0
إذا كانت الخطوة الأولى هي التي تحسب في مسيرة كل عهد، فإن هذه الخطوة في عهد الرئيس ميشال عون لم تكن موفّقة لأنها كانت متعثّرة فعجزت عن إحداث أي صدمة إيجابيّة عند الناس كي ينتظرون منه الكثير، لا في تأليف الحكومة ولا في سنّ قانون جديد للانتخابات ولا في إقرار موازنة ترسي قواعد جديدة لإصلاح مالي وضريبي يقضي على العجز ويوقف ارتفاع الدين العام.

لقد كان على العهد الجديد الذي يعلّق عليه الناس آمالاً كبيرة وينتظر منه تحقيق الكثير، أن يؤلّف حكومة تطلب منحها صلاحيات إصدار مراسيم اشتراعيّة لأنّها السبيل الوحيد لإنجاز ما يجب إنجازه بسرعة، ولا تكون إنجازاتها خاضعة لأمزجة الأحزاب والنواب والسياسيّين وللمساومات، وهو الحاصل حالياً عند البحث في أي مشروع. فالعهود التي قامت في أعقاب أزمات سياسيّة أو أمنيّة أو اقتصاديّة لجأت إلى طلب سلطات استثنائيّة للحكومة، وهو ما فعله الرئيس فؤاد شهاب في مستهلّ عهده الذي جاء في أعقاب أحداث 58، والتي لم يكن ثمة سبيل إلى إزالة آثارها ورواسبها إلّا بحكومة توحي الثقة وتُمنح صلاحيّات استثنائيّة تمكّنها من إنجاز ما يجب إنجازه بسرعة، فأسّست "الفرقة 16" بديلاً من القوى الأمنيّة التي كانت مُنهارة بفعل تلك الأحداث وفقدت هيبتها، فاستطاع عهد الرئيس شهاب ضبط الأمن وتحقيق الاصلاحات الإدارية والسياسيّة، وتوصّل إلى وضع قانون للانتخاب يُعرف اليوم بـ"قانون الستّين" حلّاً للخلافات حوله، ولا يزاله حتى الآن هو الحل لولا الحياء...

وكان في نيّة الرئيس الشهيد رفيق الحريري طلب سلطات استثنائيّة لأوّل حكومة ألَّفها كي يستطيع إخراج البلاد من آثار حرب داخليّة مدمّرة وإعادة بناء ما تهدّم ومواجهة تداعيات انهيار الليرة أمام الدولار بعدما ارتفع ارتفاعاً جنونيّاً خلال أيّام. لكن النظام السوري رفض إطلاق يد الحريري بمنح حكومته هذه الصلاحيّات فأبقاها مكبّلة وتحت رقابة مجلس نيابي يمون على الأكثريّة فيه. وما كان في استطاعة الحكومة إنجازه في غضون أشهر معدودة بمراسيم اشتراعيّة، تطلّب إنجازه وقتاً طويلاً بعد مناقشة كل مشروع في مجلس النواب وإخضاعه للعبة المساومات والمقايضات.

لذلك يمكن القول إن الرئيس عون أخطأ وهو في مستهلّ عهده بلجوئه إلى الوسائل العادية لاخراج لبنان من أزماته غير العاديّة، وإلى "عدّة شغل" ليست عدّته ليتولّى بها انقاذ لبنان. فإذا كان ينتظر ليبدأ عهده إجراء انتخابات نيابيّة حرّة ونزيهة على أساس قانون عادل ومتوازن، فقد يكون مضى ربما ثلث ولايته ولم ينجز شيئاً مهمّاً. وهل يستطيع إنجاز ما يريد في ظل مجلس مؤلّف من أحزاب وتكتّلات متعارضة في الرأي والمواقف من المواضيع والقضايا الأساسيّة، وتأليف حكومة مُتجانسة ومُنسجمة تساعده على تحقيق شعار "التغيير والاصلاح" الذي أطلقه على تكتّله النيابي، وقد تكون الأحزاب التي تسايره الآن قبل الانتخابات النيابيّة لها موقف آخر منه ومن الحكومة بعد الانتخابات لأن الزواج بالإكراه لا يدوم... أضف أن رئيس الجمهورية إذا لم يستطع تحقيق ما يريد وهو في بداية عهده ويكون فيها قويّاً، قد لا يستطيع ذلك في نهاية عهده لأنه يصبح ضعيفاً.

الواقع أن ما يواجهه الرئيس عون توقّعه الرئيس شهاب عندما أصرّ على رفض ترشّحه مجدّداً لرئاسة الجمهورية عام 1970، وكانت الظروف السياسيّة التي تحيط بالبلاد لا تتيح له، كما رأى، حريّة الحكم، وما ينتظر لبنان من عواصف سياسيّة وأمنيّة، عدا الصلاحيّات الدستوريّة التي تحول دون تمكين رئيس الجمهوريّة من اتخاذ مبادرات استثنائيّة للمواجهة، وهذا ما جعل الرئيس شهاب يقول لقريبين منه تبريراً لتأكيد عزوفه عن الترشّح: "إن الذين كانوا معي في الماضي تغيّروا كثيراً وأصبحوا في موقع آخر". وكان يشير بذلك الى الزعيمين بيار الجميل وكمال جنبلاط. وهذا شكّل إرباكاً له وعجزاً عن التصرّف مما يسيء إلى صورته لدى الناس. وتساءل أمامهم: "هل تريدون أن أنهي حياتي السياسيّة بفشل كهذا فيما الرأي العام يطلب مني خمس مرّات أكثر من سواي ولا يرحمني إذا لم أفعل شيئاً مهما تكن الظروف، ولا يمنحني حتى الفرصة التي يمنحه لغيري".

فهل يواجه الرئيس عون ما توقّع الرئيس شهاب مواجهته لو أنه قَبِل العودة إلى الرئاسة لأنّه كان مطلوباً منه الكثير كما هو مطلوب من عون اليوم، وقد لا يكون قادراً لأسباب شتّى أن يُعطي سوى القليل وهو ما لا يرضى به الناس الذين اعتبروه وحده الرئيس القوي والمنقذ...

إميل خوري - "النهار" - 23 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top