في وقتٍ قدّم رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل اقتراحه الانتخابي الثالث، بدا أنّ رياح القانون لا تزال تصطدم بالحسابات المتناقضة للأطراف.
ففي حين حظيَ «مختلط» باسيل بموافقة «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، ونصف موافقة النائب وليد جنبلاط، عارَض الثنائي الشيعي هذا القانون وأحبَطه، لينتقل باسيل إلى قانون التأهيل الذي فشلَ أيضاً بسبب الخلاف على نسبة التأهيل، حيث أصرَّ الحزب على نسبة متدنّية هي عشرة في المئة، لإتاحة الفرصة لحلفائه السنّة والدروز والمسيحيين للتأهل إلى الدورة الثانية على أساس النسبية، فيما أصرّت «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» على رفع النسبة إلى 15 أو عشرين في المئة، فكان أن دفنَ مشروع التأهيل.
في الصيغة الثالثة التي قدّمها باسيل، أي صيغة الزواج بين الأكثري أرثوذكسياً والنسبي المشروط بالصوت التأهيلي، بدا أيضاً أنّ معارضة «حزب الله» ستؤدّي إلى النتيجة نفسِها، أي إلى دفنِ هذه الصيغة، التي من بعدها سيَحصل نقاش في جلسات وزارية حول القانون من غير المرجّح أن تؤتيَ أيّ نتيجة.
الواضح أنّ المناورات المتبادلة حول قانون الانتخاب، ستأخذ مداها قبل أن يشرب الجميع كأسَ التمديد للمجلس النيابي، ويرى البعض أنّ تكرار تقديم المشاريع المحكوم عليها مسبَقاً بالفشل إنّما يهدف عملياً إلى التمهيد للتمديد للمجلس النيابي، لفترة تتجاوز ما يسمّى التمديد التقني، وهذا ما بدأت تتداول فيه بعض دوائر القرار، وهو يعني إنْ حصَل ضربةً لعهد الرئيس ميشال عون في بدايته، على الرغم من أنّ عون جاهرَ مراراً بتفضيل الفراغ على إجراء الانتخابات، ويمكن أن ينتقل إلى المجاهرة بتفضيل التمديد على ما يسمّيه القانون السيّئ.
لم يكن «قانون جبران الثالث» على ما تسمّيه بعض الأوساط وليدَ اللحظة، بل تمّ تحضيره بالتشاور مع أطراف أساسيين. فقد نسَّق باسيل مع تيار «المستقبل»، الذي ترَك لنفسه هامش التحفّظ انتظاراً لموقف «حزب الله»، علماً أنّ القانون يعطي «المستقبل» أرجحية ويحافظ له على كتلةٍ نيابية وازنة.
وبالإضافة إلى «المستقبل»، فإنّ التنسيق بين «التيار» و»القوات» استعاد زخمه بعد الأزمة التي شهدتها العلاقة بين الطرفين على خلفية «جل البترون»، وفي المعلومات أنّ اجتماعاً على أعلى مستوى بين الطرفين حصل قبل تقديم باسيل اقتراحَه، ودام ثلاث ساعات، حيث تمّ الاتفاق على مشروع القانون، كذلك تمّ الاتفاق على تنظيم الخلاف حول القضايا التي سبّبت الاحتقان. في قانون الانتخاب تمّ عرض الصيغة الثالثة وبحثت في التفصيل، ووافقت «القوات» عليها، وأعلنَت موافقتها، بعد مؤتمر باسيل.
أمّا في موضوع البترون، فقد شرَحت «القوات» لـ«التيار» أنّ ترشيح فادي سعد ليس موجّهاً ضدّ باسيل، بل يعود لأسباب تتعلق بالقاعدة «القواتية»، وتؤكّد مصادر الطرفين أنّ الخلاف حول البترون تمّ ترتيبه.
وتضيف المعلومات أنّ قراراً على مستوى قيادتَي «القوات» و«التيار» اتّخِذ، لحصر أيّ خلاف والعودة إلى روحية التفاهم، وتشير إلى أنّ موضوع الخلاف الكهربائي حسِم أيضاً، حيث وعد «التيار» في الاجتماع العالي المستوى، أن يوعز إلى وزير الطاقة سيزار أبي خليل، بوضعِ عملية خصخصة الإنتاج في كهرباء لبنان قيد التنفيذ.
ويبقى السؤال: هل ينجح كلّ من «التيار» و»القوات» في صون التفاهم الذي اهتزّ؟ وماذا عن وعود باسيل لـ«القوات» حول ملفّ الكهرباء؟ وهل ستتحوّل هذه الوعود مماطلة في مجلس الوزراء؟ وكيف سيترجَم الاتّفاق على التعيينات المقبلة بعدما حرِمت «القوات» من حقّها في التعيينات السابقة؟
الواضح أنّ نشوةَ استيعاب التباين، قد لا تطول، إذ إنّ ما اتّفِق عليه سابقاً تمّ نقضُه، ولم تترجم وثيقة التفاهم على شكل شراكة متكافئة، بين الطرفين، وهذا اللاتكافؤ لا يمكن تعويضه بالاتكاء (من قبل «القوات») على رهان أن يستمر «حزب الله» في الاصطدام بـ«التيار»، فالأخير منخرط في علاقة مع الحزب منذ العام 2006، وهو مستمرّ في تأمين كلّ ما يريده الحزب، ولهذا فإنّ «التيار» لن يغامر بأيّ اصطدام مع حليفه، وهذا الأمر يشمل كلّ القضايا الأساسية بما فيها قانون الانتخاب.
أسعد بشارة - "الجمهورية" - 15 آذار 2017
إرسال تعليق