0
كانت سلسلة الرتب والرواتب هي الحاضر الاول في جدول أعمال البلد، وشخصت أنظار الموظفين في اتجاه المجلس النيابي، وحبسوا أنفاسهم ترقّباً لتصاعد الدخان الابيض من الهيئة العامة للمجلس إيذاناً بإقرارها، بما يُنهي سنوات طوال من المطالبة بها وإحقاق هذا الحق لفئات الموظفين على اختلافها.
واذا كان سلوك سلسلة الرواتب طريق إقرارها في الهيئة العامة لمجلس النواب بعد سنوات من المطالبة بها كحق للموظفين، يُعتبر علامة إيجابية، الّا انّ الرياح جرت بما لا تشتهي المطالبات بالوصول الى سلسلة متوازنة منصفة للموظفين ولا تصدع خزينة الدولة، بل بما تشتهي الضرائب التي استسهل المصرّون عليها مد اليد على جيوب الفئات الشعبية كأقرب حل لتغطية أكلاف السلسلة بضرائب ورسوم جديدة، تطيح أيّ زيادة تحققها السلسلة للأساتذة والموظفين الذين نظروا اليها كفرصة لا تتكرر لتحسين ظروف معيشتهم، لا ان تأخذ منهم ما هو موجود وما هو غير موجود معهم.

وبالتالي، تجاهلوا المصادر الحقيقية لتأمين العائدات التي تغطي أكلاف السلسلة وغيرها، وأبرزها إصلاح اداري جدي وانتهاج سياسة مالية واقتصادية سليمة وإطلاق العجلة الانتاجية على أسس مفيدة للمالية العامة وإنهاء حالة الفساد المستشري في كل القطاعات من دون استثناء، وسدّ كل مسارب الهدر والنزيف في خزينة الدولة وخصوصاً في المراكز التي تشكل رافداً اساسياً لها، وقبل كل ذلك إنهاء المحميّات السياسية التي تغطي هذا الهدر والصرف العشوائي.

كان المأمول أن تكون السلسلة في دائرة الحسم من دون ان تشكّل عبئاً على المواطن اللبناني الذي مَنّ عليه النواب برفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 11 في المئة، وبرفع رسم الطابع المالي من 1000 ليرة الى 4000 ليرة، اضافة الى بنود ضريبية اخرى والحبل على الجرّار. في وقت شهدت الجلسة التشريعية سَيلاناً كلامياً غزيراً من دون ان يقدّم حلولاً جدية او بدائل للضرائب التي تطاول الفئات الشعبية.

ولعلّ الصورة الفاقعة تجَلّت في انّ قسماً كبيراً من النواب، وربما بعض الوزراء ايضاً، بَدا انه غارق في شعارات وكلام سطحي، لا يعلم حجم أعباء السلسلة ومضمونها وكلفتها والمستفيدين منها، وكيفية توزعها.

يضاف إلى ذلك عدم معرفة بعض النواب، ومعهم بعض الوزراء، للعدد الحقيقي للموظفين والعاملين والمتقاعدين والمتعاقدين في القطاع العام، الذين يستفيدون من السلسلة. وكذلك الجهل الفاقع لتداعيات الضرائب وآثارها السلبية على المواطن اللبناني.

وطبيعي امام هذا الجهل، أن تبقى السلسلة محاصرة بالعجائب، اولاً لأنها ليست متوازنة، إذ انها تبرز الهوة السحيقة جدا بين الزيادات التي شملت «الفئة الذهبية» من القيّمين على الدولة والمؤسسات، وبين الزيادات التي شملت عشرات الآلاف من العاملين والموظفين في الادارات والمؤسسات العامة والوزارات والهيئة التعليمية.

ولأنها ثانياً، في ظل الأزمة المالية التي يعانيها البلد، تقدّم نوعاً من التمييز فتظهر فئة بـ«سمن وعسل» وفئة اخرى بأقلّ من زيت، وتطرح علامات استفهام حول الزيادات المقترحة للمستويات الرسمية والتمثيلية، ولا تقدّم أجوبة حقيقية او مقنعة في شأن أحقية هذه «الفئة الذهبية» بالأرقام والمبالغ التي تتقاضاها، خصوصاً أنها ترافقها ليس حتى الممات بل حتى وَلد الولد. ناهيك عن أنها لا تقدّم أجوبة جدية ومطلوبة عن الأسباب المانعة للطاقم السياسي في ولوج باب تحقيق الايرادات من المصادر الحقيقية.

إنعكاسات "السلسلة"

والأكيد انّ السلسلة، كما ستخرج من مجلس النواب، ستنعكس حتماً على اسعار السلع وتحرّك شهيّة غول الغلاء الذي سيستهدف المواطن العادي قبل اي احد آخر، ما قد يفتح الباب على مرحلة جديدة من الأخذ والرد والنقاش والتجاذب، خصوصاً انّ الهيئات النقابية والحركة المطلبية تلوّح بخطوات تصعيدية، في مقابل الهيئات الاقتصادية التي ما زالت تدقّ ناقوس الخطر وتحذّر من اي أكلاف او اعباء على الوضع الاقتصادي بشكل عام، والذي يشهد انتكاسات متتالية. 

"الجمهورية" - 16 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top