يصح القول هذه الايام ان الدولة اللبنانية تعيش بمختلف مؤسساتها حالة من التخبط، مجلس نيابي غارق في «صدامات» السلسلة ومزايدات الضرائب، حكومة يؤمل ان تنجز اليوم موازنة هدد اكثر من طرف بعرقلتها في حال عدم اقرار قانون انتخابي جديد، وطبقة سياسية «تضحك في عبها» مع استنزاف المهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة، بانتظار تمديد بات بحكم الامر الواقع وان اختلف الحديث عن مدته.
ومع انعدام المؤشرات التي تدل على استعداد رئيس الجمهورية لتوقيع مراسيم دعوة الهيئات الناخبة في موعدها، الذي يستحق بعد ثلاثة ايام، ما يجعل الانظار متجهة نحو ساحة النجمة، في انتظار ظهور «الاستشهادي» الذي سيتقدم باقتراح التمديد للمجلس النيابي لانقاذ البلاد من الفراغ التشريعي، تكشف سر ما يجري في المجلس النيابي بات واضحا لجهة ارتباطه بالانتخابات النيابية المقبلة وعدم قدرة النواب على معارضة السلسلة وتطييرها، او على اقرار الضرائب التي سترهق الجميع، لحسابات تتعلق بصناديق الاقتراع حتى قبل الاتفاق على قانون للانتخابات، تبدو كل محاولات التوصل الى صيغة ترضي الجميع بشأنه حرقا للمهل والوقت.
مصادر التيار الوطني الحر اشارت الى اصرار رئيس الجمهورية على اعتبار القانون الجديد اختبارا حقيقيا لتبيان الخيط الابيض من الاسود بعدما دقت ساعة الحقيقة امام القوى السياسية، لاثبات رغبتها في اعادة تكوين السلطة على اسس سليمة مع وصول الرئيس المسيحي القوي الى قصر بعبدا، بعدما مارست التمييع والمماطلة واكل الحقوق طوال السنوات الماضية، داعية الافرقاء كافة الى التعامل بجدية مع طرح التيار الوطني الحر والمهلة المعطاة للرد، محذرة في الوقت نفسه، في تصعيد لافت للهجة، من أن رفض الفرقاء السير بالطرح «الباسيلي الثالث» من دون تقديم حجج واضحة ومقنعة كذلك البدائل، من شأنه أن يعيد الامور الى نقطة الصفر ويهدد العملية الانتخابية برمتها، رغم تمريرها بان المشاورات الجانبية الدائرة، تؤكد ان الابواب لم تقفل بعد.
المصادر التي حذرت من استمرار حملات المزايدة في ملف السلسلة واعطاء الحقوق لمستحقيها بعد سنوات من التأخير، اعتبرت ان تطيير سلسلة الرتب والرواتب يندرج في اطار الرد غير المباشر والحرب المفتوحة في وجه العهد المطالب باسترداد كل الحقوق بما فيها المشاركة في السلطة، قائلة ان ما شهده المجلس رد واضح على ما تقدم به الوزير باسيل، داعية الفئات المتضررة الى النزول الى الشارع بعدما ظهر جليا امام الجميع من المعطل ومن يريد «اكل الحقوق»، مشيرة الى انه واهم من يعتقد ان المساومة ممكنة بين السلسلة وقانون الانتخابات، وليتحمل الجميع مسؤولياته امام الشعب.
في المقابل استغربت اوساط سياسية مطلعة الموقف العوني المتفاجئ من ردود الفعل على مبادرة الوزير باسيل، اذ ان الاجتماع الذي عقد نهاية الاسبوع الماضي في بيت الوسط، انتهى الى عدم الترحيب بالطرح الجديد، فوزير المال علي حسن خليل طلب وقتاً لبحث الاقتراح ولم يكن يبدو عليه تقبل ما قدم، اما مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري فرمى الكرة في ملعب لجنة تياره ولم يظهر انه متشجع للمقترح الجديد، حتى حزب الله فقد طالبه بتأجيل الاعلان، معتبرة ان السحر انقلب على الساحر، وبات الجميع امام حل من اثنين، اما صفقة على حساب المستقبل وحليفه الدرزي بقضي بالسير بالنسبية الكاملة، واما تحول الحكومة الى «هيئة تشريعية» وفقا لصيغة المراسيم التشريعية، لكن هذه المرة دون تفويض من الحزب.
وتكشف المصادر في هذا المجال ان وزير الداخلية، وبعد التنسيق مع رئيس الحكومة، سيوجه كتابا شكليا الى مجلس الوزراء يوم الاثنين يشرح فيه ما انجزته وزارته على صعيد اتمام الاستعدادات لاجراء الانتخابات، مذكرا بالخطوات المالية والاجرائية الواجب على الحكومة اتخاذها قبل الدخول في محظور المهل، طالبا التاجيل لمدة شهر لتتلاءم المهل مع ما سبق لرئيس الجمهورية ان اعتمده اي ال 21 من حزيران.
رمى الوزير جبران باسيل قنبلة قانونه ومشى الى الفاتيكان فواشنطن، في ضربة معلم احرجت جميع القوى حلفاء والخصوم، الذين تركوا الى الوكلاء الرد بالواسطة، رغم فشل اتصالات الاروقة على هامش الجلسة العامة التي نشط خلالها نواب التغيير والاصلاح لشرح وجهة نظرهم من القانون من دون ان يلقوا اي تجاوب.
ميشال نصر - "الديار" - 17 آذار 2017
إرسال تعليق