من ضمن الأزمات العديدة التي لم تجد لها حلولاً بعد، رغم مرور السنوات على نشوئها، ووقوف المسؤولين في الحكومات المتعاقبة وفي مجلس النواب، عاجزين، امّا لعدم الاهتمام، وامّا لعدم التفاهم، واحياناً كثيرة لاعتماد سياسة النكايات بعد تعذّر المحاصصة، برزت مؤخراً ازمتان بالغتا الخطورة والتعقيد، هما وصول البحث عن قانون جديد للانتخابات الى حائط مسدود، والثانية وجود خطر حقيقي على لبنان بارتفاع حظوظ توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
كرة النار التي تسرع في الوصول الى نهاية ولاية مجلس النواب، تكبر يوماً بعد يوم بعد سقوط جميع مشاريع القوانين الانتخابية، امام جدار ما يسمّى بضرورة تأمين التوافق الميثاقي بين الطوائف والمذاهب، حتى يمكن اقرار مشروع معيّن عن طريق هذه الطوائف والمذاهب المصادرة من قيادات معيّنة، لا عن طريق النظام البرلماني الديموقراطي، الذي يتذكّره البعض عندما يحتاج اليه، فيعبده، ويرفضه عندما لا يؤمّن له حصته ومكاسبه ونفوذه، ويبدو ان الذين فشلوا في منع وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وجدوا، وفق سلوكهم، السلاح الذي يطوّق عهده ويضعفه، وهو المماطلة وخلق الذرائع والاجواء التي تلتهم الايام الباقية من عمر مجلس النواب الحالي، ووضع العهد امام السيئ والاسوأ، وربما المستحيل، بما يدخل البلاد في نفق طويل مظلم، خصوصاً بعد التفسيرات الدستورية التي طلع بها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تذكّر اننا نعيش في ظل برلماني، واي فراغ في البرلمان، يعني فراغاً في رئاسة الجمهورية وفي الحكومة والمؤسسات، وان طرح مشاريع القوانين على التصويت، قبل تأمين التوافق الميثاقي التعطيلي، سوف يؤدي الى حرب اهلية، ما استدعى ردّاً حازماً من الرئىس عون، ان الفراغ لا يصيب سوى مجلس النواب، لأن اسباب الفراغ في الرئاسة الاولى منصوص عنها صراحة في الدستور، وليس منها الفراغ في مجلس النواب، وينسحب الأمر ذاته على اسباب استقالة الحكومة، وبالتالي بوجود رئىس وحكومة ومؤسسات، وفي مقدمها مؤسسة الجيش، اللعب بالأمن ممنوع، ولا رجوع للحرب الاهلية، وينقل بعض المطّلعين ان اعلان حالة الطوارىء للامساك بالارض والأمن، أمر وارد اذا دعت الضرورة لذلك.
أما الأزمة الثانية التي دقّت ابواب لبنان، فقد بدأت عندما اعلن الرئىس الاميركي دونالد ترامب، انه لم يعد متمسكاً بحلّ الدولتين، وتلقّف اسرائيل هذا الموقف لتشديد قبضتها على الضفة الغربية وتسريع الاستيطان وتهويد القدس، وتجديد رفضها اي عودة للاجئين الفلسطينيين، واذا مورست ضغوط عليها فقد تقبل بعودة مائة الف فلسطيني ضمن خطة لمّ الشمل، ما يعني ان ملايين الفلسطينيين اللاجئين في لبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر والخليج، ليس امامهم سوى التوطين حيث هم، وقد يكشف لاحقاً أن الهدف الأساس من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبنان، هو البحث في امكانات لبنان لتوطين من تتعذّر عودتهم، وقد طرح بعض الحلول لتخفيف الضغط السكاني في المخيمات بانشاء بنايات من طوابق عدّة تغني عن مساحة الارض، ولكنها في نهاية الأمر ستكون للذين سيتم توطينهم، ولا يستبعد ان تكون الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، جزءاً من مخطط لدفع الجيش الى اقتحام المخيم، لمنع التنظيمات الارهابية من الاستيلاء على المخيم، وتهديد مدينة صيدا، والقرى والبلدات المجاورة، وقد سبق وذكرت في مقالي امس ان عضو اللجنة المركزية لمنظمة فتح عزّام الاحمد، اعلن عدم الممانعة في دخول الجيش اللبناني الى مخيم عين الحلوة، واي مخيم آخر، وللتذكير فحسب، فان عنوان مقالي كان «شيء ما يدبّر للمنطقة» واعتقد انه يدبّر للبنان ايضاً.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 1 آذار 2017
إرسال تعليق