0
لم تخرج الرسالة الخماسية الى القمة العربية عن السياق السياسي العام الذي سبق توجه رئيسي الجمهورية والحكومة الى الاْردن للمشاركة في اعمال القمة، والمسكون بهواجس قوى فاعلة خرجت عن الاصطفاف السياسي الذي حكم البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ورغم تشديد بعض موقّعيها على ان الرسالة هي نتاج توافق بين رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين الذين تداعوا الى اللقاء حول مأدبة غداء دعا اليها الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، ورغم تأكيد طابع السرية الذي أحاط بالنقاشات وصولا إلى إقرار الورقة، فإن كل المعطيات تشي بخلاف ذلك، وبأن اللقاء، ومن بعده صياغة الرسالة، لم يحصلا من دون معرفة واستشارة قيادات سياسية اخرى، في مقدمها رئيس الحكومة سعد الحريري.
لم تكن كافية للمجموعة الموقعة على الرسالة، تطمينات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انه لا يحمل الى القمة إلا رسالة سلام ومحبة من اللبنانيين، كما قال في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة قبيل توجهه الى البحر الميت.
ولم يكن كافيا كذلك ان تقتصر كلمته امام القمة، على أهميتها، على العموميات والغموض البنّاء لطمأنة العرب الى موقف لبنان من المسائل الشائكة المطروحة اقليميا، والتي للبنان علاقة مباشرة بها نتيجة تورط "حزب الله" في سوريا وعدد من الدول العربية، وهو الامر الذي يقض مضجع اكثر من دولة عربية، ويسيء الى علاقة لبنان بهذه الدول.
ذلك ان الموقف الذي كان سبق لرئيس الجمهورية ان أعلنه من مصر حيال سلاح "حزب الله" المكمل لسلاح الجيش، شكل التعبير الاصدق عن توجهات العهد الجديد، وكان لا بد من مواقف اكثر تقدما ووضوحا لإزالة ما تركه الكلام الاول من ترددات سلبية في الوسط العربي، خصوصا ان ذلك الكلام، معطوفا على انضمام الرئيس الحريري الى الوفد الرئاسي، ترك انطباعاً واضحاً حيال وحدة الموقف السياسي مع رئيس الجمهورية. علما ان المشهد الوحدوي الذي تجلى بسير الرئيسين جنبا الى جنب، لا يعكس عمليا وحدة في الموقف السياسي وفي السياسة الخارجية.
والحريري الحريص على إبراز تضامنه ووحدة موقفه مع رئيس الجمهورية، كان في حاجة الى التمايز عنه في الموقف من "حزب الله". ولم يكن ممكنا لرئيس الحكومة ان يصدر موقفا يتجاوز فيه رئيس الجمهورية، ويطال فيه شريكا أساسيا في الحكم هو الحزب، علما ان صمت الحريري فُسر في أكثر من وسط سياسي على انه قبول بالمعادلة التي أرساها عون، وتنازل عن ثوابت وطنية تقضي برفض أي سلاح خارج السلاح الشرعي.
جاءت رسالة خمسة رؤساء جمهورية وحكومة سابقين بما يمثلون طائفياً، لتعبّد الطريق امام الحريري للقول ان مشهد الحكم الموحد لا ينسحب على الداخل، وأن الرأي الآخر الذي تمثله مجموعة كبيرة من اللبنانيين، وهي اكثرية في البرلمان، لا زالت متمسكة بالثوابت الوطنية المدرجة في الرسالة.
وفي رأي مراجع مشاركة في التوقيع ان الرسالة فعلت فعلها، وما ردود الفعل المتعاظمة عليها الا تأكيدا لقوتها وعلى تحقيق أهدافها. وهي إذ تنطلق من تأكيدها الجازم بان الحريري لم يكن بعيدا من أجوائها، كاشفة ان احد الموقعين قرأ له النص عبر الهاتف، تشير الى ان هذه الخطوة أدت الى فتح أبواب المملكة مجددا امام الحريري.
وما مرافقة رئيس الحكومة للملك سلمان في الطائرة الملكية الا أولى الخطوات العملية السياسية لعودة المملكة الى لبنان. وفي رأي المراجع ان ثمة رسالتين تضمنتهما الرحلة الملكية من البحر الميت الى الرياض فبيروت هما:
- ان السقوف الهادئة للقمة العربية لا تعكس تبدلا في الموقف الخليجي عموما والسعودي خصوصا من التدخل الايراني في المنطقة ومن ابرز أدواته "حزب الله" في لبنان، وان على لبنان ان يتعامل مع هذا الامر من هذا المنطلق.
- ان الذهاب الى المملكة في الطائرة الملكية لا يتوقف عند تعويم زعيم السنّة في لبنان سعوديا، وإنما لقطع الطريق على ما يثار عن إقصاء للرجل وكسر حصريته في الزعامة على حساب تقوية شخصيات سنية اخرى.
فالهدف من التعويم برأي المراجع ليس اعادة حق الحصرية وإنما منع العزل عن الحريري من جهة ومنع الاستفراد "العوني - الحزب إلهي" به في السلطة!

سابين عويس - النهار 3 نيسان 2017

إرسال تعليق

 
Top