سيسجّل «حزب الله» انتصاراً ثانياً بإقرار القانون النسبي، بعد الانتصار الأول بإيصال حليفه العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ولو كان خياره الثاني بعد النائب سليمان فرنجية.
صحيح أن لا مشكلة لدى «الحزب» والرئيس نبيه بري في أيّ قانون انتخاب يتمّ اعتماده، لكنّ النسبية لا تكتفي بمَنحهما التمثيل الشيعي كاملاً، مع خروقات بسيطة محتملة، بل تتيح لهما تحقيق خروقات واسعة في الفئات الأخرى، السنّية والمسيحية والدرزية. وفي النتيجة، ستنتج النسبية مجلساً نيابياً تكون فيه الغالبية لـ«حزب الله» وحلفائه السنّة والمسيحيين والدروز.
هذا الأمر سيمنح «الحزب» وضعاً مريحاً داخل السلطة التشريعية، طوال عهد عون، وتالياً داخل السلطة التنفيذية، ما يمكّنه من التحكّم بالخيارات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية.
ويذهب البعض إلى القول إنّ تأخير الانتخابات النيابية إلى ربيع 2018، إذا حصل، يعني عملياً أنّ ولاية المجلس النيابي المنتخب ستنتهي في ربيع 2022، أي قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية عون (نهاية تشرين الأول 2022)، ما يتيح مجدداً إجراء مقايضة جديدة بين الاستحقاقين:
فهل تُجرى الانتخابات النيابية في ربيع 2022 ويقوم المجلس المنتخب باختيار خلف عون أم يُصار إلى تدبير صيغة معينة تسمح بأن يتولّى المجلس القائم هذه المهمة قبل انتهاء ولايته؟ وهذا السؤال يقود إلى الآتي: هل التأنّي اليوم في انتخاب مجلس نيابي جديد هدفه أيضاً ضمان رئيس الجمهورية المقبل؟
ربما يكون من المبالغة رسم التوقعات
لـ4 سنوات مقبلة، لكنّ القائلين بهذا الاحتمال يقولون إنّ التجارب الحديثة لها مدلولاتها. فالمجلس النيابي الحالي ممدَّد له منذ 4 أعوام، وهو يستعد للتمديد أشهراً أخرى أو عاماً كاملاً، فيما موقع رئاسة الجمهورية بقي شاغراً قرابة العامين ونصف العام!
أيّاً يكن الأمر، فالنسبية الكاملة سلكت طريقها. وأمّا مشاريع الوزير جبران باسيل المختلطة والتأهيلية فأدّت مهمتها في نقل المزاج العام من الأكثري إلى النسبي. ولم يتضح لكثيرين ما الدافع الذي أدى فجأة إلى استبعاد المختلط أو التأهيلي، بعدما كان الجميع يقبلون بأحدهما باعتباره حلاً وسطاً أو انتقالياً.
المعلومات تشير إلى أنّ المسألة تتعلق بالمقايضة بين «حزب الله» والحريري حول المرحلة المقبلة، فقد تبلّغ الحريري في شكل واضح أنّ بقاءه في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات يصبح مضموناً إذا وافق على قانون انتخاب نسبي «حقيقي» لا صُوَري، كالقانون التأهيلي أو المختلط.
وفوق ذلك، يحصل الحريري على ضمان بالدعم ليكون الأقوى داخل الطائفة السنّية، وليكون موقعه محفوظاً في المجلس والحكومة والمواقع الأساسية.
ليس لدى الحريري خيارات كثيرة، كما كان الأمر عندما اختار الانتقال من مرشّح «14 آذار» إلى مرشح «8 آذار» في رئاسة الجمهورية، لكي يستطيع هو العودة إلى رئاسة الحكومة. واليوم، سيكون «الثمن المرحلي» لبقاء الحريري في رئاسة الحكومة هو قبوله النسبية الكاملة.
يفضّل «حزب الله» اعتماد لبنان دائرة واحدة، وهو يضغط في هذا الاتجاه، وإلّا فأكبر دائرة ممكنة. وهذا عنوان المساومات الدائرة حالياً.
ولكن، هناك عامل آخر يشجّع خيار النسبية، وهو رغبة عدد من القوى الدولية الفاعلة في تحديث النظام الانتخابي ليكون أكثر ملاءمة لمستقبل لبنان، ولتمثيل القوى الشبابية القادرة على إحداث تغيير حقيقي في النظام.
وهذه النظرة تلتقي مع الدعم الذي يتلقّاه الحراك المدني من قوى دولية فاعلة، على رأسها الولايات المتحدة. وليس من المصادفات أنّ القوى المدنية حققت مفاجأة في الانتخابات البلدية الأخيرة، وكادت تقاسم لائحة السياسيين مجلس بلدية العاصمة، لو جرى اعتماد النظام النسبي.
وهذه القوى المدنية تستعد اليوم جدياً لخوض الانتخابات النيابية، ويناسبها القانون النسبي. وقد جاءت إطلالتها الأخيرة القوية، بحراكها تحت العنوان الاجتماعي، ليخدم هذا الهدف ويعوِّمها شعبياً، تكراراً لما جرى قبل أشهر من الانتخابات البلدية.
وليس في مصلحة أيّ قوة سياسية أن تضع نفسها اليوم في مواجهة مع حراك مدني يلقى تعاطفاً شعبياً وقد يحقّق مفاجآت في الانتخابات النيابية. ولذلك، بَدا واضحاً لماذا أرادت القوى السياسية كلها «غَسل أيديها» من لعبة الضرائب في الجلسة التشريعية الأخيرة، ورمي الكرة في ملعب النائب سامي الجميّل. فأفضل طريقة للقضاء على الحراك المدني هي استيعابه سياسياً وتخريب صورته من الداخل.
ولكن، من قبيل المفارقات أن تكون النسبية نقطة تقاطع بين مصالح «حزب الله» ورغبات الأميركيين والمجتمع الدولي في تحديث النظام الانتخابي. ولا خلاف بين الخبراء على اعتبار النسبية نظاماً إصلاحيّاً.
هنا يجدر إدراك السرّ الكامن وراء صمت أركان الدولة: عون وبري والحريري. فهو يؤشّر إلى أنهم جميعاً يعرفون ضوابط اللعبة، وسيحاول كل منهم التكيّف معها أو الإفادة منها قدر المستطاع.
وسيكون الحريري أوّل المبادرين بإطلاق المفاجأة: تأييده النسبية الكاملة هذه المرّة من دون تراجع. وبعد ذلك، يتلقّى الجميع وعوداً بأنّ أماكنهم محفوظة، ضمن حدود معينة، بالدوائر والتحالفات السياسية، ثم تأخذ اللعبة طريقها المرسوم نحو تغيير هو الأول من نوعه في لبنان.
طوني عيسى - "الجمهورية" - 24 آذار 2017
إرسال تعليق