0
تعيش البلاد في ظل أزمة ثقة على كل المستويات لأن من انتخبوا العماد ميشال عون رئيساً ظنّ كل منهم أنه سيلتزم خطه السياسي. ويخشى موالون للعهد ومعارضون سراً له حتى الآن أن يفاجئهم الرئيس عون بموقف سياسي لا يعجب أحد الطرفين. لذلك فإن أزمة الثقة هذه هي التي حالت وتحول حتى الآن دون الاتفاق على قانون للانتخاب لا يضمن لأحدهما الفوز بأكثرية المقاعد النيابية التي تجعله يتحكم بمصير المشاريع في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وحتى التصدي لرئيس الجمهورية إذا انحرف عن الموقف الذي يظن كل طرف أنه سيلتزمه، وإذا تعذّر الفوز بهذه الأكثرية فأقله الفوز بالثلث المعطل في مجلس النواب إذا لم يعد ممكناً اعتماد الثلث في مجلس الوزراء.
لقد نجحت سوريا بعد انسحاب قواتها من لبنان في جعل الموالين لها يشكلون قوة الثلث المعطل عند تأليف الحكومات لتعطيل الموافقة على كل قرار أو مشروع غير مقبول منهم، حتى إذا ما خُرق هذا الثلث عند التصويت، تولى سلاح "حزب الله" تعطيل تنفيذه، وهو ما حصل في 7 أيار 2008. وتحاول إيران حالياً الإمساك بالثلث المعطل إن لم يكن في مجلس الوزراء ففي مجلس النواب، وهذا ما يجعل الخلاف يشتد على قانون الانتخاب لأن كل حزب أو مجموعة احزاب متحالفة تريد أن يؤمن لها القانون الفوز أقله بالثلث المعطل لتصبح قادرة على إفشال العهد إذا ما خرج عن الخط السياسي الذي يظن كل طرف أنه سيظل ملتزماً به.
لذلك فإن الرئيس عون عندما زار السعودية وقطر ولم تعجب هذه الزيارة ضمناً "حزب الله"، ردَّ عليه بحملة شعواء على السعودية وعلى دول الخليج غير آخذ في الاعتبار مصلحة لبنان في توفير أسباب النجاح لمواسم السياحة والاصطياف، وهو ما كان فعله الحزب في حرب تموز 2006 ضد اسرائيل بأمر ايراني من دون الاهتمام بمصير هذه المواسم. وقد سكت الرئيس عون على مضض عن هذه الحملة وكذلك القريبون منه. واذا كان قد اعلن لدى زيارته مصر ان وجود سلاح "حزب الله" ضروري لأن الجيش اللبناني ليس قادراً وحده، في وضعه الراهن، على التصدي لأي عدوان اسرائيلي، فلكي يرضي بهذا الموقف "حزب الله" ويخفف حملته، ويعلن أيضاً أنه يتوقع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة.
وهكذا تحوّل العهد نقطة تجاذب بين من هم مع سياسة ايران التوسعية في لبنان والمنطقة، ومن هم ضد هذه السياسة التي تتدخل أيضاً في الشؤون الداخلية لأكثر من دولة في المنطقة. واذا كان الرئيس عون أعلن تأييده للنسبية في الانتخابات فإرضاءً منه لـ"حزب الله"، في حين أن حليفه الدكتور سمير جعجع ليس مع النسبية.
والسؤال المطروح: الى متى يستطيع الرئيس عون أن يظل قادراً على وضع "رِجل في البور ورِجل في الفلاحة" وأن يكون على مسافة واحدة من جميع الذين انتخبوه، والى متى يظل قادراً على ضرب "ضربة على الحافر وضربة على المسمار" ويبقى في المنطقة الرمادية، أو المنطقة المتعددة اللون "تكنيكولور"؟ ولكن ما العمل إذا دقّت ساعة الحقيقة وصار مطلوباً منه إعلان موقفه النهائي من التجاذب بين سياستين في "المنطقة"؟ هل يستطيع إعلان أو اللجوء الى اعلان حياد لبنان عن صراعات المحاور وهو ما تقرر في "اعلان بعبدا"، فيرتاح لبنان ويريح، أم أن هذا الحياد يحتاج الى إعادة تأكيد الاجماع عليه ليصبح قابلاً للتنفيذ، أم أن الرئيس عون ينتظر نتائج التطورات في سوريا ولمصلحة من سيكون الحل كي يبني على الشيء مقتضاه؟
الى ذلك، يمكن القول إن الصراع بين الأحزاب والكتل هو على قانون يضمن الفوز بالأكثرية - أو الثلث المعطل - المؤيدة لهذا الخطر السياسي أو ذاك، وهل يؤدي الخلاف على الاختيار بين الخطين الى إعادة النظر في التحالفات القائمة حالياً إذا تقدمت المبادئ والسياسة على المصالح الذاتية في الانتخابات المقبلة، أو اقتضت المصالح الانتخابية بقاء التحالفات كما هي، وإن "رفقة طريق"، ثم يعاد النظر فيها داخل مجلس النواب إذا صار مطلوباً من كل حزب متحالف مع حزب آخر إعلان موقفه من صراع المحاور إذا استمر في المنطقة، والاختيار بين الخطين أو المشروعين المتصارعين فيها.
الواقع أن مصلحة لبنان ومصلحة عهد الرئيس عون هي في أن يظل محافظاً على التوازنات الداخلية لأن حصول أي خلل فيها أو انحياز لطرف دون آخر يفجر أزمات قد لا يستطيع الخروج منها، ويهز الاستقرار في لبنان، وظل "حزب الله" مصراً على أن يعلن حقيقة موقفه من هذا الخط السياسي أو ذاك، لا أن يظل ممسكاً العصا من وسطها.
المعروف عن رؤساء الجمهورية في لبنان أن بعضهم دخل القصر بسياسة وغادره بسياسة. فالرئيس كميل شمعون، مثلاً، دخل القصر من باب كونه "فتى العروبة الأغر" وخرج من باب "فتى لبنان الأغر"، وخرج رؤساء عهد الوصاية السورية كما دخلوا ملتزمين شروط الوصاية تجنباً للمتاعب. ودخل الرئيس ميشال سليمان القصر من باب الحياد بين 8 و14 آذار وخرج من باب "لبنان أولاً". أما الرئيس عون فإن كل حزب انتخبه يظن أنه دخل القصر من بابه لكنه لا يعرف من أي باب سيخرج.

اميل خوري - النهار 10 اذار 2017

إرسال تعليق

 
Top