تتكرّر دائماً زيارات رؤساء الجمهورية في لبنان الى حاضرة الفاتيكان، التي تبقى مظّلة الحماية لمسيحييّ لبنان والشرق، وآخر هذه الزيارات كانت لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون للقاء قداسة البابا فرنسيس. وقد افادت المعلومات بأن وضع مسيحييّ لبنان والشرق كان الطبق الدسم خلال اللقاء، إضافة الى موقف لبنان من القضايا المطروحة خصوصاً ملف الارهاب، بحيث يعتبر قداسته بأن مسيحييّ لبنان يشكلون رافعة معنوية لمسيحييّ الدول العربية، فإذا كان وضعهم قوياً وثابتاً سيعطي هؤلاء على الاقل الحماية المعنوية.
الى ذلك اشارت مصادر كنسية الى وجود نيّة لدى البابا بزيارة لبنان، وفي حال تقررّت سيكون تاريخها في أيار المقبل، بهدف إحياء ذكرى زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في العام 1998، وبالتزامن ايضاً مع تطويب الراهب المخلصي بشارة أبو مراد. على ان يكون قداسته قد لبّى دعوة لزيارة مصر في 28 و29 نيسان المقبل، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وإمام الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب، وهذا يؤكد اهتمام البابا بزيارة اقباط مصر وتفقد اوضاعهم بعد تعرّضهم منذ فترة للاضطهاد.
هذا وتأمل هذه المصادر تحقيق الزيارة للبنان لانها تساهم بطمأنة مسيحيّيه، خصوصاً انه البلد الوحيد في الشرق الذي يرأسه مسيحي، وترى بأن توقيتها مهم لانها تبدّد الهواجس التي يشعر بها مسيحيّو لبنان والمنطقة، بسبب الازمات والحروب التي تعيشها بلدانهم، لان النتيجة تأتي دائماً سلبية وعلى حسابهم، خصوصاً ان المسيحييّن لطالما دفعوا ثمن حروب الآخرين ، ما يجعل من الهجرة مصدر قلق دائم، لأن الأرض التي نشأت عليها المسيحية تفرغ شيئا فشيئاً من مؤمنيها. مشيرة الى ان عنوان «الوجود المسيحي في الشرق» يطرح سؤالاً يتردّد بقوة اليوم حول مستقبل هذا الوجود، بعد ان ترافق بألم كبير وانتقل صداه ليشمل كل المنطقة، التي بدأت تعاني من فقدان المسيحييّن على ارضها.
وسط هذا المشهد، تستذكر المصادر الكنسية العبارة التي اطلقها المؤرخ الراحل شارل مالك: «إذا سقطت المسيحية الحرة في لبنان انتهى أمرها في الشرق الأوسط كله»، داعية من خلالها الى تبديد الهواجس التي يشعر بها مسيحيّو لبنان والمنطقة، وذكرّت بجملة عبارات مشجعة وداعمة للبقاء المسيحي اطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي، من خلال تأكيده التمسك بالوجود المسيحي في بلداننا المشرقية، والايمان بأن الشرق الأوسط هو مكان تجسّدنا، وبأن لا هجرة ولا خوف، ولا تقوقع ولا ذوبان، ولا قوة بشرية تستطيع اقتلاعنا من هذا الشرق.
وشددّت المصادر على ضرورة تحقيق المساواة التامة في كل البلدان العربية، لان المسيحيين إعتادوا العيش بسلام ورقيّ مما أتاح الفرصة للمتطرفين من كل العقائد والأعراق لتنفيذ مهامهم، واستهداف المخالفين لهم في العرق أو العقيدة بعمليات القتل، أو الترحيل القسري من أماكنهم، خصوصاً ان المسيحية العربية تواجه اليوم خطراً وجودياً في العراق وفلسطين، فضلاً عن مشكلات قاسية في لبنان وسوريا ومصر، معتبرةً بأن الحالة العامة هي حالة تشاؤم لدى الشباب بسبب عدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم.
ودعت هذه المصادر المجتمع الدولي ودول الشرق الى التعاون الجدّي لاستئصال الارهاب والتطرّف القاتل، الذي يزرع الاجرام والرعب ويهدد الاعتدال والاستقرار في كل بقعة من العالم، مذكرّة بحادثة خطف متروبوليت حلب والاسكندرون للروم الأرثوذكس بولس يازجي، ومتروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس يوحنا ابراهيم، منذ ما يقارب الاربع سنوات من دون ان يصل هذا الملف الى خواتيمه السعيدة، اذ حتى بيانات الاستنكار لهذه العملية لم نعد نسمع بها من قبل كل القوى السياسية، في ظل موجة خوف مسيحي في لبنان وسوريا خاصة، على أثر تصاعد موجة التيار الاسلامي المتطرّف.
صونيا رزق - "الديار" - 20 آذار 2017
إرسال تعليق