لم يستقل النائب وليد جنبلاط من الندوة النيابية كما اعلن سابقاً بهدف إعطاء مقعده الى نجله تيمور بالتزكية، اذ بالتأكيد لم يكن يسمح لأحد ان يترشح ضده، لان المقعد الشوفي كان ولا يزال لآل جنبلاط. وبالتالي كان جنبلاط قد تلقى نصيحة بعدم الاستقالة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لان الاوضاع تتطلب بقاء الزعيم الدرزي في منصبه، كما ان التوقيت غير مناسب بحسب ما تلقى نصائح من المقرّبين ما أدى الى صرفه النظر عن الاستقالة.
وكانت هذه الفكرة راودته مترافقة ً بعبارات رددّها جنبلاط مراراً « بأننا أفلسنا كطبقة سياسية وأنا أقوم بمراجعة ذاتية، وأنتظر كي أخرج من المسرح السياسي رسمياً وبعدها يأتي تيمور بجيل جديد ربما»، لكن لم تجر الرياح كما تريد سفن جنبلاط، على الرغم من تحضير نجله للاجواء السياسية قبل سنوات، بحيث رافقه في زيارات عدة داخلية وخارجية كما وضعه ضمن الاحتكاك المباشر مع الجمهور الجنبلاطي بحيث قام ولا يزال بإستقبال المراجعين كل يوم سبت في قصر المختارة.
الى ذلك ينقل مقرّبون بأن الزعيم الدرزي يعلن دائماً خلال لقائهم بأنه «قرف» من الوضع السياسي ويريد ان يرتاح لمصلحة القراءة والكتابة والسفر الى الخارج، لكن في هذه المرحلة الدقيقة تلقى نصائح داخلية وخارجية بأن يبقى الى جانب طائفته لانها محتاجة له، وبالتالي فالوضع لا يساعده على التنحي قبل ان يقول كلمته في ما يخص الانتخابات النيابية، التي تصّب في مصلحة الدروز ومصلحته الشخصية ايضاً، لانه يريد القانون الذي يحافظ له على كتلته المتنوعة وخصوصاً على المقاعد المسيحية التابعة له، وهو انطلاقاً من هنا ينتظر القانون الجديد كي يبني على الشيء مقتضاه، مع إستبعاد ترشيح تيمور الى النيابة حالياً.
وفي هذا الاطار تشير مصادر سياسية رافضة لمبدأ التوريث الى اننا إعتدنا في معظم الدول العربية على الإرث السياسي خصوصاً في لبنان، بحيث تنتقل الزعامة والنيابة واحياناً الوزارة من الاب الى الابن او الصهر والى ما هنالك من اقارب...، لكن البارز هو التقليد الذي يشهده لبنان كل فترة، مع دخول عدد كبير من المرشحين الى المجلس النيابي عبر وراثة آبائهم من خلال صندوق الاقتراع، الذي يولي الطاعة دائماً فينقل الزعامة الى العائلة السياسية التقليدية والاقطاعية.
وتلفت الاوساط الى ان الحدث الابرز الذي كان يُحضّر في الكواليس منذ سنوات، هو توريث النائب جنبلاط كل انواع الزعامة واشكالها الى ابنه تيمور الطرّي العود في السياسة تاركاً اياه مع اركان الحزب الاشتراكي والرفاق في النيابة، أي مروان حماده واكرم شهيب ووائل ابو فاعور وغيرهم، كي يدرّبوه على السياسة التي لا يحب السير على دروبها بحسب ما نرى.
وتعتبر المصادر المذكورة بأن هنالك مخاوف من التوقيت الزمني الذي إختاره جنبلاط لتوريث نجله، لان الظروف السياسية الدقيقة التي يمّر بها لبنان ودول المنطقة تتطلب سياسياً قوياً متمرّساً في السياسة الصعبة، التي لطالما تميّز بها آل جنبلاط بدءاً بالراحل كمال جنبلاط وصولاً الى وريثه وليد الذي تميّز عهده الحزبي والنيابي والوزاري بالتنقل من ضفة الى اخرى، وبفتح صفحات جديدة كل فترة مع مسؤولين سياسيين، خصوصاً منذ الانقلاب الشهير الذي شارك به قبل سنوات على حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم إستتبعه بفتح قلبه الى حزب الله من دون ان يلقى الحماس الذي يدّب فيه شخصياً من قبل مسؤولي هذا الحزب الذين ينظرون اليه بحذر، ما جعل النتيجة مخيبّة للآمال لانه لا يستطيع ان يبقى في تموضعه السياسي الجديد لفترة طويلة، كما ان من يلجأ اليهم جنبلاط لا يثقون به إلا لفترة وجيزة، فيعودون ليتأكدوا بأنهم وككل مرة كانوا على خطأ، فهو غادر موقعه في 14 آذار على وجه السرعة فدخل خط 8 آذار بسرعة اكبر، واذا به يسارع في الخروج منه بعد فترة، لانه اتخذ قراره هذه المرة باللجوء الى خط الوسطية الذي نادى به منذ ان انقلب سياسياً، كما ان وضع الدول العربية جعله يشعر بالخسارة تقترب منه، فأراد ان يختار تموضعاً لا يلومه عليه احد، خصوصاً انه بعد كل خضة سياسية في لبنان يقرّر دفن الماضي الى غير رجعة، وهذه المرة اعلن انه لن يغيّر مواقفه انما سيراعي الظروف والمتغيرات الداخلية والاقليمية وحتى الدولية.
هذا وترى هذه المصادر بأن مجرد تزكية جنبلاط برئاسة الحزب الاشتراكي قبل اسبوعين يؤكد بأنه إستمع جيداً الى النصائح ، في حين كان يريد قبل فترة ومن خلال تيمور وضع الدروز ضمن سياسة جديدة منفتحة بعيدة عن التقلبات التي شهدتها على مدى عقود من الزمن بسبب سيرها وراء خطه الحافل بالمناورات السياسية التي إستعملها، وبالتالي اراد خلق طرق جديدة سلمية للدروز، من خلال نجله البعيد عن الزواريب الضيقة التي اوصلتهم الى دروب وعرة في بعض الاحيان.
وختمت الاوساط بأن الزمن الحالي يتطلب الوعي والادراك بشكل كبير، لان أي خطأ سياسي قد يوقع في الهلاك، لذا على البعض ان يجهد قبل إتخاذ أي قرار يتعلق بالاخرين وبمصيرهم، مما يعني ان نيّة جنبلاط هي البقاء مكانه وخوض الانتخابات النيابية المرتقبة وهو رئيس للحزب الاشتراكي، مع ضرورة إبتعاده عن هفوات اللسان التي لطالما تميز بها، والتي ينصح تيمور بعدم السير بها لاحقاً كي لا يقع في المطبّات السياسية.
صونيا رزق - "الديار" - 17 شباط 2017
إرسال تعليق