ثلاث ركائز سليمة، لا غنى عنها، في أي دولة، لتكون دولة قوية قادرة وقابلة للحياة والنمو والتطور، ومحطّ احتضان الشعب لها، اضافة الى احترام الدول الاخرى، وهذه الركائز الاساسية هي، بوجود قانون انتخابات عصري وعادل، يوصل الى مجلس النواب، نواباً لبنانيي الانتماء، نظيفي الكفّ، همّهم الأساس، خدمة الشعب والوطن في التشريع والممارسة، الركيزة الثانية الاساسية، وضع موازنة متوازنة ذات رؤيا مستقبلية اضافة الى معالجة الحاضر، تأخذ في الاعتبار الحرص على المال العام من جهة، وتلبية حاجات الناس من جهة ثانية، بالمتوفّر من الانفاق البعيد عن الهدر والصفقات وسوء استعمال السلطة، اما الركيزة الثالثة فهي وجود قضاء يأمن اليه المظلوم، يحمي حقوق المواطنين والدولة، ولا يدير سمعه الاّ لصوت الله والشعب والضمير.
الدولة في لبنان، ضعيفة ومتهالكة، لأن هذه الركائز الاساسية غير موجودة منذ عقود طويلة، فقانون الانتخاب المفصّل دائماً، وبنسبة كبيرة على قياس احزاب وشخصيات، لا تعطي الدولة والوطن شيئاً، بل تأخذ منهما دائماً، وتورّث اعضاءها وابناءها، مهنة جني المال الحرام والزعامات الفارغة، فركيزة الموازنة حدث عنها ولا حرج، فهي اذا وجدت، ليس لها سوى هدف واحد، هو مصّ دم الشعب بأي وسيلة متاحة، واذا كانت غائبة، كما حصل منذ العام 2005 حتى اليوم، فان القاعدة الاثني عشرية التي كانت تحلّ محلها، وجدت لها طريقاً معبّدة، بعيداً من المطبات، والمراقبة الغائبة، لتنتهك الدستور الذي قال بالانماء المتوازن، وتوزّع ما تبقى من خيرات على الانصار والمحاسيب والمناطق المرضى عنها طائفياً ومذهبياً وسياسياً.
ما تسرّب عن مضمون الموازنة الموضوعة لهذه السنة، يجعلك تؤمن بان من وضعها أو ساهم في وضعها، ما زال يعيش ذهنياً، في عقود طويلة مضت، ان هناك طبقة متوسطة كبيرة وقوية، وطبقة فقيرة قليلة العدد، ولكنها مستورة و«ماشي الحال» وطبقة ثرية لا تتجاوز نسبتها الخمسة بالمئة، «يسواها ما يسوى الطبقتين المتوسطة والفقيرة» فاكثر من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، و«بحبح» غير المباشرة، وتجاهل ان لبنان فقد الطبقة المتوسطة منذ زمن طويل، وان القلّة الباقية، تستعد للسقوط الى الطبقة الفقيرة، وان 10 او 15 بالمئة من اللبنانيين، هم الاغنياء الجدد اليوم، ممن اغتنوا من دم الشعب وعرقه، والموازنة الجديدة، اذا لم يقبض عليها بعض الوزراء الجدد الذين جرّبوا قبل التوزير ونجحوا، فان البلد مقبل على انتفاضة شعبية، سوف يطلق عليها التاريخ اسم «ثورة الجياع»، لأن الكيل قد طفح، ولم يعد هناك مجال للسكوت على انتهاك كرامة اللبنانيين وحقوقهم، هذه الكرامة والحقوق التي لا يحميها القضاء في لبنان وهو الركيزة الثالثة الاساسية، في قيام الدول واستمرارها.
على القضاء الا يقبل بأن يسدّد الفقراء ما تم سرقته ونهبه وهدره ومحاصصته طول سنوات.
ان القاضي ان لم يكن شجاعاً في وجه القوّة الظالمة والباغية والمعتدية، فعليه ان يستقيل ويذهب الى عمل آخر، لأن القضاء ليس مهنة، انه رسالة، مثل رسالة رجل الدين الحقيقي، والطبيب الملتزم بقسمه، والسياسي النظيف الذي يعتبر العمل العام خدمة وتكليفاً ورسالة، وليس مكاناً للاسترزاق غير الشريف.
الشعب ينتظر من العهد الكثير، لكنه لا يقدر على الانتظار اكثر، لان حيتان المال والسياسة، شهيّتهم واسعة وكبيرة وقد تلتهم العهد والشعب والدولة.
فؤاد أبو زيد - "الديار" - 17 شباط 2017
إرسال تعليق