هناك موضوعان في بالغ الأهمية، يشغلان بال اللبنانيين الذين ما زالوا يعتبرون ان لبنان هو وطن نهائي، نحيا فيه ونموت، ونورثه الى اولادنا واحفادنا، ومن يأتي بعدهم من اولاد واحفاد، وهو ليس بلداً ولا فندقاً ولا محطة سفر الى اوطان الآخرين، وقد عرف هؤلاء من البيت والمدرسة والجامعة، ان مساحة هذا الوطن هي 10452 كلم مربّعاً، ويفترض ان تديره حكومة ومجلس نواب ورئيس جمهورية يحلف بالله العظيم ان يحترم دستور الأمّة اللبنانية وقوانينها، ويحفظ استقلال الوطن اللبناني، وسلامة اراضيه.
اذا رجعنا الى مواد هذا الدستور الذي يقسم رئيس البلاد على احترامه وعلى احترام قوانين الأمة اللبنانية، والمحافظة على استقلاله وسلامة اراضيه، نعرف فوراً المشكلة التي تشغل بال اللبنانيين منذ فترة ليست قصيرة، ولكنها كبرت واستفحلت في العقود الثلاثة الماضية، ونحصرها اليوم فقط في البند المتعلّق بمساحة لبنان، التي كما ذكرنا سابقاً انها 10452 كلم مربّعاً، لنشير الى ان هذه المساحة ليست ثابتة ولا نهائية، على اعتبار ان الدولة اللبنانية وفق الدستور والقوانين المرعية الاجراء، تبسط سلطتها على كامل الارض اللبنانية بقواها الذاتية الشرعية، وحيث ان في لبنان مناطق عديدة ومساحتها كبيرة، لا يمكن للدولة اللبنانية ان تبسط سيادتها عليها بقواها الذاتية، فان مساحة لبنان الوطن ليست 10452 كلم مربعاً، بل قد تكون أقل من ذلك بكثير.
الموضوع الثاني الذي يشغل بال اللبنانيين، وهو على ذات الاهمية من الموضوع الاول، ان لم يكن اكثر، شعورهم بأن وطنهم يندفع نحو مصير مخيف، اقتصادياً ومالياً وامنياً، وأن المسؤولين عنهم في الحكم والسلطة، يعرفون جيداً ما يحوق بلبنان من مخاطر ومصاعب وتحدّيات، ولكنهم بدلاً من مواجهتها بالتدابير والخطوات، اللازمة والضرورية والمعروفة، يتجاهلون الكارثة، ويستسهلون اللجوء الى تدابير، أقل ما يمكن القول عنها انها كارثية.
يجهد الخبراء الاقتصاديون والماليون انفسهم، في تقديم مقترحات لوقف انهيار الاقتصاد اللبناني والعملة الوطنية، قائمة على تدابير فورية لوقف الهدر والانفاق وتكبير الاقتصاد والثقة به، قبل اللجوء الى فرض ضرائب عشوائية تطول المواطن الفقير والمعوز والمتوسط الدخل، ومؤسسات الانتاج، واغلاق ابواب الانفاق غير المجدي في الادارات العامة وهي كثيرة وعديدة، وضبط المرافق العامة مثل المرفأ والمطار ومراكز الحدود، والغاء المجالس الرديفة للوزارات مثل مجلس الجنوب ووزارة المهجرين ومجلس المشاريع والانماء، والغاء مخصصات النواب والوزراء والمسؤولين الكبار، او انقاصها، ووقف الرحلات الى الخارج، حتى ان احد الخبراء الاقتصاديين، اكد ان غرامات الاملاك البحرية وحقوق الدولة بها، مع المبالغ التي يفترض ان تدفعها المصارف، بعد الهندسة المالية التي وضعها مصرف لبنان، وحققت للمصارف ارباحاً كبيرة.
جميع هذه المزاريب التي تأخذ من عافية الدولة، تتجاهلها الحكومة، ويتجاهلها الوزراء والنواب، ولا يرون سوى كيف يمكن ان نزيد فقر الفقراء، على قاعدة «من ليس معه يؤخذ منه، ومن معه يعطى ويزاد» وهي قاعدة تشير الى العطاء والايمان والمحبة، وليس الى المال.
لا يمكن ان تكون الاكثرية الساحقة من الشعب على خطأ، والحكومة والوزراء والنواب والمسؤولون على صواب، ولا يمكن للعامل ان يلتقي مع القاضي، الا لأن الغضب قد بلغ عتبة الثورة الاجتماعية.
الاوادم في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، امامهم طريق واحد هو طريق العودة الى الشعب... وقبل فوات الاوان.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 17 آذار 2017
إرسال تعليق