"التحالف الثنائي" الذي وزّع آمالاً كبيرة وأحلاماً لدى المناصرين ليس على ما يُرام. ويبدو أن الانتخابات النيابية يُمكن أن تفرّق ما جمعته الانتخابات الرئاسية ثم البلدية والاختيارية. مرة أخرى يجد سمير جعجع -مع حفظ الألقاب- نفسه أمام خيارات مكلفة سواء استمر في التحالف الأشبه بحُبٍ من طرف واحد أو تراجع عنه تحت وطأة تراكم خسائره بسبب من موقف الطرف الآخر الشريك حياله.
كان جبران باسيل جدياً وهو يسأل بعض من يعرفون جيداً جعجع في مقره بوزارة الخارجية أيام حكومة تمام سلام، لماذا يرفض رئيس "القوات" جذرياً فكرة تأييد حليفه سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية للرئاسة. كان الجواب لأن فرنجية سوف يُسخر السلطة التي بين يديه لتقليص حجم "القوات" وقد يضغط ليصل هذا الحجم إلى نائبين عن بشري لا أكثر، وبعد معركة. حبكت النكتة مع باسيل فقال لمحدثيه: إنها فكرة جيدة. وكان الوقت أيام "ورقة النوايا" التي يظهر من تسلسل أحداث الأيام الماضية أنها لم تعد جيدة. بالأحرى باتت مغلفة بأوراق شكوك متبادلة، تطرح مبدأ التحالف برمته على بساط البحث من جديد.
عندما انتهى في معراب الإعلان الرسمي أول من أمس لترشيح "القوات" فادي سعد للنيابة عن قضاء البترون وتحوّل اللقاء مغلقاً، أبلغ جعجع المسؤولين في حزبه المجتمعين في الصالة ما مفاده أن لا أحد يفرض على "القوات" في البترون من يكون مرشحها ولا من يكون حليفها وكل الاحتمالات واردة، وأبواب تنورين غير مقفلة أمامنا. نحن وبطرس حرب نلتقي على نظرة واحدة استراتيجية إلى قضايا الوطن، ترسخت في "لقاء قرنة شهوان" وفي 14 آذار 2005 واستمرت . لا شيء محسوماً في التحالفات الانتخابية. وكان يعلم جعجع أن كلامه سيصل لمن أوصل إليه بالتواتر أن "القوات" تعتبر نفسها شريكة في الحكم لأنها انتخبت الجنرال ميشال عون للرئاسة، وهي مخطئة في هذه النظرة لأنها انتخبته مرغمة من أجل تلافي الأسوأ بالنسبة إليها.
في السياسة أيضاً يلعب "زق الصحون" دوراً سلبياً في العلاقات، ولكن حين تصل المسائل إلى اتخاذ مواقف وقرارات تعني المواطنين برمتهم لا تعود مسألة علاقات شخصية. في لقاء الأحد الماضي في حبوب- جبيل، قال باسيل أمام هيئة "التيار الوطني الحر" في بلدة تنورين لن تكون لائحة انتخابية للبترون لا تضم شخصية من تنورين. وهذه مسألة تدخل صميم العلاقات المتشابكة بين "التيار" و"القوات" التي لم تكن حسمت خيارها بين الطبيبين فادي سعد ، من بلدة جران في الوسط وابن تنورين وليد حرب. لكن القرارات والكلمات العلنية وغير العلنية في مواضيع أخرى ليست أقل تأثيراً. بديهي أن لمعراب موقفاً مختلفاً عن "التيار" في موضوع "حزب الله" وسلاحه تشارك فيه "تيار المستقبل" . لكن "المستقبل" بدا شريكاً في الحكم والمغانم في جلسة التعيينات الأخيرة الأربعاء الماضي، فيما "القوات" مثل "المردة" والحزب التقدمي الاشتراكي وغيرهما لم تعرف بالأسماء عبر وزرائها إلا قبل ربع ساعة، فتحفظوا من دون أن يغادروا الجلسة كما فعل مروان حمادة، ولا أن يهددوا بالانسحاب والاستقالة كما فعل وزير "المردة" يوسف فنيانوس. قبلها كانت "واقعة الكهرباء" التي كهربت الجو. ولكن الأخطر ما يتناقله مسؤولون "قواتيون" عن أبواب شبه موصدة أمام التحالف الانتخابي مع العونيين في جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وزحلة وكل مكان... مما يكثف الظلال على طريق التحالف، وقد ينبئ بعواصف لاحقاً.
والحال أنه لم يحصل سابقاً أن تشكلت لائحة انتخابية في البترون من دون مرشح عن تنورين يحظى بامتدادات في الجرد وصولاً إلى الوسط. الإستثناء كان عام 1968 حين لم يتفق أقطاب "الحلف الثلاثي" على تلك الناحية فترشح جورج سعادة ابن شبطين مع يوسف ضو من البترون لأن مانويل يونس عزف عن الترشح، وفي المقابل تحالف سايد عقل مع جان حرب . وفاز بالنتيجة مرشحا الكتائب سعادة، والكتلة الوطنية عقل. إنما هذا تفصيل تاريخي. واختلال القاعدة في التحالف اليوم مرده إلى شعور عند أركان العونية بأن جعجع يضع شروطاً ليؤيد العهد والمطلوب أن يؤيده بدون شروط، ربما على غرار ما فعل مؤسس الكتائب بيار الجميّل، عندما وقف بجانب الرئيس سليمان فرنجية ليس في جلسة الانتخاب فحسب بل في كل مراحل حكمه. وحتى عندما تخلى عنه الجميع في مرحلة من "حرب السنتين" عام 1976، مع أنه لم يكن معجباً بفرنجية ولا يحبه. ويروي بعض من عاصروا تلك الحقبة أن رشيد كرامي استدعى إليه النائب الكتائبي جوزف شادر بعد دورة الاقتراع الأولى في البرلمان لانتخاب الرئيس عام 1970 وقال له ما فحواه إن النتيجة تبدو غامضة، وقد تفرق على صوت أو صوتين. قل للشيخ بيار إننا (نواب النهج الشهابي) مستعدون لانتخاب الشيخ موريس الجميّل رئيساً بالإجماع إذا وافق هو وأقنع "الحلف" ( الثلاثي). وأنا سأقنع كمال جنبلاط وصبري حمادة والباقين.
كان بيار الجميّل الذي نال 6 أصوات في دورة الاقتراع الأولى يجلس جامداً في الجلسة كتمثال أبي الهول. أبلغه شادر برسالة كرامي فلم يتحرك، مع أن العرض أجمل من أن يُصدّق: رئيس جمهورية كتائبي في سنة 1970 ! أجاب بيار الجميّل بالفرنسية: لا يا جوزف. لقد أعطينا سليمان فرنجية وعداً.
هكذا يريد العهد من جعجع أن يكون. بتجرّد ودون تردد ولا شروط.
كان جبران باسيل جدياً وهو يسأل بعض من يعرفون جيداً جعجع في مقره بوزارة الخارجية أيام حكومة تمام سلام، لماذا يرفض رئيس "القوات" جذرياً فكرة تأييد حليفه سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية للرئاسة. كان الجواب لأن فرنجية سوف يُسخر السلطة التي بين يديه لتقليص حجم "القوات" وقد يضغط ليصل هذا الحجم إلى نائبين عن بشري لا أكثر، وبعد معركة. حبكت النكتة مع باسيل فقال لمحدثيه: إنها فكرة جيدة. وكان الوقت أيام "ورقة النوايا" التي يظهر من تسلسل أحداث الأيام الماضية أنها لم تعد جيدة. بالأحرى باتت مغلفة بأوراق شكوك متبادلة، تطرح مبدأ التحالف برمته على بساط البحث من جديد.
عندما انتهى في معراب الإعلان الرسمي أول من أمس لترشيح "القوات" فادي سعد للنيابة عن قضاء البترون وتحوّل اللقاء مغلقاً، أبلغ جعجع المسؤولين في حزبه المجتمعين في الصالة ما مفاده أن لا أحد يفرض على "القوات" في البترون من يكون مرشحها ولا من يكون حليفها وكل الاحتمالات واردة، وأبواب تنورين غير مقفلة أمامنا. نحن وبطرس حرب نلتقي على نظرة واحدة استراتيجية إلى قضايا الوطن، ترسخت في "لقاء قرنة شهوان" وفي 14 آذار 2005 واستمرت . لا شيء محسوماً في التحالفات الانتخابية. وكان يعلم جعجع أن كلامه سيصل لمن أوصل إليه بالتواتر أن "القوات" تعتبر نفسها شريكة في الحكم لأنها انتخبت الجنرال ميشال عون للرئاسة، وهي مخطئة في هذه النظرة لأنها انتخبته مرغمة من أجل تلافي الأسوأ بالنسبة إليها.
في السياسة أيضاً يلعب "زق الصحون" دوراً سلبياً في العلاقات، ولكن حين تصل المسائل إلى اتخاذ مواقف وقرارات تعني المواطنين برمتهم لا تعود مسألة علاقات شخصية. في لقاء الأحد الماضي في حبوب- جبيل، قال باسيل أمام هيئة "التيار الوطني الحر" في بلدة تنورين لن تكون لائحة انتخابية للبترون لا تضم شخصية من تنورين. وهذه مسألة تدخل صميم العلاقات المتشابكة بين "التيار" و"القوات" التي لم تكن حسمت خيارها بين الطبيبين فادي سعد ، من بلدة جران في الوسط وابن تنورين وليد حرب. لكن القرارات والكلمات العلنية وغير العلنية في مواضيع أخرى ليست أقل تأثيراً. بديهي أن لمعراب موقفاً مختلفاً عن "التيار" في موضوع "حزب الله" وسلاحه تشارك فيه "تيار المستقبل" . لكن "المستقبل" بدا شريكاً في الحكم والمغانم في جلسة التعيينات الأخيرة الأربعاء الماضي، فيما "القوات" مثل "المردة" والحزب التقدمي الاشتراكي وغيرهما لم تعرف بالأسماء عبر وزرائها إلا قبل ربع ساعة، فتحفظوا من دون أن يغادروا الجلسة كما فعل مروان حمادة، ولا أن يهددوا بالانسحاب والاستقالة كما فعل وزير "المردة" يوسف فنيانوس. قبلها كانت "واقعة الكهرباء" التي كهربت الجو. ولكن الأخطر ما يتناقله مسؤولون "قواتيون" عن أبواب شبه موصدة أمام التحالف الانتخابي مع العونيين في جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وزحلة وكل مكان... مما يكثف الظلال على طريق التحالف، وقد ينبئ بعواصف لاحقاً.
والحال أنه لم يحصل سابقاً أن تشكلت لائحة انتخابية في البترون من دون مرشح عن تنورين يحظى بامتدادات في الجرد وصولاً إلى الوسط. الإستثناء كان عام 1968 حين لم يتفق أقطاب "الحلف الثلاثي" على تلك الناحية فترشح جورج سعادة ابن شبطين مع يوسف ضو من البترون لأن مانويل يونس عزف عن الترشح، وفي المقابل تحالف سايد عقل مع جان حرب . وفاز بالنتيجة مرشحا الكتائب سعادة، والكتلة الوطنية عقل. إنما هذا تفصيل تاريخي. واختلال القاعدة في التحالف اليوم مرده إلى شعور عند أركان العونية بأن جعجع يضع شروطاً ليؤيد العهد والمطلوب أن يؤيده بدون شروط، ربما على غرار ما فعل مؤسس الكتائب بيار الجميّل، عندما وقف بجانب الرئيس سليمان فرنجية ليس في جلسة الانتخاب فحسب بل في كل مراحل حكمه. وحتى عندما تخلى عنه الجميع في مرحلة من "حرب السنتين" عام 1976، مع أنه لم يكن معجباً بفرنجية ولا يحبه. ويروي بعض من عاصروا تلك الحقبة أن رشيد كرامي استدعى إليه النائب الكتائبي جوزف شادر بعد دورة الاقتراع الأولى في البرلمان لانتخاب الرئيس عام 1970 وقال له ما فحواه إن النتيجة تبدو غامضة، وقد تفرق على صوت أو صوتين. قل للشيخ بيار إننا (نواب النهج الشهابي) مستعدون لانتخاب الشيخ موريس الجميّل رئيساً بالإجماع إذا وافق هو وأقنع "الحلف" ( الثلاثي). وأنا سأقنع كمال جنبلاط وصبري حمادة والباقين.
كان بيار الجميّل الذي نال 6 أصوات في دورة الاقتراع الأولى يجلس جامداً في الجلسة كتمثال أبي الهول. أبلغه شادر برسالة كرامي فلم يتحرك، مع أن العرض أجمل من أن يُصدّق: رئيس جمهورية كتائبي في سنة 1970 ! أجاب بيار الجميّل بالفرنسية: لا يا جوزف. لقد أعطينا سليمان فرنجية وعداً.
هكذا يريد العهد من جعجع أن يكون. بتجرّد ودون تردد ولا شروط.
ايلي الحاج - النهار 11 اذار 2017
إرسال تعليق