على الحدود التركية من عين ديوار حتى أعزاز، لا سيما منطقة جرابلس نظراً لكبر مساحتها، والثالث في الجنوب على الحدود السورية- الأردنية قد يكون من درعا وصولاً الى ريف القنيطرة. على أنّ إنشاء هذه المنطقة يتطلّب هذا الأمر اتفاقاً أميركياً- روسياً في بداية الأمر ثمّ بين السعودية وتركيا لبدء التطبيق على الأرض.
وبالطبع سيتمّ تحديد قوة، على ما أشارت الاوساط، قد تكون دولية وتابعة للأمم المتحدة، لحماية هذه المنطقة من أي اعتداء خارجي عليها، ومن الممكن أن يتمّ ذلك عن طريق توسيع مهام قوة الأمم المتحدة لفضّ الإشتباك «أندوف» العاملة حالياً في الجولان السوري، أو قد تتولّى قوّات الولايات المتحدة والدول الحليفة لها هذه المهمة.
 
ولكن يتخوّف البعض، على ما أوضحت، الاوساط من أن تجتذب مثل هذه المنطقة بعض المتطرّفين فيتسلّلون اليها بين النازحين، على غرار ما حصل في جرود عرسال، بهدف إعادة تنظيم صفوفهم فيها، فتُشكّل مجدّداً خطراً كبيراً على أمن الدول المجاورة، لا سيما إذا ما راحوا يخطّطون لتنفيذ عمليات إرهابية فيها. وهي إحدى العواقب التي قد تحول دون موافقة النظام السوري على إنشائها، إن لم يحصل على ضمانات من روسيا بعدم إسقاطه.
 
كذلك تقول الأوساط بأنّ إقامة هذه المنطقة سيتطلّب إخراج كلّ القوى العسكرية المشاركة في المعارك في سوريا، ولا سيما منها «الحرس الثوري الإيراني» و«حزب الله»، ما يعني بالضرورة موافقة إيران والحزب على ذلك. وكلّ ذلك يتطلّب بالطبع إتمام المفاوضات السياسية والتوافق على المضي في هذه الخطوة. وحتى الآن لا يُمكن معرفة موقف إيران أو «حزب الله» من ذلك، لا سيما وأنّه سيتزامن مع التفاوض السياسي على مستقبل سوريا.
 
ولكن ما يهمّ لبنان بحسب الاوساط هو إنهاء تداعيات الأزمة السورية عليه، أو على الأقلّ إيقافها لا سيما منها النزوح السوري الكثيف، وتسلّل الإرهابيين الى المناطق اللبنانية الداخلية لتوتير الأمن فيها. أمّا إذا كانت المنطقة الآمنة ستستوعب فقط النازحين في تركيا، أو نازحي الداخل السوري فقط، فإنّ معاناة لبنان جرّاء استضافة السوريين ستبقى على حالها. غير أنّ الأوساط نفسها، طمأنت بأنّ الحلّ يجب أن يشمل الدول المجاورة لا سيما منها لبنان والأردن وتركيا، مؤكّدة بأنّه من الصعب إقامة أي قسم من هذه المنطقة على الحدود اللبنانية- السورية نظراً لعدم وجود مساحات كبيرة تصلح لهذه الغاية.
 
في الوقت نفسه، فإنّ المساحات القريبة من كلّ من تركيا والأردن شاسعة وتستطيع استيعاب مئات آلاف النازحين، ولهذا تمّ اختيارها لإنشاء المناطق الآمنة فيها. علماً أنّ عدم إقامة أي منطقة على الحدود اللبنانية لا يجب أن يُلغي حقّ لبنان باستعادة عافيته عن طريق إعادة النازحين السوريين الى بلادهم.
 
ولا يُطالب لبنان بأي تعويض لاستضافتهم، على ما أوضحت الاوساط، سوى بإعادة البنى التحتية وكلّ ما خسره جرّاء استضافة النازحين السوريين لسنوات، الى ما كان عليه قبل تداعيات الأزمة السورية. فيما عدا ذلك، فإنّ لبنان يرفض التوطين أو دمج النازحين السوريين في مجتمعه، انطلاقاً من رفض دستوره لهذا الأمر، وهذا ما يجب التذكير به في المحافل الدولية عند البحث الجدّي والنهائي في خطة المنطقة الآمنة، لكي لا يعود النازحون السوريون الى بلادهم من كلّ من تركيا والأردن فقط، ويبقون لديه بحجة عدم إنشاء منطقة آمنة على حدوده مع سوريا.

دوللي بشعلاني - "الديار" - 8 نيسان 2017

إرسال تعليق

 
Top