0
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظة الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وعاد ابي كرم، أمين سر البطريرك الأب بول مطر ولفيف من الكهنة، في حضور قائد الجيش العماد جوزيف عون، آمر مفرزة جونيه القضائية المقدم طوني متى، وفد من رابطة آل عويس وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

العظة

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "يا ابنتي، إيمانك خلصك! لا تخف، يكفي أن تؤمن"(لو8: 48 ؛ 50)، قال فيها:"للمرأة النازفة التي شفيت من نزيفها الذي دام اثنتي عشرة سنة بلمس طرف ثوب يسوع، من دون أن تتلفظ بأي طلب قال يسوع: "يا ابنتي، إيمانك خلصك، إذهبي بسلام" (لو8: 48). وليائيروس الذي بلغ في الطريق أن ابنته ماتت فيما كان يسوع ذاهبا معه إلى بيته بغية شفائها من حالتها المشرفة على الموت، وقيل له أن لا حاجة لإزعاج المعلم، قال الرب يسوع: "لا تخف، يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك" (لو8: 50). فأكمل الطريق معه إلى بيته وأقام ابنته الصبية من الموت. آيتان صنعهما يسوع بقوة الإيمان".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية. فأحييكم جميعا، ونرحب معا بقائد الجيش الجديد العماد جوزيف عون، ونهنئه على اختياره على رأس المؤسسة العسكرية بفضل تاريخه الناصع في خدمة الجيش. فبعد أن أعرب عن ولائه للبنان في خدمته الجديدة أمام فخامة رئيس الجمهورية، وتسلم مهامه وعلم الجيش من القائد السابق العماد جان قهوجي، أراد اليوم أن يبدأ خدمته الرفيعة بالمشاركة في هذا القداس الإلهي، مستلهما أنوار الروح القدس، واضعا مسؤوليته تحت عناية الله وسيدة لبنان، وفي هذا اللقاء الذي اراده معنا اليوم نعلن تأييدنا لاختياره ودعمنا لخدمته الجديدة. إننا نصلي إلى الله كي يحقق أمنياتك الكبيرة يا قائد الجيش الجديد ويحميك بعنايته، ويحمي مؤسسة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية من أجل حماية لبنان وسيادته وأمنه وشعبه، في الظروف الإقليمية الصعبة وتجاه امتداد الإرهاب. ونود في المناسبة الإعراب عن شكرنا العميق لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي الذي قاد المؤسسة على مدى ثماني سنوات بحكمة وشجاعة ودراية، في الظروف الوطنية الصعبة، ونتمنى له من الله حسن المكافأة".

وتابع: "إننا نرحب مع اللبنانيين بدفعة التعيينات العسكرية والأمنية الناجحة. والكل يأمل أن يتم استكمال الباقي من التعيينات، بحيث تصبح الدولة اللبنانية عندنا دولة المؤسسات، فتضع حدا للفساد وتفرض هيبة القانون، وتضبط الفلتان في الدوائر والمؤسسات، وتحاسب المحميين وحماتهم بتطبيق نظام الثواب والعقاب. ويبقى في طليعة الانتظارات: سن قانون جديد للانتخابات قائم على المناصفة الفعلية وعدالة التمثيل وشموليته، وفقا لرغبة فخامة رئيس الجمهورية ومساعيه المعبرة عن تطلعات الشعب اللبناني، ووضع موازنة تستخرج وارداتها من مال الخزينة المهدور والمسلوب، لا من فرض ضرائب ورسوم إضافية على الشعب المرهق اقتصاديا ومعيشيا، وإقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة ومنصفة للمعلمين والمدرسة والأهل. وتبقى المعضلة الأساس الأزمة الاقتصادية والجمود، الأمر الذي يستدعي نهضة اقتصادية، من دونها تظل سائر المعضلات الأخرى عالقة".

وقال: "نحيي بيننا رابطة آل عويس بشخص رئيسها الفخري الأب يوحنا الحبيب عويس، القيم البطريركي العام الأسبق، ورئيسها السيد جوزف عويس والاباء وأعضاء الهيئة الإدارية وسائر المنتمين إليها. ونتمنى لها النجاح في أهدافها، ولاسيما في شد أواصر الوحدة والتضامن بين أبناء عائلة عويس الكريمة وبناتهم، لخيرهم ولتماسك المجتمع اللبناني.
ونرحب أيضا بوفد منظمة الطلاب التابعة لحزب الوطنيين الأحرار، فنحيي رئيسها السيد سيمون ضرغام وسائر الأعضاء".

وتابع: "المرأة النازفة، التي شفاها الرب يسوع، بمجرد لمسها طرف ثوبه وبفضل إيمانها، رمز للشفاء من كل نزيف في القيم الروحية والاخلاقية والاجتماعية والوطنية. والصبية ابنة يائيروس، التي أقامها يسوع من الموت، بفضل ثقة أبيها وإيمانه، رمز لقيامتنا بنعمة غفران المسيح من حالة الموت التي تسببها خطايانا. لكن مفتاح الشفاء من أمراضنا الجسدية والروحية والمعنوية، والقيامة من حالة الموت واليأس والفشل، إنما هو إيمان بالله وبحنانه ورحمته المتجلية في شخص يسوع المسيح".

أضاف: "إن من يحب يؤمن ويرجو. فمحبتنا لله تولد فينا الإيمان أي الثقة به وبما يقول وبما يفعل. هذا الإيمان ينتزع من عقولنا كل شك، ومن قلوبنا كل خوف، ومن إرادتنا كل تردد. وهكذا، الإيمان يولد الرجاء الأكيد بأن الله يغمرنا بحبه وحنانه ورحمته، وبأنه يمسك العالم بين يديه، ويغلب الظلمات جميعها.
هذا هو اختبار المرأة النازفة ويائيروس لهذه الفضائل الثلاث التي تتواءم. إنها فضائل إلهية يسكبها الله في نفس المؤمنين لكي يتمكنوا من أن يعيشوا كأبناء لله، ويستحقوا الحياة الأبدية. إنها ضمانة فعل الروح القدس في عقل الكائن البشري وإرادته وقلبه، وهي تؤهله ليعيش في علاقة روحية مع الثالوث الأقدس، الذي هو أصل هذه الفضائل وسببها وغايتها".

وتابع: "نحن في هاتين الآيتين أمام مشهدي صلاة نابعين من الإيمان. صلاة يائيروس وهي صلاة التماس وتواضع وإلحاح. رئيس المجمع هذا، وهو ليس من أتباع يسوع، أدرك أن يسوع قادر أن يشفي ابنته الصبية المشرفة على الموت. فارتمى أمامه، وألح عليه أن يدخل بيته ويشفيها. ولربما سمع الرب يسوع يقول: "إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم، فمن يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له" (متى 7: 7).
وصلاة المرأة النازفة، وهي صلاة صامتة ظهرت في فعلتها النابعة من إيمان وطيد بأنها إذا استطاعت أن تلمس طرف ثوب يسوع، من دون أن تسأله شيئا، تشفى من نزيف دمها. بهذه الصلاة الصامتة روحنت الشريعة الصارمة. كانت الشريعة تعتبر المرأة النازفة نجاسة ويحرم عليها أن تمس أي شيء أو شخص لئلا تنقل إليه نجاستها.
بفعلتها هذه تجنبت المرأة الشكوك. اندست بين الجماهير وكأنها مجهولة من الجميع، ولمست في الزحمة طرف ثوب يسوع. وكانت على يقين أنها لن تدنس يسوع بلمسها ثوبه، بل على العكس ينقيها هو من نجاستها. إنها بذلك لم تخالف شريعة موسى، بل رفعتها إلى رب الشريعة الذي يعطيها روحا ويؤنسنها. فالشريعة، إذا خلت من روح ينعشها بالرحمة والإنصاف والمشاعر الإنسانية، أصبحت حرفا يقتل على ما يقول بولس الرسول: "الحرف يقتل، والروح يحيي"(2كور3: 6).

وختم الراعي: "زمن الصوم الكبير دعوة لكل واحد وواحد منا ليقف مع ذاته وقفة وجدانية، ويدرك ما يصيبه من نزيف في القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، وهو نزيف يؤثر سلبا في مسلكه وأفعاله، وعلى واجبات مسؤوليته وسلطته في الدولة والمجتمع، كما وفي الكنيسة والعائلة. رجاؤنا أن نشفى من هذا النزيف بالعودة إلى كلام الله ووصاياه وبالتماس غفران الشفاء، فتتجدد قوانا ونفتح صفحة جديدة مع الله والذات والناس. ولنرفع جميعا نشيد المجد والتسبيح للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين". 

12 آذار 2017

إرسال تعليق

 
Top