0
بعدما كشف الرئيس ميشال عون حقيقة موقفه من سلاح "حزب الله" مؤكداً بذلك أن تفاهمه مع الحزب هو أقوى من أي تفاهم مع سواه، ما جعل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يقول غداة الموافقة على ورقة "إعلان النيّات" مع "القوات اللبنانية" إن له ثقة كاملة بالعماد عون وهي ثقة لا شيء يغيّرها... لذلك باتت أوساط سياسية تخشى أن يكشف الرئيس عون في الوقت المناسب حقيقة موقفه من اتفاق الطائف، حتى وإنْ كان قد أكد غير مرّة أنه مع هذا الاتفاق ويلتزم تنفيذ كل بنوده.

لقد أعلن الرئيس عون في محاضرة له في جامعة دمشق (كانون الأول 2008): "نحن تحفظنا عن الطائف لعدم التوازن بين السلطات والرئاسات، ونأمل في الحصول على أكثرية لاجراء تعديلات لازمة عليه"... وعن العلاقة مع سوريا قال: "إن قوى كبرى تعرقل العلاقات بين لبنان وسوريا، وإن للارهاب تمويلاً معروف المصدر". هذا يؤكد أن الرئيس عون لا يغير مواقفه التي يؤمن بها لا قبل الرئاسة ولا بعدها، وهو يؤكّدها في المحطّات المهمّة، وما موقفه الأخير المُعلن من سلاح "حزب الله" سوى تأكيد لذلك وتأكيد أيضاً لقول الوزير جبران باسيل في الاحتفال بذكرى توقيع "ورقة التفاهم" في كنيسة مار مخايل إن "هذا التفاهم هو أمُّ التفاهمات والاتفاقات".
 
إلى ذلك، يمكن القول إن الصراع على قانون الانتخاب هو صراع على الأكثرية النيابية في المجلس المقبل، بحيث يستطيع من يفوز بها تقرير مصير السلاح خارج الدولة، ومصير اتفاق الطائف، وشكل سياسة لبنان الخارجية، وهل يتجه نحو الانحياز لهذا المحور أو ذاك أو نحو الحياد الايجابي. والصراع على هذه الأكثرية من الطبيعي أن يبدأ بقانون الانتخاب، بحيث أن أحزاباً ترى في اعتماد النسبية في كل لبنان ما يضمن لها الفوز بهذه الأكثرية، وأحزاباً ترى ان اعتماد قاعدة الأكثرية يضمن لها ذلك، أو ان اعتماد المختلط بين نسبية وأكثرية يضمن لها أقلّه الثلث المعطّل عندما يكون الموضوع المطروح في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب يحتاج إلى موافقة الثلثين. ويمكن القول أيضاً إن أهمية قانون الانتخاب هذه المرة تفوق كل مرّة لأنه يحدد الأكثرية النيابية التي تفوز بها هذه الأحزاب أو تلك حتى قبل الانتخابات ليكون لها القول الفصل في الانتخابات الرئاسية وفي تأليف الحكومات وفي إقرار المشاريع المهمة. فالمرحلة التي يواجهها لبنان خلال عهد الرئيس عون قد تكون مرحلة التحوّلات والتبدّلات الكبرى في المنطقة وذلك في ضوء ما ستكون عليها الحلول للحروب الدائرة في أكثر من دولة فيها، ومَنْ هي الدول المؤثّرة التي ستتولّى البحث عن هذه الحلول. فكما أن لبنان قرّر بأكثرية نيابية التخلّص من الانتداب الفرنسي والحصول على الاستقلال عام 1943، وقرر إنهاء الوصاية السورية عليه عام 2005 باللجوء الى الشارع ومن دون التوصل إلى تنفيذ اتفاق الطائف تنفيذاً كاملاً كي يستطيع الحكم على أهلية هذا الاتفاق في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الدائم والثابت، فإن المرحلة التي قد يواجهها لبنان في ضوء الحلول للحروب في المنطقة قد تكون مرحلة دقيقة ومصيرية. فعلى لبنان أن يقرّر تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف وأهمه: الغاء الطائفية السياسية، واستحداث مجلس للشيوخ بعد انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وتطبيق اللامركزية الادارية الواسعة، أو إعادة النظر في بعض بنوده ليصبح أكثر عدالة وانصافاً في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث، وهو ما يتفق عليه الرئيس عون و"حزب الله" لتقوم عندئذ الدولة القوية العادلة التي لا دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، دولة قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها وعلى تطبيق القانون على الجميع من دون تمييز ولا استثناء بين منطقة ومنطقة وبين فئة وفئة، دولة تبتعد عن صراعات المحاور البعيدة والقريبة. وهذه الدولة لن تقوم إذا استمر الخلاف على قانون تجرى انتخابات حرة ونزيهة على أساسه، قانون يحقّق صحة التمثيل لشتّى فئات الشعب وأجياله ويحول دون حصول فراغ نيابي لا خروج منه إلّا بعقد مؤتمر تحت أي مسمّى للبحث في صيغة جديدة للبنان... تقوم عليها "الجمهورية الثالثة".

إميل خوري - "النهار" - 21 شباط 2017

إرسال تعليق

 
Top